أخبار عاجلة

د. صلاح هاشم يكتب: انتحار البسطاء ..البديل الجيد للحياة ..!

د. صلاح هاشم يكتب: انتحار البسطاء ..البديل الجيد للحياة ..!
د. صلاح هاشم يكتب: انتحار البسطاء ..البديل الجيد للحياة ..!

لقد أحدثت واقعة انتحار طالب الهندسة هزة اجتماعية عنيفة، تبارى حول تفسيرتها كل أطياف الشعب، فى محاولة من الأغلبية للزج بالدين وضعف العقيدة فى تفسير أسباب الظاهرة. إذ أرجعها البعض إلى ضعف الوازع الدينى، بينما اتهم الأخرون الضحية - أقصد المنتحر - بأنه كافر. وكأنهم نصبوا أنفسهم وكلاء لله فى الأرض.. أولئك لا يختلفون كثيرا فى نظرى عن المنتمين إلى القطيع الداعشى، الذين أعطوا لأنفسهم الحق فى إحياء الناس أو إيماتتهم .. وأعتقد أن هذه الظاهرة نفسها - أقصد ظاهرة الزج بالدين فى كافة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية حتى الظواهر الطبية والنفسية- أمر يحتاج إلى دراسة مستفيضة ومتعمقة ..

وربما نخرج من هذه الدراسات بنتائج تقضى أنه ظاهرة جعل الدين محورا ثابتاً فى كافة القضايا المجتمعية تعد مرضا فى حد ذاتها؛ قد يكون البحث عن علاج ناجز له يسبق البحث عن حلول للحد من كارثة الإنتحار؛ أو قد  يكون لها الأسبقية عن مواجهة الجماعات الارهابية نفسها  ..!

ويكفى هنا أن نرصد عن كثب كيف ساعد علماء الدين باختلافاتهم المذهبية فى نزع " رهبة الموت من صدور الأبرياء " ..؟ اوكيف أغلقوا بتشدداتهم فى تفسير الدين كل منافذ الرحمة فى أعين البسطاء ..؟ وكيف نجحوا فى جعلهم يكرهون الدنيا ويلفظونها بكل متعها ..؟ كيف نجحوا فى جعلهم يوقنون بأن الدنيا دار خراب، وليس عليهم أن يعمروها ..؟

 كل هذه الأسئلة جعلتنى أتسأل لماذا حين نسمع بإنتحار شخص؛ نتهمه سريعا بالكفر، دون مناقشة موضوعية للأسباب التى دفعته لذلك ..؟ لماذا ننظر إليه دائما على أنه جانى وليس ضحية لجملة من الأسباب والمشاعر والمفاهيم الخاطئة التى زرعها شيوخ الفتنة فى مُخَيَلتِه المتواضعة ..؟! لماذا نحصر ظاهرة الإنتحار فى تفسير دينى ضيق يسلب الظاهرة كنيتها الاجتماعية.. ليصبح الحديث قاصرا على أزمة التدين وغض الطرف تماما عن الأزمة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. علماً بأن الاعتماد على التفسير الدينى فقط يحول الشخص المنتحر من ضحية إلى كافر ..!

وبعيداً عن الخوض فى جدال عميق يحكم العلاقة الوشيجة بين الانتخار والدين ويقصى بقوة أى تفسيرات علمية أو طبية؛ فأنن لا نستطيع أن نغض الطرف عن ارتفاع معدلات الإقبال على الإنتحار فى مصر والتى صارت ظاهرة تستحق الإهتمام، وعلى كافة الأصعدة.ولا سيما بعدما رصد الجهاز المركزى للتبعئة العامة والإحصاء أكثر من 104 ألف محاولة للإنتحار وقعت فى مصر عام 2009م . حوالى 68 % منهم من النساء .. وأكد أن أكثر من 18 ألف محاولة للإنتحار وقعت فى 2011م بعد ثورة يناير؛ بسبب ضيق العيش،  أغلبهم من الشباب تحت الأربعين ..  مضيفا أن جريمة الإنتحار في مصر، أصبحت ظاهرة خطيرة، تتصاعد يوما بعد الأخر ..! حيث تشهد مصر نحو 3 آلاف حالة محاولة انتحار سنوياً، جميعهم من الشباب. وأن خمسة أشخاص من بين كل ألف شخص يحاولون الإنتحار بهدف التخلص من أزماتهم اليومية ..!

وعلى الرغم من أن العُنوسة والفقر يأتيان على رأس قائمة المسببات للإنتحار. إلا أن دخول الأطفال فى مارثون الإنتحار ، بات الأمر الأشد خطورة ..!فيكفى أن نقرأ سوياً الرسالة التى تركها " طفل " بنى سويف " المنتحر " إلى والديه، والتى قال فيها :" سامحونى فقد اعتدت الكذب عليكم ولا استطيع التمادى، أعلم أن الانتحار حرام ، لكن الله أعلم بحالى .. "  لكى نعرف حجم الكارثة ومساحة  الارتباك والتخبط التى عاشها المجتمع المصرى بعد ثورة يناير  رجال  ونساء، وأطفال وشيوخ .. !

وعموماً ففى ظل التراجع السريع لدولة القيم بات " الإتجار بالموت " تجارة كسائر الأنشطة الاقتصادية، أو هو أحد البدائل الفاعلة فى مواجهة الأزمات اليومية التى يعيشها بالمواطن .. والصور على ذلك كثيرة .. فتعاطى المخدرات فى ذاته إقدام على الإنتحار. والإنضمام إلى الجماعات الإرهابية طريق إلى الموت .. والهجرة غير الشرعية هى محاولة ناجحة من محاولات الإنتحار .. فلا أنسى أيضا ما قاله أحد ضحايا الهجرة غير الشرعية حينما سُئِلَ" " لماذا تهاجر وأنت تعلم أنك ربما تموت..؟! فأجابهم بعبارة كلها بلاغة :" حينما أهاجر ربما أجد هناك فرصة للحياة، أما هنا فأنا شبه مَيّت، وأن الأمل فى الحياة مفقود " ..!

فقد تعلمنا فى مدارسنا أن الإيمان يقتضى تفضيل الموت عن الحياة .. وأن الجنة مرهونة بالحرمان من مُتَع الدنيا  ..و الصبر على الفقر والجوع والمرض .. فَحَوَّلنَا نعم الله إلى بلاء .. وحَوَّلَنا عطاياه إلى نقم..!

كل ذلك جعلنى أُوقِن أن الموت هو الوجه الأخر للحياة عند البسطاء. وإذاكان الموت شبحا يععكر أمزجة الأغنياء فقد يكون للفقر حلم يتعجلون تحقيقه .. أو أنه حينما يفشل الإنسان فى الحصول على فرصة للحياة، يبدء فى رحلة البحث عن فرصة للموت"..! وأنه "حينما نختزل قوة الدين فى التحريم وليس فى التحليل؛ يصبح  الإقبال على الموت سهلا ..!" وأن الإنسان قد يفكر فى الموت؛ إذا ما فقد الحلم والأمل، وكلما كان المستقبل أمامه مجهولاً ..!" ويضطر الإنسان للإنتحار حينما تختزل الحكومات سبل الحياة فى فرصة واحدة، أو قناة واحدة ؛ متى  فُقِدّت أو سُدَت؛ يصبح الموت بديلاً ناجزاً للحياة .. فقد يصبح الموت " لطيفاً " حين يتجرع الإنسان قبله " كأساً " من مرارة الحياة ..!

.