رغم سقوط مدينة ود مدنى ثاني أكبر مدينة سودانية في أيدى قوات الدعم السريع، الأسبوع الماضي، إلا أن العالم الذى ما زال منشغلا بالحرب الأوكرانية الروسية، و الحرب الإسرائيلية الفلسطينية، يتجاهل الصراع في السودان الذى في حالة استمراره وامتداد نطاق الحرب فيه، سيؤدى إلى إعادة تشكيل سياسة المنطقة، بما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص والعالم بشكل عام.
وبات تقسيم السودان أزمة إنسانية وخيمة، يقترب من السيناريو الليبي، حيث تتصارع حكومتان بدعم من قوى إقليمية ودولية على السلطة.
وأعلنت الأمم المتحدة، أن الحرب السودانية والتي اندلعت في أبريل في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع أدت إلى نزوح 7.1 مليون شخص، واصفة إياها بـ"أكبر أزمة نزوح في العالم".
وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن المعارك الأخيرة وسط البلاد أرغمت 300 ألف شخص على الفرار وهذه العمليات الجديدة ترفع عدد النازحين إلى 7.1 مليونًا، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى البلدان المجاورة.
ودمر الصراع في السودان البلاد وأدى إلى مقتل ما يصل إلى 9 آلاف شخص حتى أكتوبر، وفقا للأمم المتحدة، غير أن النشطاء ومنظمات الأطباء يقولون إن العدد الحقيقي أعلى بكثير.
وأجبر القتال في ود مدني العديد من منظمات الإغاثة، بما فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، على إجلاء موظفيها من المدينة التي كانت مركزا للعمليات الإنسانية في البلاد.
وأصدر مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية تقريرًا أوضح فيه أن سقوط ود مدني يحمل آثاراً كبيرة على الجانبين العسكري والإنساني للأزمة السودانية .
ويشير التقرير إلى أن التحول في دفة الصراع وبناء تحالفات جديدة للطرفين يزيد من المخاوف من وجود دولة منقسمة، خاصة وأن أياً من الطرفين لا يبدو مستعداً لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات ولم يحرز أي منهما تقدماً حاسماً على الأرض، مع استثناءات قليلة ، ونتيجة لجولات المفاوضات العديدة التي اتسمت بالعقم، لم يكن من الممكن التوصل إلا إلى وقف مؤقت للأعمال العدائية، والتي سرعان ما استؤنفت بمجرد انتهاء الهدنة.
ويثير فشل الوساطات الدولية العديدة مخاوف من أن يؤدي استمرار هذا الوضع لفترة طويلة إلى تقسيم السودان، كما تؤدي الموجة المتزايدة من تسليح المدنيين إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية.
وسبق للأمم المتحدة أن حذرت من أن العنف في السودان وصل إلى مرحلة "الشر المطلق" وأعربت عن قلقها إزاء ما يحدث، لا سيما بشأن الهجمات ذات الدوافع العرقية في دارفور.
كما لم يحرز الاتحاد الأفريقي وهيئته الإقليمية، تقدماً يذكر في محاولة إنهاء القتال، كما تحاول كل من جنوب السودان وجيبوتي وإثيوبيا تعيين مبعوث خاص، ولكن حتى لو تمكنوا من اختيار وسيط مناسب، فمن الصعب أن نرى كيف سيحرز هذا المبعوث تقدماً، ولم يتم بعد نشر القوة الاحتياطية الأفريقية، والتي أنفق عليها الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي مبالغ ضخمة من المال، وبدلاً من ذلك، جرت محادثات السلام الوحيدة القابلة للحياة في جدة، وهو ما يشير إلى أن العالم العربي، وليس الاتحاد الأفريقي، هو الذي يمكن أن يمارس دوراً أكثر أهمية في السودان.
ولعل السبب الرئيسي وراء العجز الأمريكي أو عدم الرغبة بالتدخل الحاسم في المسألة السودانية ، وفقًا لمانشره مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، يرجع إلى انهماك الرئيس جو بايدن في الصراع بين إسرائيل وحماس في غزة، كما أنه مع انطلاق حملة إعادة انتخابه، لم يعد لدى بايدن سوى القليل من الوقت للتركيز على السودان.
ومن جهته، أكد رئيس بعثة اللجنة الدولية في السودان بيير دورب الخميس في بيان صحفي قائلا "نخشى أن تتحول مدينة ود مدني، التي كانت تعتبر ملاذا آمنا للأشخاص الفارين من العنف الشديد في الخرطوم، إلى فخ آخر للموت".
وحذرت المنظمة الدولية للهجرة الخميس من أن ما يشهده السودان "مأساة إنسانية ذات أبعاد هائلة، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الرهيبة في الأساس".
ولكن وبسبب الدمار الذي لحق بالبنية التحتية الضعيفة أصلا، جراء الحرب بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش والفريق محمد حمدان دقلو(حميدتي) الذي يقود قوات الدعم السريع، لم يجد كثيرون مكانا يذهبون اليه.
ومن جانبها، علقت مديرة اليونيسف كاثرين راسل في بيان "لقد سمع زملاؤنا في السودان قصصا مروعة من النساء والأطفال الذين أمضوا رحلة مروعة للوصول إلى مدني".
وأوضحت "والآن، حتى هذا الشعور الهش بالأمان قد زال مع اضطرار هؤلاء الأطفال إلى الفرار مرة أخرى"، وأضافت "لا طفل ينبغي أن يعيش أهوال الحرب".
ومع امتداد القتال إلى ود مدني، عادت إلى أذهان النازحين من الخرطوم الأوضاع التي عاشوها في العاصمة ودفعتهم إلى الفرار منها.
وبينما كان القتال دائرا بين الطرفين والطائرات الحربية تحلق في السماء، أغلقت المحلات التجارية خوفا من النهب وبدأت العائلات تبحث عن وسيلة لحماية النساء والفتيات خشية وقوع اعتداءات جنسية تبادل الطرفان الاتهامات بارتكابها منذ اندلاع الحرب.
ويذكر أن الحرب في السودان أسفرت عن سقوط أكثر من 12 ألف قتيل حتى مطلع ديسمبر وفق حصيلة بالغة التحفظ لمنظمة "أكلد" المتخصصة في إحصاء ضحايا النزاعات.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع