خِدعة كُبرى قصة: مراد ناجح عزيز

خِدعة كُبرى قصة: مراد ناجح عزيز
خِدعة كُبرى قصة: مراد ناجح عزيز
 
 
 
 
هُناك في مكان ما..
بالقرب من طريق زراعي طويل ومسافة تبعد كيلومترات عن المدينة, وبخطوات مثقلة بالهَم اقطعها إليه, سجّادة الحقول الخضراء, وكأن طفل يعبث فيها بآلة حادة, محاولًا البحث عن مُتعة في إعادة تشكيلها وبشكل عشوائي, فغدت كوجه دميم تملؤه النّدبات الإسمنتية مربّعة الشّكل أو مستطيلة, إلا أن بقيّة باقية, سقطت عن كاهلها أقدام المدينة الخرساء, وبالرغم من اقتضاب وجه الحقول من تلك اليد الآثمة, التي أصابت رأسها بحجر أرّقها ليل نهار, فمازالت كأُم حتّى أخر أنفاسها تمنح دون انتظار.
نظرًا لبُعد المسافة أُعد مسبقًا كل ما احتاج إليه وكل ما يحتاج إليه, وحتّى لا أُضيف عبئًا على ذاكرتي المُزحمة, أًدوّن بعضًا منها في ورقة ثم أُعيد قراءتها مرّة أخرى,
وبصوت أشبه بتمتمة خافتة, فلربّما احتاج الأمر زيادة أو نُقصان, وللحقيقة لم يكن هُناك في أغلب الأوقات ما ينقص, إلا فيما ندر واستجد من تفاصيل.
خطوات أقطعها إليه, التحف سُترة ثقيلة اختبيء داخله من صفعات برد الشّتاء التي تزداد كلّما ابتعدنا عن مُحيط المدينة, انتعل حِذاء مُتهالك بعض الشّيء, نعم هو لا يهتم بظهري الخارجي, بل كل ما يرجوه ألا أضيق به يومًا, وان نقف على مسافة واحدة من احتياج بعضنا لبعض, لا أشعر بحركة أصابعي داخل الحِذاء, ربّما تجمّد الدّم فيها بفعل برودة الجو, ثمة أطفال يلعبون بالقُرب من مجرى الماء, أبناء المدينة فقط يخشون اللعب في مثل تلك الأجواء, حِرصًا على سلامتهم وتوخّي الإصابة بنزلات البرد, إلا أن ما يحدث عكس ذلك تمامًا, لا سيّما وهم الأكثر عُرضة للإصابة للأمراض بمُختلف أنواعها, وما أن يتراءى لي وجهه, يبدأ حديثي المُنفرد: أود لو 
أنّي أعيش خِدعة كُبرى, وأن سرابًا هو ما يتراءى لعينيّا, وما بين التفاتة وأخرى 
لا أجده.
أيّام الراحة تمضي كطيف, أيّام الشّقاء تمضي كسلحفاة على كسر زجاج, وما بين رغبة تقول بصوت واهن: نعم, ورغبة أخرى تقول: لا, كطفل جاءنا في غير موعده, في غُرفة ضجّت بثلاثة أبناء وزوج وزوجة, إذ كان علينا اقتطاع بعض من نفقاتنا الضّروريّة له, لا سيّما وانّه يأكل ضعف ما نأكل وما زالت نحافته سمة لا تُفارقه, تقزّم شكل الحياة كثيرًا, فلا طعام يهنأ لنا, ولا عادت على الوجوه ابتسامة, وكثيرًا ما انتهى بنا الحديث باقتضاب وجهينا, وشيخوخة أصابت تلك اللحظات الدافئة بيننا, فغدا الليل أشبه بنِزال حرب على جبهتين, احديهما تتسلّح بالحب والأخرى بالظّروف, فباعت زوجتي سِوارها, وما أدراك بقيمة ما تبيع امرأة مصاغها لأجله, وتجعله شريكًا تقتص له من ثمن أحذية وملابس أولادها دون اقتضاب وجه أو مجرّد لَوم.
منذ ذلك التّاريخ وامتلأ رأسي بزحام أفكار أشبه بسوق تتدافع فيه الأجساد بحثًا عن مُتّسع لها, وكثيرًا ما دارت أحاديث من حولي دون أن تجد لأذنيّا طريقًا, إذ كنت مُحلّقًا في عالم أخر وذلك الكيان, لطالما اكتسى باللحم يومًا بعد يوم, في حين تجلس الآن زوجتي من شُرفته, بينما أخطو خفيفًا إليه, أسمع من لُغة الماضي أحاديثًا, أتابع حركة الأسماك داخل مجرى الماء الصّغير(ترعة) دون التفاتة لطفل يلهو بآلة حادة فوق سجادة الحقول الخضراء.