علاقات ذات بعد تاريخى تجمع مصر وسلطنة عُمان؛ جذورها ضاربة فى التاريخ؛ حيث تعود إلى عهد الملكة حتشبسوت، وجاءت مساعى قيادات البلدين ممثلة فى الرئيس عبد الفتاح السيسى والسلطان هيثم لتبنى على قوة تلك الروابط والعمل على تنمية العلاقات المشتركة، والارتقاء بها فى جميع المجالات .
وقد لخص السلطان الراحل قابوس بن سعيد مكانة مصر بعبارته التاريخية الشهيرة "ثُبت عبر مراحل التاريخ المعاصر أن مصر كانت عنصر الأساس فى بناء الكيان والصف العربى، وهى لم تتوان يومًا فى التضحية من أجله والدفاع عن قضايا العرب والإسلام، وإنها لجديرة بكل تقدير".
وإضافة إلى العمق التاريخى الذى يجمع البلدين، هناك أيضا رؤى مشتركة لمختلف القضايا المهمة مبعثها ثوابث مشتركة بين الدولتين يأتى فى مقدمتها إعلاء قيم السلام واحترام الآخر واللجوء للحوار السلمى كسبيل لحل الازمات ، إضافة إلى تأكيدهما على احترام القانون الدولى.
وتأسيسًا على قوة هذه الروابط واتفاق الرؤى والثوابت المشتركة، يؤدى سلطان عمان هيثم ين طارق زيارته الأولى لمصر منذ توليه مقاليد الحكم فى يناير من عام 2020، اليوم الأحد، على رأس وفد رفيع المستوى، يضم كلا من شهاب بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع وخالد بن هلال البوسعيدي وزير ديوان البلاط السلطاني والفريق أول سلطان بن محمد النعماني وزير المكتب السلطاني وبدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجـيـة وسلطان بن سالم الحبسي وزير المالية والدكتور حمد بن سعيد العوفي رئيس المكتب الخـاص وعبد السلام بن محمد المرشدي رئيس جهاز الاستثمار العُماني وقيس بن محمد اليوسـف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار والسفير عبدالله بن ناصر الرحبي سفير سلطنة عُمان بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية.
وألمح بيان رسمى صادر عن البلاط السلطانى إلى أهمية العلاقات التاريخية التي تربط مصر وسلطنة عُمان، موضحا أن زيارة السلطان هيثم تأتى فى سياق تأكيد حرص قيادتي البلدين على توثيق تلك الروابط الراسخة بينهما.
ومهد الرئيس السيسى، من خلال الزيارة التى قام بها إلى السلطنة فى يونيو الماضى وهى الزيارة الأولى لرئيس مصر فى عهد السلطان هيثم بن طارق، الطريق لمزيد من تنمية العلاقات، وحظيت زيارته بحفاوة كبيرة على المستويين الرسمى والشعبى، "فالقلوب كانت مفتوحة قبل الأبواب لفخامة الرئيس"، وفق السفير العُمانى.
الزيارة التاريخية
وحول الدلالات التى تحملها هذه الزيارة ، قال السفير عبد الله بن ناصر الرحبي سفير سلطنة عُمان لدى مصر ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية، إن زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى القاهرة، التى تأتى بعد أقل من عام من زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطنة، تؤكد على اهتمام الحكومة العُمانية بمصر وما تشهده العلاقة من تطور، خاصة أن السلطنة تكن لمصر التقدير والاحترام على المستويين الشعبى والرسمى، مشيرا إلى أهمية الزيارات المتبادلة بين البلدين للتنسيق فيما يتعلق بتطوير العلاقات بما يلبى تطلعات الشعبين.
وأضاف السفير الرحبى، أن طوال طوال خمسين عاما، منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين شهدت تلك السنوات أحداثًا أكدت على عمق ومتانة هذه العلاقة أهمها تضامن سلطنة عُمان مع مصر إثر المقاطعة العربية عقب توقيعها اتفاقية كامب ديفيد.
وأوضح الرحبى، أن البلدين الشقيقين يُؤمنان بمبادئ مشتركة من بينها عدم التدخل في شؤون الآخرين والاهتمام بالأمن والاستقرار في المنطقة والقيام بدور مهم في هذا الجانب كلّ في مجاله وبطريقته، مما عزز العلاقة بينهما.
وأوضح السفير العماني، أن البلدين وقعا على مذكرة تفاهم سياسية، فيها من البنود التي تسمح بالتحرك في مساحات الحوار السياسي والتشاور بينهما، خاصة أن سلطنة عُمان تؤمن بتعظيم مساحة الحوار بين الأطراف المتنازعة وهذا أيضًا ما تفعله مصر المشهود لها في القضايا العربية.
وأضاف الكاتب العُمانى موسى الفرعى ، رئيس تحرير "أثير" بسلطنة عمان لـ"اليوم السابع"، أن هناك ريح طيبة تهب على المنطقة والبلدان العربية والإسلامية، ومتغيرات إيجابية بعد سياقات عديدة أثرت على البلاد بمختلف المستويات، وزيارة السلطان هيثم بن طارق لأخيه الرئيس عبدالفتاح السيسي تأتي في ظل هذا السياق و المؤشرات التي تدل على أن متغيرات الواقع السياسي إيجابية وتجنح نحو المزيد من استقرار الوطن العربي، ووحدة عربية طالما حلمنا به إيمانا بأننا نملك كل مقوماتها فإن لم يكن حلما كاملا فقد يتحقق منه مساحة كبيرة لائقة بالأمة العربية، ولا غرابة أبدا لأن العلاقة العمانية المصرية علاقة متجذرة تاريخيا وسياسيا وعاطفيا منذ أقدم العصور وصولا إلى الحاضر الزاهر، ويقينا أن مصر قوة كبيرة مؤثرة في الوجود العربي على خارطة هذا العالم، وفق الله القائدين لما فيه خير البلاد وألفة الشعوب ورخاء العيش لتنعم بحياة آمنة مطمئنة.
ومن الناحية العمانية فإن الشواهد كلها تشير إلى أن عمان تلعب دورا مفصليا في الكثير من القضايا بصفتها شريكا موثوقا من الجميع، وحسب الأمة العربية كل المؤثرات والدلالات السلبية التي نهشت من جسد الأمة.
زيارة الرئيس السيسى للسلطنة
حملت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى يونيو الماضى للسلطنة دلالة قوية على الترابط والاحترام والتقدير الذى يجمع البلدين، ورؤيتهما المتقاربة للقضايا المختلفة، وزاد من أهمية تلك الزيارة، توقيتها حيث يمر العالم بمتغيرات ويواجه تحديات كبيرة، فكان المحور الأساسى لها هو كيفية التنيسق من أجل أن تجتمع الأمة العربية كصف واحد، والحافظ على أمن استقرار شعوبها.
ومن جانبه، وصف السفير العُمانى، تلك الزيارة بأنها انطلاقة جديدة إلى مزيد من التنسيق والعمل المشترك، خاصة أن الملف الاقتصادى كان حاضرا بقوة على جدول أعمال الزيارة و مثلت الزيارة ترجمة للتاريخ الكبير من الترابط والاحترام والتقدير ما يربط بين البلدين فى نظرتهما للقضايا الدولية المهمة فهى رؤية متشابهة، فكلا البلدين يؤمنان بأهمية معالجة القضايا والإشكاليات الدولية بالحوار والنقاش السلمى، وهذه الرؤية المشتركة جعلت العلاقات الثنائية راسخة ومتطورة ولم تشهد أى انكسارات.
العلاقات التاريخية بين البلدين
تعود العلاقات التاريخية بين مصر وسلطنة عمان إلى عهد الملكة حتشبسوت، حيث كان لدى الفراعنة اهتمام بجلب اللبان لاستخدامه في المعابد الفرعونية والتحنيط، وهو ما تؤكده الآثار والدراسات البحثية التاريخية التي وجدت في المقابر الفرعونية إلى وجود بقايا لبان وخريطة دلت على رحلات الفراعنة إلى جنوب عُمان، بالإضافة إلى وجود بعض القبائل العُمانية ضمن القبائل العربية التي جاءت في فتح مصر على يد الصحابي عمرو بن العاص وظلت مستقرة حتى وقتنا الحالي.
وهناك محطات مهمة تاريخية فى مسار العلاقة بين الدولتين، وفى العصر الحديث منذ تولى السلطان الراحل قابوس بن سعيد فى سبعينيات القرن الماضى، ومواقف عمان تجاه مصر عالقة بأذهان المصريين، وهذه العلاقات تزداد نموًا يومًا تلو الآخر.
