رفضت الحياة من بعده، وكأنها أقسمت ألا تعيش أو تدرك معنى الحياة بعد غيابه رغم أن الجميع أخفوا عنها خبر وفاته، شعر قلبها بأن حبيب العمر رحل عن هذا العالم فاختارت أن تلحق به، هكذا اختارت دلال عبدالعزيز أن تكون إلى جوار حبيب عمرها سمير غانم وأن تلحق به بعد أقل من 80 يوما من وفاته.
هكذا اكتملت فصول قصة الحب التي تفوق أجمل القصص الرومانسية والخيالية بين دلال عبدالعزيز وسمير غانم وهكذا تركا الثنائى الأجمل والأقرب إلى قلوب الملايين جرحًا غائرًا وحزنًا عميقًا في قلوب ابنتيهما ومحبيهما والملايين ممن عشقوا دلال وسمير في مصر والعالم.
رحلت دلال عبدالعزيز بعد صراع عتيد من المرض استمر لما يقرب من 100 يوم، جمعها المرض والموت بحبيبها سمير غانم كما جمعها به الحب والزواج والفن والعشرة الجميلة الطيبة، لتقطر القلوب دمًا حزنًا على الثنائى الجميل أصحاب الضحكة الصافية الصادقة، والفن الذى يتجاوز حدود الارتباط بالفنان إلى اعتباره جزءًا من وجدانك وتاريخك وعائلتك، الثنائى النموذج الذى ترى فيه الحب والفن والإبداع وخفة الظل والعشرة الطيبة والأسرة القريبة من القلوب.
اليوم يرتسم الحزن على شفاه الملايين الذين أضحكهم وأسعدهم هذا الثنائى، والجمهور الذى ارتبط بعائلة سمير غانم ودلال عبدالعزيز وابنتيهما دنيا وإيمى، وكأنها عائلته، ليرى فيها كل مراحل حياة نجمه المفضل ويتابعها، ليس فقط على المستوى الفنى والإبداعى الذى تفوقت فيه هذه العائلة، ولكن على المستوى الاجتماعى والأسرى، وكأنها عائلته التى يعيش معها ويراها فى كل مراحلها وهى تتألق وتنمو وتنجب ويكبر أبناؤها ويتفوقون ويحققون نجاحات كبيرة، نفرح لفرحها وحين ينجح أبناؤها ونشاركهم فرحة الزواج والإنجاب، ونقلق حين نسمع أن أحدهم تعرض لوعكة صحية أو أصابه مرض أو سوء، ليكون الحزن والصدمة بخبر وفاة دلال عبدالعزيز بحجم كل هذه المشاعر.
كان يكفى أن ترى وجه دلال عبد العزيز فتستدعى كل مرادفات الإبداع والجدعنة والإنسانية والصدق والأخلاق الراقية والصداقة الوفية.
لم تكن دلال عبد العزيز بالنسبة للملايين مجرد فنانة موهوبة ومبدعة فقط، ففضلاً عن موهبتها الفنية الجبارة والمتفردة، كنال حين ننظر إلى وجهها نرى خفة ظل وصدق وحنان ووفاء وجدعنة كل الأمهات المصريات.
كانت دلال عبد العزيز من الأشخاص الذين يمثلون صمام الأمان لكل من يعرفهم، تراهم إلى جوارك فى أوقات الشدة مهما كانت الظروف، لا يبحثون كغيرهم عن ذرائع وأعذار للغياب، يتذكرونك إذا نسيك الجميع، يحفظون الود مهما تغيرت أحوالك وإصابتك تقلبات الزمن والحياة، وجوههم الطيبة وحضورهم الصادق المحب بلا نفاق أو رياء هو آخر ما تبقى من خير الدنيا وأمانها، وهكذا كان وجهها المحب الصادق الذى لا يغيب عن أصدقائه ولا يتحجج بأعذار مهما كانت الظروف.
لم تغب دلال عبدالعزيز عن أى عزاء حتى فى أشد أوقات الذعر والخوف بعد انتشار فيروس كورونا، لم تكن تتأخر عن متابعة زميل أو صديق يمر بأزمة حتى وإن غاب لسنوات وهكذا فعلت مع الفنان الكبير جورج سيدهم، الذى ظلت تزوره وتسأل عنه وتحتفل بعيد ميلاده حتى رحل عن عالمنا بعد رحلة مرض طويلة، ورأينا كل معانى الصداقة والوفاء في قلقها ولهفتها على صديقتها رجاء الجداوى حين أصيبت فيروس كورونا وتم احتجازها بالرعاية المركزة، وكيف كانت تتوسل إلى الله وتدعو لها بصدق وحب ودأب، وكيف رافقتها حتى أوصلتها إلى دار البقاء وحافظت على برها بعد وفاتها بختم القرآن أكثر من ثلاثين مرة ودعوة كل أصدقائهما لذلك.
دلال عبدالعزيز الحافظة للود والعهد والصداقة والتى ظلت تحفظ جميل جورج سيدهم حتى وفاته، وتعلن دائمًا أنه صاحب فضل عليها وأنه هو الذى قدمها على المسرح، وكان سببًا فى تعرفها على زوجها الفنان الكبير سمير غانم، وقليل من أهل الفن ما يشكرون ويذكرون من وقفوا إلى جوارهم فى بداياتهم.
دلال عبدالعزيز نموذج الزوجة الوفية والأم التى استطاعت بحكمة أن تعبر بأسرتها الفنية إلى بر الأمان وأن تربأ بها عما يجتاح الزيجات الفنية من تقلبات وأزمات، وأن تحافظ على حب عمرها الفنان الكبير سمير غانم، أحبته فى صباها بعدما جمعتهما مسرحية أهلا يا دكتور، رغم تحذير عدد من زملائها، كما صرحت فى أكثر من لقاء، مؤكدة أن عددا من كبار الممثلين أكدوا لها أنه لا يفكر فى الزواج، ومنهم محمود مرسى، ومحمود المليجى، وجورج سيدهم، وعبدالمنعم مدبولى، لكنها لم تكذب قلبها الصادق، حتى تزوجا وأنجبا ابنتيهما دنيا وإيمى.
دلال عبدالعزيز التى استطاعت أن تبنى أسرة طيبة ناجحة مستقرة تلقائية وطبيعية وهو ما ظهر فى كل اللقاءات التى جمعتهم على الشاشة، فأحب الجمهور كل أفرادها واحترمهم وشعر أنهم منه، ولم ير من أى منهم ما قد يقلل من نظرة الجمهور للفنان.
وفضلا عن كل هذه الصفات الإنسانية الجميلة امتلكت دلال عبدالعزيز موهبة فنية جبارة تؤهلها لأداء كل الأدوار باحترافية شديدة، جعلتها تستطيع تطويع هذه الموهبة مع كل مرحلة عمرية.
برعت دلال عبدالعزيز فى تجسيد أدوار الشر بنفس براعتها فى تقديم أدوار الخير، وفى الكوميديا بنفس القدرة على تجسيد التراجيديا، فمن يرى كمية الشر الذى تحمله فطوم فى مسلسل «الناس فى كفر عسكر»، لا يصدق أنها «نعمة» التى تحمل كل معانى الخير والصداقة والإنسانية فى «حديث الصباح والمساء»، وهى ذاتها الأم لمياء التى تحمل كل صدق وتلقائية وخفة ظل أمهات مصر فى "سابع جار".
كما تألقت على المسرح تمثيلا واستعراضا فى العديد من المسرحيات ومنها: «أهلا يا دكتور، أخويا هايص وأنا لايص، هالة حبيبتى، حب فى التخشيبة، جوازة طليانى .. وغيرها»، وأبدعت فى السينما ووقفت أمام العمالقة ومنهم فريد شوقى وكريمة مختار وفؤاد المهندس، وقدمت عددا من الروائع ومنها «يارب ولد، مبروك وبلبل، إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بئر الخيانة، عشماوى، وغيرها»، وهى واحدة من كبار نجوم الدراما التليفزيونية الذين ساهموا فى صناعة أهم المسلسلات والأعمال التليفزيونية، وتنوعت أدوارها فيها بشكل كبير، ما يؤكد على عبقرية موهبتها التى استطاعت تطويعها تدرجا من أدوار الفتاة الصغيرة وحتى أدوار الأم ولا تملك إلا أن تحبها وتصدقها فى كل مرحلة وكل دور.
الفنانة الكبيرة دلال عبدالعزيز التى تحولت حياتها وحياة أسرتها من السعادة إلى الأحزان بعد تعرضها هى وزوجها الفنان الكبير سمير غانم لأزمة صحية ودخلا فى وقت واحد للمستشفى ورحل الحبيب سمورة دون أن تكون حبيبته دلال إلى جواره وشيع إلى مثواه الأخير دون أن تودعه الوداع الأخير وحتى دون أن تعرف حتى أنه رحل، وتعرضت الأسرة لهزة عنيفة وحزن لا يضاهيه حزن تعانى منه ابنتيهما دنيا وإيمى اللتان تعرضا لأكبر هزة وصدمة بفقد الأب والسند وفى نفس الوقت مرض الأم وحالتها الحرجة ، وما تعرضا له من اختبار قوى بضرورة أن تخفيا عنها نبأ وفاة حبيب عمرها سمير غانم وأن يتماسكا أمامها حت لا تعرف بهذا الخبر الذى يمكن أن يودى بحياتها، ولكن هكذا فشلت كل المحاولات واختارت دلال أن تكون إلى جوار سمير.
اليوم رحلت دلال لتترك جرحاً غائرا في قلوب ابنتيها والملايين من محبيها ، ولتتغير برحيلها مسيرة أسرة كانت من أسعد وأجمل الأسر التي عشقها الجمهور واحترمها واعتبرها أسرته.
ورغم الحزن الكبير على إنسانة وفنانة متفردة دخلت قلوبنا جميعاً إلا أنها ستبقى دائما في وجدان الملايين بسيرتها العطرة ووفائها العظيم وفنها الرائع ..رحم الله الجميلة دلال عبدالعزيز.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع