أثار اعلان روسيا تجميد معاهدة نيو ستارت، والتى كانت تجمعها مع الولايات المتحدة قبل قرابة 13 عامًا بهدف الحد من مخاطر السلاح النووى العابر للقارات، العديد من ردود الفعل العالمية، خاصة أن الخطوة تأتى قبل أيام معدودة من الذكرى الأولى لـ الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وسط مخاوف متصاعدة من اتساع دائرة الصراع.. إلا أن القرار، بخلاف ما اعقبه من مخاوف، أعاد إلى الأذهان تاريخ أمريكا وروسيا على طاولة المفاوضات وفى أرشيف الاتفاقيات والمعاهدات التى جمعتهما، رغم ما استقر فى التاريخ الحديث من صراع نفوذ متعدد الجبهات.
وعلى مدار التاريخ، أبرمت كل من موسكو وواشنطن العديد من المعاهدات والاتفاقيات، والتى كانت بدايتها فى العام 1824، وهى اتفاقية تتعلق بترسيم الحدود فى ألاسكا، ثم أبرم الطرفان عام 1867 واحدة من أبرز الصفقات بالتاريخ التى وافقت بموجبها الإمبراطورية الروسية على بيع ألاسكا للأمريكيين، مقابل مبلغ عادل حينها 7.2 مليون دولار.
وفى القرن العشرين، أبرم الأمريكيون مع الروس، والجانب السوفييتى خلال الحقبة السوفيتية، العديد من المعاهدات والاتفاقيات، على الرغم من توتر العلاقات، التى ارتبط أغلبها بالحد من التسلح والأسلحة النووية.
ويعود تاريخ بداية العلاقات الدبلوماسية الأمريكية الروسية للعام 1780.
وخلال تلك الفترة، عين الأمريكيون الدبلوماسى، وأحد الآباء المؤسسين، فرانسيس دانا سفيرًا بسانت بطرسبرج التى مثلت حينها عاصمة الإمبراطورية الروسية.
وشغل دانا هذا المنصب ما بين عامى 1780 و1783 قبل أن يخلفه فيما بعد جون كوينسى أدامز، الذى تولى ما بين عامى 1825 و1829 منصب رئيس الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من قبولهم بوجوده على أراضيهم، رفض الروس الاعتراف بفرانسيس دانا سفيرًا أمريكيًا ببلادهم خوفًا من ردة فعل بريطانيا التى حاولت جاهدة حينها الحفاظ على مستعمراتهما الثلاثة عشر التى عرفت رسميًا بالولايات المتحدة الأمريكية عقب نهاية حرب الاستقلال عام 1783.
وعلى الرغم من عدم حصوله على دور كبير بسانت بطرسبرج، اتجه فرانسيس دانا ما بين عامى 1780 و1783 للتعريف بالقضية الأمريكية بين الروس، أملًا فى كسب تعاطفهم ضد بريطانيا.
وفى ذات الإطار، يعود تاريخ أول معاهدة رسمية بين الأمريكيين والروس للفترة الممتدة ما بين عامى 1824 و1825.
وقد جاءت هذه المعاهدة حينها لتحدد بشكل دقيق ممتلكات الإمبراطورية الروسية بشمال القارة الأمريكية.
ويرجع تاريخ بداية المفاوضات بين الطرفين للعام 1808. فخلال ذلك العام، استاء الروس من دخول تجار الفرو الأمريكيين للممتلكات الروسية بألاسكا وتسليحهم لعدد من السكان الأصليين.
وبعد مضى سنوات عن فشل هذه المفاوضات، مرر القيصر الروسى ألكسندر الأول مرسومًا أمر من خلاله بتوسيع ممتلكات روسيا بالمحيط الهادئ، قبالة غرب شمال القارة الأمريكية، نحو خط العرض 51 الشمالي.
فضلًا عن ذلك، حرم هذا المرسوم التجارة مع الأجانب بالنسبة للروس والسكان الأصليين المقيمين بألاسكا. وقد أثار هذا المرسوم الروسى غضب الأمريكيين والبريطانيين.
وعقب مفاوضات استمرت أشهرا، وقع الأمريكيون والروس يوم 17 أبريل 1824 بسانت بطرسبرج على المعاهدة من قبل وزير الخارجية الروسى كارل نيسيلرود والسفير الأمريكى بموسكو هنرى ميدلتون واتفق الطرفان على تحديد خط العرض 54 الشمالى كأقصى الحدود الجنوبية لألاسكا الروسية. كما قبلا بمبدأ حرية التجارة على طول السواحل الغربية لشمال القارة الأمريكية.
ويوم 11 يناير 1825، صادقت روسيا وأمريكا على هذه المعاهدة بشكل رسمى التى دخلت حيز التنفيذ باليوم التالي.
فى المقابل، كان الرئيس الأمريكى الأسبق، باراك أوباما، والرئيس الروسى السابق، ديميترى ميدفيدف، قد وقعا معاهدة "نيو ستارت 3" فى أبريل 2010.
وهى تنص على الحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية للبلدين.
ودخلت المعاهدة حيز التنفيذ فى عام 2011 وتم تمديدها فى عام 2021 لمدة 5 سنوات، بعد أن تولى الرئيس الأمريكى، جو بايدن، منصبه.
وتسمح المعاهدة لمفتشين أمريكيين وروس على حد سواء بالتأكد من امتثال الجانبين للمعاهدة.
وبموجب الاتفاقية، تلتزم موسكو وواشنطن بنشر ما لا يزيد عن 1550 رأسا نوويا استراتيجيا، و700 من الصواريخ بعيدة المدى وقاذفات القنابل بحد أقصى.
غير أنه جرى تعليق عمليات التفتيش بموجب المعاهدة فى مارس عام 2020 بسبب جائحة "كوفيد-19".
ومرر البرلمان الروسى بغرفتيه، الأربعاء، قانون تعليق عمل البلاد بمعاهدة "نيو ستارت" بشأن التسلح النووى، بعد يوم من إعلان الرئيس، فلاديمير بوتين تعليق العمل بها.
وبهذه الخطوة، يدخل تعليق مشاركة روسيا فى معاهدة "نيو ستارت"، وهى آخر اتفاقية متبقية مع الولايات المتحدة على صعيد الحد من التسلح النووى، حيز التنفيذ تقريبا.
ولم يبق سوى إجراء روتنى، حسب وكالة الأنباء الروسية "تاس"، وهو نشر القانون فى الجريدة الرسمية، وبعدها سيصبح القرار الروسى نافذا.
وقالت "تاس" أن مجلس الاتحاد الروسى (الغرفة العليا فى البرلمان) وافق بالإجماع على تمرير مشروع قانون تعليق العمل بالمعاهدة.
وكان بوتين قد أعلن فى خطاب حالة الاتحاد أمام البرلمان الروسى، الثلاثاء، تعليق العمل بالمعاهدة التى تضع قيود على الترسانات النووية الاستراتيجية للبلدين، متهما الغرب بالتورط المباشر فى محاولات ضرب قواعد بلاده الجوية الاستراتيجية.
وبعد الخطاب وجه بوتين قراره إلى مجلس الدوما (الغرفة السفلى للبرلمان الروسي)، من أجل إقراره، وهو ما تم فى وقت سابق الأربعاء.
وفى حال أرادت روسيا العودة عن خطوتها هذه، فيتطلب الأمر قرارا من الرئيس بوتين.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع