قبل نحو 20 سنة كانت السيدة رجاء فاروق المقيمة بقرية القاسمية التابعة لمركز بلبيس بمحافظة الشرقية، تنتظر ميلاد مولودها الأول بعد 6 سنوات زواج لم يرزقها الله فيها بالإنجاب، وفى يوم 10 أغسطس من عام 2003 وضعت مولودتها الأولى داخل أحد المستشفيات الخاصة بمدينة الزقازيق، على يد أحد أمهر أطباء النساء بمحافظة الشرقية، الذي أخذ يهدأ من روعتها ويحدثها عن الرضا بقضاء الله قبل أن تستقبل منه خبر ميلاد طفلتها بدون ذراعين، فقبلت السيدة المؤمنة قضاء الله بصدر رحب، واختارت لطفلتها اسم " رحمة" لعلها تكون لها رحمة من الله فى الآخرة .
بدأت الأم رحلتها مع نجلتها الأولى فى العلاج وبعد ما أتمت عامها الأول اكتشفت عدم قدرتها على الكلام وصعوبة فى السمع، وعرضتها على أكثر من طبيب فى ذات التخصص، لكن دون أى جديد فى حالتها الصحية، وأراد الله أن يعوضها فرزقها بثلاثة أبناء أسوياء بعد طفلتها الأولى، أصبحوا الآن فى مراحل دراسية مختلفة بالثانوية العامة والإعدادية.
" رحمة منحة من الله " بهذه الكلمات سردت رجاء فاروق صاحبة الـ 54 عاما قصة نجلتها " رحمة ناصر عبد الحميد" صاحبة الـ 20 ربيعا قائلة: رحمة ولدت بدون ذراعين وتعاني من ضعف بالسمع وعدم القدرة على الكلام، واكتشفت فى طفولتها أنها على قدر كبير من الذكاء بالرغم من إصابتها بإعاقات متعددة لكن ترفض دائما التعامل بلغة الإشارة وتعتمد على الفهم والذكاء، وقدمت لها فى حضانة بالقرية ظلت فيها فترة طويلة، وبدأت ألاحظ عليها الرغبة الشديد التعلم حيث كانت أشقائها برفقتها بذات الحضانة، وكانت تقوم بكتابة الواجب المقرر على أشقائها، فبدأت أنتبه إنها لديها قدرات خاصة تفوق إعاقتها بكثير، وفى الخامسة عشر من عمرها، بمساعدة " أيمن سالم" فى إدارة بلبيس التعليمية، والدكتورة" هناء قنديل" رئيس مجلس إدارة مركز شباب السعادات، التحقت رحمة بالمدرسة للمرة الأولى فى حياتها، وتم إجراء اختبارات لها فى مدرسة إبراهيم حفنى الإبتدائية" بقرية العدلية الفصل الواحد التابعة لتل روزن، وتم الحاقها بالصف الثالث الإبتدائي وظلت تتدرج فى الدراسة حتى وصلت الأن إلى الصف الثانى الإعدادى، وتحرص على الذهاب للمدرسة بشكل منتظم وتشارك فى كافة الواجبات والأنشطة وتحظى بمحبة من المعلمين وزملائها، وتحب الجيش المصرى جيدا، وعندما تسير برفقتى فى الشارع وتشاهد العساكر تحرص على تقديم التحية العسكرية لهم.
وأردفت الأم: أن نجلتها ترفض أن يتعامل معها المجتمع أنها صاحبة إعاقة، وتفضل ان يتعامل معها مثل البشر الطبيعيين وتدرس مع زملائها الطبيعيين فى ذات المدرسة، منوهة أن " رحمة" هادئة جدا تميل إلى الهدوء وتشاركها فى أعمال المنزل وتحب المرح والاهتمام بمظهرها الشخصى جيدا، كما أنها تكتب بقدمها بخط جميل، فضلا عن قيامها بتعلم فن مشغولات الخرز، وأعدت مجموعة كبيرة من المشغولات وشاركت فيها فى احد المعارض حيث تصمم المشغولات بقدميها فى تناسق الالوان بشكل بديع أبهر المحيطين بيها وأدهش كل من شاهد أعمالها فى المعرض، كما أنها بارعة فى تصميم بعض الجرافيك على هاتفها المحول وتميل دائما على شغل الجرافيك وتحلم أن تصبح مهندسة كمبيوتر.
حيث استطاعت رحمة أن تثبت لنا جميعا إنها صاحبة إرادة وإصرار وإختارت أن تقضى حياتها مثل البشر الطبيعيين، وأن الله قد خلها مصابة بإعاقة لكن هذا لم يعيقها من الوصول إلى حلمها وتحقيق النجاح، وأن الله إذ أخذ من أحد شيئا فقد أعطاه ما هو أهم ليساعده على إحراز أهدافه، لتثبت لنا" رحمة" أن النجاح حليف من تحدى إعاقته وأن الإعاقة الحقيقية هى إعاقة الفكر والروح وليس إعاقة الجسد، وعندما تتوفر الإرادة القوية لدى الإنسان يستطيع أن يوظف قدراته ويتجاوز العقبات ويحق النجاح مهما كبلت جسده القيود.
اختتمت والدة رحمة حديثها لـ "اليوم السابع " قائلة : إحنا الحمد لله مستورين بفضل ربنا لكن نفسي مثل أى أم فى عمل مشروع لنجلتى تعيش منها مثل ماكينة تصوير تعمل عليها فى المنزل وتنفق منها وعرضها على طبيب أسنان لوجود معاناة كبيرة فى أسنانها وسقوطها باستمرار .
هذا الخبر منقول من اليوم السابع