اسم على غير مسمى. يروج له أفراد من الجالية المصرية في نيويورك وهم أقل المهاجرين ثقافة. لذا استعاضوا بالتصوير والسوشيال ميديا لتضخيم الوهم ولرفع الذات بدلا من البحث عن الذات. سلاحهم الفيديو والوجبات المجانية والتطبيل لكل من لهم أي وضع رسمي، الزائرين إلى أمريكا.
النظارة السوداء عندهم هي طاقية الإخفاء. والتحشيد للسفر إلى مصر بأسعار متهاودة هي لدفع عجلة تضخيم مَن ليس لهم معرفة ممنهجة بمصر التاريخ أو بمصر الجغرافيا، أو بمصر التي تَبنى، أو بمصر التي تحارب الإرهاب.
والمشرفون على النادي الثقافي المصري غير قادرين على الكتابة لا بالعربية ولا بالإنكليزية. يتسورون أسوار مصر العالية بأن يرفع أحدهم على أكتاف الآخر، ثم يرفع الآخر مَن هو آخر، وهكذا. وحينما يبلغون أعلى السور، تندفع الكاميرات للتسجيل والمبالغة والتزييف.
هم عبء على كل جهد متنور من أجل الدعوة الجادة لمصر في الخارج، إذ هم أسفل السلم الحضاري، باستثناء الملابس البراقة، وبعض اللحى الخفيفة التي توحي بالحكمة، رغما عن أنه لا يوجد شيخ تحت قبة النادي الثقافي المصري.
وحين يسمعون بوصول أحد الرسميين إلى المطار يَخِفّون لإيجاد السيارات المناسبة للوقوف عند المطار في انتظار مَن يضفي عليهم مسحة من التواجد، على الرغم من أنه تواجد وهمي إذا قيس بمعايير التواجد الذهني أو العلمي أو الوظيفي.
هم تجار الكلمة، وفرسان المداهنة، وشيوخ اللعب على الذقون، والمروجون لبضاعة ثقافية في جراب محشو بقش الأرز.
هل يستطيعون الرد على أسئلة هذا الامتحان النظري الذي لا مفر من رسوبهم فيه: (1) متى بدأت مصر تاريخها كمصر الحديثة؟ (2) متى امتدت مصر جنوبا عبر السودان إلى نهر الكونغو؟ (3) ما هو مدى استصلاح أراضي الصحراء الغربية للزراعة والإسكان. (4) لماذا نعتبر الأقباط عمادا للتلاحم الوطني الداخلي لدحر الطائفية البغيضة؟ (5) كيف ازداد ارتباط سيناء بمصر عبر قنوات السويس؟
هم لا يقرأون، وإن قرأوا لا يفهمون، وإن فهموا فاتتهم حيثيات حكمة ذاك الفهم. وما هي إسهاماتهم في دفع عجلة الثقافة المصرية بالداخل المصري؟ هل يعرفون أين واحات الفرافرة؟ هل سمعوا بأن مصر بها أربع لغات وهي: العربية والقبطية والنوبية والبربرية (الأخيرة في الواحات الغربية).
هل زار أحد أفراد مَن يسمون أنفسهم بالنادي الثقافي المصري وادي النطرون؟ ومتى دخل أحدهم الكنيسة المعلقة بمصر القديمة للزيارة والتبرع والتبرك؟ هل يعرف أحدهم مدى طول السواحل المصرية ابتداء من ليبيا غربا ثم انحدارا إلى جنوب البحر الأحمر حتى باب المندب؟ ولماذا يعتبر المثقف المصري جزيرتي تيران وصنافير أرضا سعودية، وشلاتين وحلايب أرضا مصرية؟
لم يعمل أحد من قيادات النادي الثقافي المصري بالتدريس لا في مصر ولا في أمريكا. هم يطعمون زوارهم مجانا، ويشحنون أذهانهم بما لا يفيد، ولا يقدرون على الوقوف في كنيسة أمريكية أو في معبد يهودي أمريكي لشرح أماني وأهداف مصرنا الحديثة.
هم عاجزون عن إضفاء المصداقية على اسم ناديهم الوهمي ”النادي الثقافي المصري“. هؤلاء هم المنافقون في المهجر. نفاق لا ينطلي إلا على مَن كان من جاهليتهم البائسة. في يدهم الكاميرا، وفي قلوبهم الرياء للمسؤولين. وفي يدهم أيضا تذاكر السفر إلى الوطن بسعر منخفض لكل مَن اختار النفاق سبيلا، والتظاهر وسيلة، والنظارة السوداء فوق ابتسامات باهتة تخرج من أفواه لا صلة لها بالعلم عن الوطن الأصلي ولا بالإعلام المتنور عنه.
خلاصة القول إن النادي الثقافي المصري بنيويورك ليس إلا خشبة لمسرحية لا يدري العارف بها هل يضحك منها أو يدمع لوطن يتحدثون باسمه. هم لا يدركون حبكة تلك المسرحية التي لا تنطلي إلا على الأبرياء المخدوعين باسم رنان ”النادي الثقافي المصري بنيويورك“.
قاتل الله النفاق الذي ينضح من ذلك الاسم الذي اخترته لهم منذ سنوات قبل أن تنجلي أمام أعيني أن تلك النظارات السوداء التي يلبسونها تنبض تحتها قلوب أشد منها سوادا. وفوقها أذهان أكثر انسدادا.
بقلم: د. ياسين العيوطي
المستشار القانوني وأستاذ القانون بنيويورك