الدبلوماسية لها أحكامها في العالم، وأيضاً لها قيودها على الساسة عند الحديث في القضايا العامة ذات الشأن، وهى أحياناً تجعل السياسى يبتسم راغباً في أن يشير إلى شىء مختلف من وراء ابتسامته، وقد تجعله يتحدث عن شىء، بينما القصد شىء آخر تماماً!.
ولو أنت راجعت حديث الرئيس أمام منتدى شباب العالم عن إصلاح الأمم المتحدة، فسوف تجد في حديثه حين تتأمل مراميه البعيدة أشياء من أحكام الدبلوماسية ومقتضياتها!.
فالرئيس تكلم عن حقائق ذكرها.. ومما تكلم عنه.. مثلاً.. أن منظمة الأمم المتحدة في مقرها العتيد في نيويورك، ومقرها الأوروبى العريق في جنيف، إنما نشأت قبل أكثر من سبعين سنة، وأن مرور هذه العقود من الزمان عليها قد جعلها في مواجهة مباشرة مع تحديات أخرى، تختلف عن التحديات التي كانت المنظمة قد قامت عام ١٩٤٥ لتتعامل معها!.
ولكننا لم نصل بعد إلى النقطة التي أتخيل أن الرئيس أثار قضية إصلاح الأمم المتحدة من أجلها.. فالقضية التي تخصنا بشكل مباشر ليست أن ٧٠ سنة مرت عليها، ولا حتى أنها تبدو عاجزة في مواجهة اشتعال العالم بالأزمات في كل أركانه، ولكن القضية أن على حدودنا في ليبيا حكومة يرأسها شخص اسمه فايز السراج، وتحمى ميليشيات في العاصمة الليبية وفى ضواحيها.. ثم تحظى رغم هذا كله باعتراف من الأمم المتحدة!.
وفى كل مرة تأتى فيها سيرة لهذه الحكومة في الإعلام الدولى، توصف بأنها الحكومة المعترف بها من جانب الأمم المتحدة!.
وعندما تستقبل حكومة السراج طائرات بدون طيار من تركيا، لتقاتل بها الجيش الوطنى الليبى وتقتل أفراداً فيه، فهذه الأمم المتحدة لا تحرك ساكناً!!.. وعندما تعقد الحكومة نفسها اتفاقية مع الرئيس التركى فإن هذه الأمم المتحدة تبتلع لسانها، ولا تقوى حتى على الإشارة إلى أن الاتفاقية تضرب علاقات حُسن الجوار في مقتل، وتصطدم بمبادئ قانون البحار وتنتهك قواعد القانون الدولى!.
وعندما يرصد الجيش الوطنى الليبى كميات السلاح القادمة من أنقرة إلى طرابلس، ويعلن عن ذلك، ويدمر المخازن الممتلئة بها في العاصمة الليبية، فإن هذه الأمم المتحدة، التي في المقدمة من مهامها الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، لا تكاد ترفع صوتها اعتراضاً على ما يجرى!.
وحين تعلن تركيا أنها سترسل قوات إلى حكومة السراج إذا طلبت ذلك، فالأمم المتحدة لا تفتح فمها بكلمة واحدة لتقول إن اعترافها بهذه الحكومة لم يكن من أجل استقدام قوات أجنبية لمحاربة الجيش الوطنى للبلاد ولا ينبغى أن يكون!.. ولولا الدبلوسية لقال الرئيس صراحةً ما هو أكثر!.