وفى هذا المضمار ، أشار المحلل السياسى العُمانى عوض باقوير رئيس جمعية الصحفيين العُمانيين سابقا، فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، إلي أن البلدين جمعتهما قرون طويلة من التواصل الحضاري بين العمانيين والأسر الفرعونية، وكان اللبان سلعة إستراتيجية لعبت دورا كبيرا في تقوية أواصر التعاون بين مصر وسلطنة عمان وتواصلت العلاقات بين البلدين منذ ذلك التاريخ لتواصل قوتها في العصر الحديث.
أضاف باقوير، أن الشعب المصري الشقيق لا يزال يتذكر بمحبة وتقدير موقف سلطنة عمان الداعم لمصر خلال عملية السلام المعروفة باسم معاهدة كامب ديفيد والتي استعادت من خلالها مصر أراضيها في سيناء.
وأشار ياقوير إلى أن التنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي والتعليمي متواصل بين القاهرة ومسقط وعلي ضوء ذلك فإن الزيارات المتبادلة تعكس أهمية تلك العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، وتتيح الفرصة لآفاق أرحب من التعاون.
مؤشرات الاستثمار
وعلى الصعيد الاقتصادى، فإن الاستثمارات العمانية تمثل جزءا مهما من الاستثمارات الخليجية والعربية فى مصر، حيث يبلغ حجم الاستثمارات العُمانية فى مصر 77.5 مليون دولار،حيث تتواجد 92 شركة عمانية فى مجالات الصناعة والسياحة والإنشاءات والزراعة، فى حين تبلغ الاستثمارات المصرية بالسوق العمانى 680 مليون دولار تقوم بها 142 شركة متخصصة فى مجالات البنية التحتية ومشروعات الطرق والاستثمار العقارى
وتبلغ قيمة صادرات سلطنة عمان للسوق المصرية 16.8 مليون ريال، فى حين تصل الواردات من مصر 48 مليون ريال عمانى بنهاية عام 2016.
وهناك أيضا تعاون ملحوظ بين رجال الأعمال المصريين والعمانيين، فعدد من الشركات المصرية الكبيرة تقوم بمشروعات ضخمة فى سلطنة عمان فى مجالات البنية التحتية ومشروعات الطرق والصرف الصحى والاستثمار العقارى السياحى مثل شركة بتروجت وشركة المقاولات المصرية وشركة المقاولين العرب.
وفى هذا السياق، أكد السفير العُمانى، أن مؤشرات الاستثمار بين البلدين الشقيقين بدأت تتحسن منذ 3 سنوات تقريبا، لافتا إلى ضرورة زيادة التعاون في المجال الاقتصادي بما يتماشى مع مستوى العلاقات التاريخية، خاصة أن هناك حراك اقتصادي بالبلدين في مجالات مثل الطاقة المتجددة والصناعة والأمن الغذائي والتعدين والصناعات التحويلية والنقل والأمن والصناعات الدوائية.
سفير عمان بالقاهرة
وأشار السفير العُمانى، إلى تنامى الزيارات المتبادلة فى هذا الجانب خلال الآونة الأخيرة، فهناك الكثير من الوفود العُمانية قد زارت مصر للاطلاع على الفرص الاستثمارية، كان آخرها وفد من رجال الأعمال العُمانيين أعضاء غرفتى تجارة سُحار وعُمان حيث عقدوا لقاءات مع رجال أعمال مصريين بالتنسيق مع هيئة الاستثمار واطلعوا على كثير من فرص الاستثمار خاصة فى العاصمة الإدارية الجديدة، وهناك أيضا رجال أعمال مصريين قاموا بزيارات للسلطنة بالتنسيق مع السفارة. إن مثل هذه الزيارات سواء على مستوى رجال الأعمال أو المسئولين بالحكومتين ستفضى بلا شك إلى نتائج تصب فى صالح شعبى الدولتين.
ودعا السفير العماني المستثمرين المصريين إلى الاستفادة من الفرص الاستثمارية المُتاحة في عُمان والممكنات الداعمة مثل المناطق الاقتصادية والموانئ والتشريعات الجاذبة للاستثمار، وهناك بعض المستثمرين المصريين بدأوا بالاستثمار في صناعة الأسمدة والبلاستيك الموجودة في المناطق الحرة، إضافة إلى الجانب السياحي .
