لم أصدق عينى وأنا أشاهد وأسمع كل هذه البذاءة والسوقية والقبح التى تتقيأ بها علينا مقدمة أحد البرامج على شبكة إحدى القنوات الخاصة، وهى تجلس على كرسى من القطيفة الحمراء حوافه ذهبية، مرتدية ملابس شفافة ذهبية وعلى رأسها تاج ذهبى، تحيط بها إضاءة خافتة، كل شىء يوحى بجو الملاهى الليلية، وتبدأ المذيعة بمخاطبة المشاهدين عن ليلة الدخلة، أعرض هنا فقط بعض الكلمات حفاظًا على عدم ترويجى لمثل هذه البذاءات: «كم راجل يا عينى اتصدم صدمة عمره ليلة دخلته، بنتكم زى الفل إوعوا تفهمونى غلط، المشكلة مش فيك، المشكلة أن الست عايزه تعمل قطة مغمضة، الراجل صارف ومكلف، لازم تشوفى طلباته مش تبقى زى لوح التلج...».
المذهل أن القائمين على البرنامج والقناة يعتقدون أنهم يقومون بعمل تنويرى من خلال تقديم ثقافة جنسية لكل من الرجل والمرأة عبر استخدام لغة وكلمات إيحائية مبتذلة تكسر المسكوت عنه فى عالم ممارسة الجنس، لكنهم فى الحقيقة يتعاملون مع المرأة على أنها محظية يجب أن ترضى شبق الرجل وفحولته، وما يدهشنا أن القناة تتحفنا ببرنامج تقوم مقدمته بأخذ الاتجاه المعاكس بالهجوم الضارى على الرجال فى شكل وصلات من الردح والسخرية والتهديد والوعيد، البرنامجان يكرسان الصورة النمطية عن الرجال والنساء وعن المدافعات والمدافعين عن أى من الجنسين، إن البرنامجين مبنيان على فكرة واحدة، النيل من أحد الجنسين وتحقيره، فالعالم ومجتمعنا مشغول بقضايا تتجاوز كثيرًا ليلة الدخلة أو دروس فى الردح والكيد، والمدهش أنه فى الوقت الذى تحاول فيه الإرادة السياسية أن تمنع أى محاولات للانقضاض على مكتسبات المرأة أو فرض قوانين تعمل على تعميق التمييز بينها وبين الرجل تحصد هذه البرامج عددًا كبيرًا من المشاهدة لأنها تثير الغرائز الإيروتكية والشبقية للرجال، هذه البرامج سقطة إعلامية ونكبة أمام تحرر نوعنا الإنسانى.
الإعلام يمكنه أن يلعب دورًا قويًا فى تغيير الصورة النمطية ويغير من منظور المجتمع تجاه علاقات وأدوار النساء، كما أن أصحاب القنوات الإعلامية والقائمين عليها يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم فى إزالة كافة أشكال التمييز والإهانة والحط من قدر النساء فى المادة الإعلامية التى يبثونها، وعليهم أن يلتزموا بميثاق شرف مهنى وأخلاقى تجاه تناول هذه القضايا