سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 30 إبريل 1957..زيارة مفاجئة لأول مبعوث مصرى إلى غانا بعد استقلالها.. وارتباك الحاكم العام البريطانى من احتمالات العلاقة بين «القاهرة» و«أكرا»

سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 30 إبريل 1957..زيارة مفاجئة لأول مبعوث مصرى إلى غانا بعد استقلالها.. وارتباك الحاكم العام البريطانى من احتمالات العلاقة بين «القاهرة» و«أكرا»
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 30 إبريل 1957..زيارة مفاجئة لأول مبعوث مصرى إلى غانا بعد استقلالها.. وارتباك الحاكم العام البريطانى من احتمالات العلاقة بين «القاهرة» و«أكرا»

أرسلت مصر سفيرها فى المغرب «سيد عبدالمجيد» إلى غانا فى زيارة مفاجئة يوم، 30 إبريل، مثل هذا اليوم، 1957 لتقديم التهنئة باستقلال غانا.. كان «عبدالمجيد» هو أول مندوب رسمى مصرى يزور غانا عقب الاستقلال، وانزعجت بريطانيا وإسرائيل من احتمالات قيام علاقات دبلوماسية بين القاهرة وأكرا، حسبما يذكر الدكتور أسامة عبدالتواب فى كتابه»العلاقات بين مصر وغانا 1957-1966»، والذى يعتمد على مصادر متنوعة أبرزها «الأرشيف السرى لوزارة الخارجية المصرية».
 

جاءت هذه الزيارة بعد أن منحت بريطانيا الاستقلال لغانا التى كانت تحمل اسم»ساحل الذهب» يوم 6 مارس 1957، وكانت اختراقا دبلوماسيا لحصار فرضته «لندن» على غانا لعدم تقاربها مع مصر، ووقتها لم تكن العلاقة الحميمية توطدت بين جمال عبدالناصر ورئيس الوزارء الغانى «نكروما»، والتى بلغت ذروتها بزواج نكروما من المصرية «فتحية حليم  رزق»، يوم 30 ديسمبر 1957 .. يؤكد «عبدالتواب»:» كانت القيادة المصرية هى التى رتبت لهذا الزواج، ويؤكد هذا أن الرئيس عبدالناصر كلما كان يحضر إلى مطار القاهرة لاستقبال «نكروما» كان يحضر معه أهل السيدة فتحية، حتى يظهر أن عبدالناصر هو صهر نكروما».

يذكر «عبدالتواب»: «لم يعن استقلال غانا أن تكون جمهورية تتحكم فى كل أمورها الداخلية والخارجية، بل هو استقلال فى إطار الكومنولث البريطانى، حيث يوجد حاكم عام بريطانى هو أعلى هيئة دبلوماسية فى غانا، وتوجد حكومة وطنية «برئاسة نكروما» تدير شؤون البلاد، ومن هنا فإن المتحكم فى جميع شؤون البلاد هى الحكومة الوطنية، ولكن لا بد أن لا تتم أى خطوة فى غانا إلا بعلم الحاكم العام الذى هو مندوب عن ملكة بريطانيا».
 

كانت بريطانيا تسخر هيمنتها على غانا لزيادة تقاربها مع إسرائيل، وفقا لعبدالتواب، مضيفا: «كانت تمهد للتواجد الإسرائيلى بقوة فى غانا، وأخذت تُعرف المسؤولين فيها على القادة الإسرائيليين، فى المقابل أخذت تنشر فى الأوساط الحكومية أخبارا خاطئة عن مصر وعن الرئيس عبدالناصر بأنه يريد السيطرة على الدول الموالية لمصر، وأنه أداة فى يد الاتحاد السوفيتى، وأخذت الحكومة البريطانية تغذى فكرة التنافس لدى «نكروما»، بأن لايتبع عبدالناصر، بل لا بد أن ينافسه، وإذا كانت دول عالم الانحياز تضم الدول الآسيوية والعربية والأفريقية، وإذا كانت الهند تقود الدول الآسيوية، ومصر تقود الدول العربية، فلابد لغانا- الدولة الناشئة- أن تقود الدول الأفريقية».

قامت بريطانيا بأولى خطواتها فى مخططها، بعدم دعوتها فى احتفالات غانا باستقلالها.. يذكر عبدالتواب: «أبرق القنصل العام الأمريكى فى أكرا إلى الخارجية الأمريكية قائلا: «نعلمكم بأن بريطانيا ما زالت هى التى تتحكم فى الشؤون الخارجية لغانا، حيث لم تتم دعوة مصر لحضور احتفالات استقلال غانا».
 

فى مقابل هذا الحصار البريطانى، كانت هناك خطوات من الجانب الغانى بقيادة نكروما نحومصر، يذكر «عبدالتواب» أن الحكومة الغانية طلبت من الحكومة الهندية أن تخطر مصر أنها تتمنى ألا يكون الصدع والتوتر فى العلاقات الدبلوماسية بين مصر والحكومة البريطانية عاملا مؤثرا فى نشأة العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين مصر وغانا، أما الخطوة الثانية، فكانت تصريحا من وزير العدل والداخلية الغانى «آكو آدجى» أثناء حضوره احتفالات تونس بعيد استقلالها قال فيه: «إن شعب غانا يرى فى الرئيس جمال عبدالناصر بطلا قوميا تأثرت به غانا فى كفاحها أمام الاستعمار فى السنوات الأخيرة»، وأعلن أنه سيزور مصر قريبا».
 

يؤكد «عبدالتواب» أنه بعد أن تأكدت القيادة المصرية من رغبة الحكومة والشعب الغانى فى التعاون مع مصر، تحركت باتجاهها، وأرسلت فى يوم 30 إبريل 1957 السفير المصرى فى المغرب إلى غانا، وسيطر وصوله على المناخ السياسى فى أكرا، وجرت شائعة فى الصحف والدوائر الحكومية الغانية بأنه سيكون سفير مصر فى غانا بالإضافة إلى المغرب..يذكر «عبد التواب»: «أرسل الحاكم العام البريطانى فى غانا إلى الحكومة البريطانية ليخبرها بأنه فوجئ بوجود السفير المصرى، وأنه وصل دون إشعار سابق».. يضيف، أن هذا الإعلان من الحاكم العام البريطانى أربك الحسابات البريطانية، وكان معناه أن بريطانيا لم تتوقع أن تقوم مصر بهذا العمل وبهذه السرعة، مما جعل الحاكم البريطانى يرجو أن تمنحه الحكومة البريطانية كيفية التصرف حيال هذا الوضع الجديد، وكان رد حكومته عليه أن أمرته ألا يلمح أو يعرض أى حديث فى سياق العلاقات الغانية مع مصر للمناقشة مع السلطات الغانية نهائيا حتى تتضح الأمور».
 

يذكر «عبدالتواب»، أن هذه الزيارة كانت عملا إيجابيا، تلتها خطوات أخرى، أسفرت على الإعلان عن تبادل التمثيل الدبلوماسى بين البلدين فى 6 نوفمبر 1957، وكانت مصر بذلك أول دولة عربية تنشئ علاقات دبلوماسية مع غانا.


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع