بمجرد رؤيتك لها للوهلة الأولى ربما تتصور أنها مُتهالكة، لا يمكن أن تستخدم مرة أخرى، ولكن فى المقابل فإن هذه الأبواب لها نوع خاص من الزبائن، الذين يتعاملون معها باعتبارها قطع "أنتيكا" تستحق التقدير، وتحتاج من يقيمها بشكل صحيح فقط ، وقد لا يخطر ببالك أن أشهر نجوم المجتمع من الزوار الدائمين لبائعها.
هنا فى حى سوق العصر بمنطقة السبتية، تجد العديد من الورش المُتراصة بجوار بعضها البعض، بجوار المبانى العتيقة التى تتميز بها هذه المنطقة التاريخية، ومن هنا بدأت جولة "اليوم السابع" داخل الحى المُخصص لبيع الأبواب القديمة.
"البائع البشوش" يتعامل مع فنانين كُثر .. والراحل وائل نور أقرب الزبائن لقلبه
"عم على" ذو الوجه البشوش بمجرد أن تتحدث معه تجد أنك أمام موسوعة تاريخية مُتنقلة، يتحدث بكل حب وألفة عن مكان نشأته بحى بولاق أبو العلا، وخصوصًا حى سوق القصر بالسبتية، مُنذ أن كان طفلًا يجوب مع والده وأخيه الأصغر منه إلى الحى لفتح باب رزقهم لبيع المستلزمات القديمة وبالأخص الأبواب الخشبية ذات التصميمات النادرة.
25 عامًا، هى المدة التى قضاها "عم على" صاحب الـ62 عامًا داخل حى سوق العصر لتكون المهنة بالوراثة بمعاونة أخيه الأصغر سلفًا لوالدهما، ليرعى الِملك الموروث فى تجارة الأبواب القديمة المصنوعة من الخشب والحديد، ووفقا لقوله فالعديد من الأشخاص يميلون لإقتناء تلك النوعية من الأثاث التى يرجع تاريخها إلى التراث القديم، وغيرهم يروون أنها أنها تكون مناسبة فى حالة استبدالها بأبواب أخرى تُصنع خصيصًا.
عم علي بائع الأبواب القديمة
يسرد الرجل الستينى، أنه صادف خلال رحلة عمله بهذا المجال المُولع به، الكثير من الزبائن أصحاب الأذواق المتابينة، حيث أنه يأتى بتلك الطراز المُصمم بتفانى وصناعة نادرة عن طريق الاهتمام دومًا بالمنازل والقصور القديمة فى كافة المناطق الآيلة للسقوط ليكون متواجد بها لشراء تلك القطع المختلفة والتي تُناسب زبائن متجره سواء كان ذلك داخل القاهرة وخارجها ومن بينها الحى السكنى شبرا، ووسط البلد فضلًا عن حى بولاق أبو العلا بأكمله.
"أنا بيجيلى هنا يسرا ونيللى وفنانين كتير بقوا زباينى"، يقولها "عم على" صاحب الصيت الواسع بالمنطقة، حيث من أبرز الفنانين الأصدقاء له هو الفنان الراحل وائل نور، والفنان غسان مطر، وكمال أبو رية، فهم يحتاجون للأبواب القديمة فى صنع بعض الديكورات فى المسلسلات التليفزيونية والأفلام، فضلًا أن أكثرهم مُولعين بالديكورات القديمة ويستخدمونها كـ"أنتيكا" فى منازلهم.
أبواب المنازل القديمة
ومن أكثر المواقف الغريبة التى تعرض لها البائع الستينى، عندما جاء له أحد المشترين من ساكنى إحدى المناطق الريفية، كان يريد أن يشترى بابًا لبيته نظرًا لبساطة حالته المادية، وجاءت مُلاحظة "عم على" بأن مظهره بسيط يجعله لا يملك الكثير من المال، وبعد كثير من الجدل فى السعر ليكون أقل من ثمنه الحقيقى المُقدر بـ90 جنيهًا حينها، وبإصرار مع الرجل بسيط الحال ليأخذ الباب بـ60 جنيهًا، مُبررًا ذلك:" معيش غيرهم، وعايزه أستر عيالى اليتامى".
وبعد محاولات كثيرة ليشترى الباب بسعر 60 جنيهًا فقط، جاء تصرف البائع معه بأن يأخذ منه هذا المبلغ ليكسب ثوابًا من ورائه، وبعد أن أعطاه الرجل بسيط الحال المبلغ المتفق عليه فوجئ بأنه أخطأ واخرج مبلغ كبير وصل لـ"500" جنيه، مما جعله يدرك كذب الرجل من البداية، فارتسمت الدهشة على وجهه من هذا الموقف، وقرر أن يرفض بيع الباب له جزًاء لكذبه، قائلًا: " كنت ممكن أخذ الفلوس على أنها 60 جنيهًا، لكن أنا مقبلش المال الحرام ولا عليا ولا على بيتى".
باب من العصر الخديوي
ومن الطريف أن بعد هذه الواقعة مباشرًة، رُزق البائع الستينى ببيع الكثير من الأبواب، دون أن يُجادل مع المشتريين، مُعبرًا عن رضاه بما قسم الله به: "حسيت براحة غريبة وأن ربنا بيمتحنى ونجحت فى الاختبار".
ويروى "عم على"، أن كثير من المسلسلات التليفزيونية، بُنيت بأكملها من ديكورات مختلفة باستخدام الأبواب التى يبعها بمتجره، وكان من بينها مسلسل "كفر عسكر" الذى اعتمد على الكثير من الأبواب المُباعة من متجره الصغير، فضلًا عن مسلسل "فارس بلا جواد"، قائلًا: "الكثير من المسلسلات تتعامل معنا بشكل دائم".
إحدى النوافذ التراثية
"محمد عثمان" ورث مهنة بيع الأبواب عن أبيه.. ويسرا اشتريت منه باب لبيتها
ورث مهنة بيع الأبواب القديمة من أبيه، فكانت التجارة الأقرب له ولطبيعته حتى أنه تعود على مشتريها من ذوات الطبقة العليا والأكثر فقرًا، وأحب تواجده بحى سوق العصر وبالتحديد منطقة السبتية، فهو الشاب محمد عثمان، 32 صاحب عامًا.
30 عامًا، هى المدة التى قضاها محمد بجوار والده مُنذ نشأته فى تجارة أنتيكا الأبواب القديمة، حيث يأتى إليه الزبائن من كافة المستويات الطبقية، حتى يستطيع أن يميز بين الكثير من الأشخاص وفقًا للظروف المادية التى تحكم عليه البيع بسعر معين.
أبواب قديمة باهتة اللون
وتترواح الأسعار الأبواب لدى الشاب الثلاثينى مابين ال2000 جنيه حتى 15 ألف جنيه، حيث يتحكم فى ذلك قيمة الباب كأنتيكا فضلًا عن طريقة صنعه غير المتوفرة فى الوقت الحالى والتى تتميز بالتفانى فى تصميم الباب وشكله وثقله أيضًا.
ممر لمتجر بيع الأبواب القديمة
وتعددت استخدامتها حسبما ذكر محمد، فالبعض يستخدمها على حالتها دون تجديد كديكور أنتيكا لإعطاء شكل مختلف، والبعض الآخر يقوم بشرائها لتجديدها نظرًا لقيمتها الثقيلة على عكس الأبواب المُصنعة حديثًا، وهناك شركات سياحية عديدة تشتريها فى القرى السياحية، قائلًا:" الناس اللى بيشتروا كتير، وأنا بيبع الأبواب بأسعار مختلفة نظرًا لاختلاف القيمة".
أبواب قديمة ذات تدرجات لونية مختلفة
ويسرد البائع الثلاثينى، أنه جاء إليه الكثير من الفنانين والفنانات لشراء أبواب باختلاف الأغراض فمنهم يستخدمها فى منازلهم، وآخرون يقومون باستخدامها كأنتيكا فضلًا عن الذين يشترونها لبناء ديكور داخل إحدى المسلسلات التليفزيونية، مُعبرًا عن مدى اعتزازه بمهنته المتوارثة: "أنا يسرا اشتريت منى باب لبيتها".
ولم يشترط "محمد" مكان محدد لشراء الأبواب من البيوت المُهدمة، فتخطت أماكنها محافظة القاهرة ليجوب إلى الإسكندرية وغيرها من المحافظات ليضع يده لشراء تلك القطع التوراثية من أصحابها، وليس شراء الأبواب القديمة مقتصر على المشاهير فقط، بل أن كثير من ذوات الطبقات الراقية من أطباء ومهندسين وغيرهم يأتون لشرائها.
نوافذ قديمة تراثية
"عم محمد" بائع البلاط والرخام القديم يبيع المتر بـ150 جنيهًا:"والناس مش عارفة قيمة الحاجة اللي عايزين يشتروها"
لم يقتصر بيع التراث على الأبواب فقط، فالبلاط القديم ذو النقاشات المختلفة المميزة التى ترجع إلى عصور قديمة، بهت الزمان لونه عليه ولكن له مُولعيه الذين يتجاوزون عن الأسعار الغالية نتيجة لقيمته الثمينة، تجده مختلف المقاسات ذو أشكال لم تألفها العين من قبل، يلتف عليه الأوراق البلاستيكية لتحافظ عليه حتى يشتريه "صاحب النصيب".
بلاط مُرتص بجوار بعضه ومُغلف بأكياس بلاستيكية
لم يكتفِ عم محمد البائع حسن المظهر، 55عامًا، الذى يبيع البلاط ذو النقاشات التى تشبه شكل السجاد المُفترش على الأرض، حيث أنه يبيع بجواره رخام متباينة أشكاله وألوانه، قائلًا:" البلاط والرخام أصليين، ومش خسارة فيهم الفلوس اللى تتدفع".
ورشة بيع البلاط والرخام القديم
يبيع الرجل الخمسينى متر البلاط بـ150 جنيهًا، وهذا السعر لا يلق القبول من المشترين، لذا فيجد أن الركود يحل بمتجره الكائن بحى السبتية، واصفًا حاله: "البيع والشراء نايم، وربنا يكرم بتحسين الوضع فى الفترة اللى جاية".
أشكال متباينة من الرخام القديم
هذا الخبر منقول من اليوم السابع