العلاقات الثقافية
وعلى صعيد العلاقات الثقافية، التى تحتل أهمية كبيرة فى مسار العلاقات بين الدول والشعوب، فإن مصر والسلطنة توليان اهتماما كبيرا بتنمية العلاقات الثقافية بين البلدين، وفى هذا الإطار خلال زيارة الرئيس السيسى للسلطنة جرى التوقيع على اتفاقيات منها ما يتصل بالجوانب الثقافية والتعاون في المجالات الأكاديمية، وقد أوضح السفير العُمانى أن البلدين يدرسان حاليا سبع اتفاقيات لها علاقة بالاقتصاد والثقافة والتعاون في مجال الوثائق والتراث من حيث الترميم والآثار إضافة إلى التعاون الأكاديمي بين الجامعات العُمانية والجامعات المصرية.
وقد أطلقت سفارة سلطنة عُمان بالقاهرة فى عام 2021 صالون أحمد بن ماجد الثقافي بهدف التعريف بالإرث الثقافي والحضاري للإنسان العُماني، إضافة إلى تعاون البلدين في مجالات الفن والأدب.
كتاب عُمانيون: امتداد العلاقات الأخوية
الدكتور أحمد بن سالم باتميره الكاتب والمحلل المختص في الشؤون العربية بسلطنة عمان
قال الكاتب الصحفي العماني الدكتور أحمد بن سالم باتميرا، لـ"اليوم السابع" إن العلاقات العمانية المصرية تاريخية ووثيقة ومستمرة، موضحًا أن الزيارات المتبادلة بين البلدين تعد امتدادا طبيعيا لمتانة هذه العلاقات الثنائية الوثيقة، وزيارة السلطان هيثم تتويج لعشرات اللقاءات والاتصالات بين قادة البلدين الشقيقين على مدى سنوات.
و تكتسب الزيارات المتبادلة أبعادا مهمة ومحورية في العلاقات الثنائية الطيبة من جهة، وما تمر به المنطقة العربية والعالم من أحداث وتطورات تتطلب من قيادتي البلدين مناقشتها بكل وضوح وشفافية لتجاوز الأزمات والتحديات، بالإضافة إلى القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وأضاف الكاتب الصحفي العماني، أن العلاقات المصرية العُمانية قديمة وراسخة وتزداد رسوخا وثباتا في عهد جلالة السلطان هيثم بن طارق والرئيس عبد الفتاح السيسي ، فالتنسيق الكامل والتشاور الدائم هو سمة العلاقات بين البلدين الشقيقين على مختلف المستويات، مؤكدا أن العلاقات ستبقى متميزة وراسخة لأنها مستمدة وراسخة من تاريخ طويل وأحداث هامة حصنت هذه العلاقات عبر سلسلة من الوقائع التي لا يمكن نسيانها أو تجاهلها.
وأشار باتميرا إلى تطلعات الشعبين الشقيقين المصرى و العُماني لمزيد من التعاون الوثيق بين البلدين في كافة المجالات.
وأوضح المحلل السياسى العُمانى عوض باقوير رئيس جمعية الصحفيين العُمانيين سابقا، فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، أن هناك تقدير كبير للدور المحوري للشقيقة مصر في ظل المتغيرات السياسية التي يمر به العالم العربي، و تُعد التحركات من جانب القيادات العربية من الأهمية بمكان خاصة القيادة المصرية علي اعتبار أن مصر تاريخيا تمثل الثقل العربي .
وبالنسبة للعلاقات الاقتصادية، أكد أن اللجنة المصرية العمانية ومجلس رجال الأعمال سوف يكون له إسهامه المميز في المجال الاقتصادي والاستثماري ، خاصة أن هناك عدد من الشركات المصرية تعمل في سلطنة عمان وهناك علاقات تعليمية راسخة، كما أن التنسيق السياسي متواصل.
وأشار أيضا إلى الاهتمام الكبير الذى حظيت به الزيارة السابقة للرئيس عبد الفتاح السيسى إلى السلطنة، حيث رحب الشارع العُمانى ترحيبا كبيرا بالرئيس السيسى ، ما دلل على حب العمانيين لمصر وشعبها إلى جانب تقدير قيادتها السياسية، ونُقلت تلك المشاعر ومظاهر الترحاب عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تصدرت صور الرئيس السيسى عددا من الشبكات الإخبارية ، أيضا كان هناك اهتمام إعلامى كبير بالزيارة وانطباعات المتخصصين والمواطنين عنها وأهميتها وانعكاسها علي مجمل العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين وأهمية دفعها إلي مزيد من التعاون.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع