أخبار عاجلة

صفوت عطا الله: أضواء على مصطفى كمال أتاتورك وأبو بكر البغدادي

صفوت عطا الله: أضواء على مصطفى كمال أتاتورك وأبو بكر البغدادي
صفوت عطا الله: أضواء على مصطفى كمال أتاتورك وأبو بكر البغدادي

تحل ذكرى وفاة الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك قائد الحركة التركية الوطنية في العاشر من هذا الشهر نوفمبر 1938 الذي أسس جمهورية تركيا الحديثة بعد إلغاء الخلافة العثمانية وتحويل تركيا لدولة علمانية ذات دستور مدني عام 1924 وفي السادس والعشرين من شهر أكتوبر الماضي أعلن الرئيس الأمريكي القضاء على الخليفة ( المزعوم ) أبو بكر البغدادي وأمير الدولة الإسلامية في العراق والشام والذي حاول إحياء الخلافة في العصر الحديث منذ عام 2014 وحيث تمت مبايعته من كثير من الجماعات والمنظمات في أرجاء العالم كله.

وبين عام 1924 وهو تاريخ إلغاء الخلافة وبين محاولة إحيائها عام 2014 مشوار طويل وتاريخ ملئ بالأحداث أحاول تسليط الضوء عليه وتقديم هذا البحث لمعرفة مايدور حولنا.

 

الخلافة الإسلامية:

هي نظام حكم أتخذه المسلمون بحيث يقوم على استخلاف قائد مسلم على الدولة ليحكمها وفقاً للشريعة الإسلامية والخلفاء هم الزعماء والقادة السياسيون والدينيون في نفس الوقت للأمة الإسلامية منذ وفاة النبي محمد وحتى عام 1924م.

 

وتنقسم الخلافة الإسلامية إلى أربعة عصور رئيسة هي:

  1. الخلافة الراشدة ( 632 م – 661 م )

وهي الخلافة الوحيدة التي لم يكن فيها الحكم وراثياً بل قائماً على الشورى بداية من الخليفة أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب مروراً بعثمان بن عفان وأخيراً علي بن أبي طالب وحيث انتهت بمقتل الحسين بن علي وكان مقرها جزيرة العرب وتدار من المدينة المنورة.

 

  1. الخلافة الأموية ( 662 م – 750 م )

كانت عاصمتها دمشق وبلغت ذروتها واتساعها في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك ووصلت حتى أطراف الصين شرقاً وأطراف فرنسا غرباً وتولاها تسعة عشرة خليفة كان آخرهم الخليفة مروان بن محمد.

 

  1. الخلافة العباسية ( 750 م – 1517 م )

تأسست الدولة العباسية على يد أصغر أعمام النبي وهو العباس بن عبد المطلب وكان مقر الخلافة في الكوفة ثم بغداد ثم سامراء وأخيراً القاهرة حيث أصبحت القاهرة مقر الخلافة حتى سقوطها في أيدي العثمانيين.

  1. الخلافة العثمانية ( 1517 م – 1924 م )

بدأت بسلطان آل عثمان المعروف بـ ( سليم الأول ) وحتى آخر السلاطين المعروف بـ ( عبد الحميد الثاني ) الذي تم إجباره على التنازل وإنهاء الخلافة على يد كمال الدين أتاتورك.

 

كمال الدين أتاتورك:

ولد في 19 مايو عام 1881 م وتدرج بالمدرسة الحربية حتى تخرج عام 1905 م برتبة رئيس أركان حرب ثم إنضم إلى جمعية الإتحاد والترقي عام 1908 م وتقلد منصب في مركز قيادة الجيش عام 1911م.

وكانت أهداف الجمعية:

  • إلغاء الخلافة العثمانية
  • قطع علاقة تركيا بالإسلام
  • طرد الخليفة
  • إعلان دستور مدني للبلاد

وبعد هزيمة الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وتدهورها تم إطلاق اسم رجل أوروبا الضعيف عليها وبدأت تتقلص حدودها وهنا ظهرت وطنية مصطفى كمال أتاتورك بإعلان انتفاضة ثورية يوم 10 مايو 1919 م سميت بثورة الأناضول ضد خنوع ورضوخ الخليفة وانتهت حرب الاستقلال بميثاق لوزان الثاني في 24 يوليو 1923 م حيث تم تأسيس حزب الشعب الجمهوري وإعلان الجمهورية التركية وإصدار بعض القرارات التي من أهمها إلغاء الخلافة العثمانية وطرد الخليفة وعشيرته وإلغاء الحروف العربية واستبدالها بالحروف اللاتينية وإلغاء الألقاب والمظاهر الدينية وإلغاء الطربوش وغلق المعاهد الدينية ومنح المرأة حق التصويت وإعداد دستور مدني ولهذا أطلق عليه أتاتورك أي أبو الأتراك وقد حكم بلاده حتى وفاته في 10 نوفمبر 1938 م.

ومن أهم بنود معاهدة لوزان التي كانت تشتمل على 143 بند ومادة ووثيقة أن وضعت حدود الدولة التركية الجديدة ونظمت المضايق المائية وقواعد المرور والملاحة وأن تتخلى تركيا عن كل من مصر وقبرص والشام والسودان والعراق وليبيا وكذلك حماية الأقلية اليونانية مقابل إسقاط كافة الديون الخارجية والداخلية عن الدولة الوليدة.

 

النتائج المترتبة من إلغاء الخلافة:

اختلفت الآراء بين مؤيد ومعارض لحركة مصطفى كمال أتاتورك وتأسيس دولة تركيا الحديثة واعتبره كثير من رجال الدين في زمنه خائناً للشريعة الإسلامية واتهموه بالعمالة لأعداء الدين واعتباره خائناً مرتكباً لجريمة كبرى وكارثة عظمى أطاحت بالخلافة الإسلامية وأطفأت شمسها بعد سطوع غير منقطع لقرون عديدة.

وبعد بزوغ القومية التركية أصبح العالم العربي ساحة متسعة لأفكار عديدة وظهور نزعات قومية ووطنية لملئ الفراغ وعليه  ظهرت الحركة العربية بإيعاز من إنجلترا التي شجعت أمير مكة الشريف حسين على القيام بثورة عربية ضد الخلافة وفي نفس الوقت ظهر زعماء على مستوى العالم الإسلامي يدعو لما يسمى بالقومية العربية أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وشكيب أرسلان وعبد الرحمن الكواكبي وجورجي زيدان وقسطنطين زريق وميشيل عفلق ممن دعوا لإحياء التراث العربي بما فيه من مكونات إسلامية مسيحية.

أثناء ذلك ظهرت النزعة الوطنية والأمة المصرية لبعض الوطنيين على رأسهم الزعيم سعد زغلول ويلاحظ هنا أن قيام ثورة 1919 بدأت شرارتها في شهر مارس للمطالبة بالاستقلال عن إنجلترا في نفس الوقت تقريباً مع قيام مصطفى كمال أتاتورك بثورة الأناضول بتركيا.

ومن زعماء الحركة الوطنية المصرية مصطفى النحاس وأحمد لطفي السيد وسلامة موسى ومكرم عبيد وويصا واصف واسطفان باسيلي وعبد الرحمن فهمي وأمين الرافعي وعلي ماهر ومرقص حنا وعبد الستار الباسل وغيرهم.

وبين النزعة القومية العربية والنزعة الوطنية المصرية ظهر فريق ثالث رافض ومعارض لفكرة إلغاء ( الخلافة ) والتي بدأها حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في الإسماعيلية عام 1928 والتي يدعو فيها من خلال دعوة دينية ( بأستاذية العالم ) حيث إنتقل نشاطه بها للعاصمة المصرية القاهرة 1932 م وبدأ نشاطه السياسي فيها عام 1938 م مدعياً وضع حلول لجميع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية من منظور إسلامي، وهنا قام الإنجليز بإحياء فكرة الخلافة ولكن بصورة مختلفة وعرض تلك الفكرة على أقدم وأكبر العروش في ذلك الوقت وهو عرش المملكة المصرية والملك أحمد فؤاد الذي فرح ورحب بالفكرة وبدأ التمهيد لها في المساجد عنطريق رجال الدين بالدعوة له والهتاف لجلالته بشعار الله مع الملك مقابل الهتاف الوطني الشعب مع سعد وساعده في ذلك شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي إلا أنه قد تصدى لهذه الفكرة عالم جليل وقاض شرعي هو الشيخ علي عبد الرازق الذي اصدر كتابه ( الإسلام وأصول الحكم ) حيث قاوم فيه فكرة الملك أحمد فؤاد، ولما كان الملك أحمد فؤاد لا يلم باللغة العربية انتهت المحاولة بالفشل ثم تكررت مرة أخرى في عهد الملك فاروق واختمرت الفكرة في ذهنه وبدأ الاهتمام بالأزهر والترويج لفكرة الخلافة وإقامة الاحتفالات الدينية خاصة بالمسجد الرفاعي ودعم علاقاته بالدول الإسلامية مثل المملكة العربية السعودية ومصاهرته ولي عهد إيران رضا بهلوي بالزواج من أخته الأميرة فوزية وفي تلك الأثناء حاول الإخوان المسلمون التقرب إليه إلا أن تصدي التيار الليبرالي الوطني كان قوياً بسبب الكثير مما فعلوه من حوادث طائفية ومقتل القاضي الخازندار واغتيال حسن البنا  أضاعت الفرصة الثانية لإحياء الخلافة المفقودة.

 

الخلافة في العصر الحالي:

منذ ذلك الوقت وعقب ثورة 1952 م وحتى الآن قامت محاولات كثيرة للتطبيق الجبري للشريعة الإسلامية تمهيداً للوصول بها للخلافة الإسلامية في كثير من البلدان كأفغانستان والسودان والصومال وإيران ونيجيريا وغيرها ومن ثم ظهر من خلال هذه المحاولات شخصيات أمثال أسامة بن لادن وأيمن الظواهري والخليفة أبو بكر البغدادي القرشي صاحب الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش ) والتي أسرع لمبايعتها ومبايعته الكثير من الجماعات والمنظمات الإرهابية والإرهابيين في شتى أنحاء العالم لتتنامى بعد الربيع العربي فكرة الصحوة الإسلامية ببزوغ أفكار متشددة مثل الوهابية والسلفية مطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية في مصر من خلال فقه متشدد خاص بهم وبتفسيراتهم الدينية المتشددة عقب تنحي الرئيس محمد حسني مبارك عام 2011 م واستيلاء جماعة الإخوان المسلمين على الحكم في محاولة لإحياء فكرة الخلافة وتولي المرشد العام دور القيادة الدينية مثلما حدث في إيران عقب ثورة الخميني 1979 م.

 

ملاحظات عامة:

أمامنا هنا ثلاث أفكار عامة وهم القومية العربية والوطنية المصرية والخلافة الإسلامية وبكل الصدق والأمانة والعقل والمنطق تم تجربة تلك المحاولات في مصر والعالم حيث كان يؤمن الرئيس جمال عبد الناصر بالقومية العربية وطبقها وفشلت فشلاً ذريعاً سواء في الوحدة مع سوريا أو الإتحاد مع ليبيا أو العراق، وكذلك النزعة القومية لدى صدام حسين والعقيد القذافي والتي باءت جميعها بالفشل والانهيار وانتهت بضياع البلدين بعد ثورات ما يسمى بالربيع العربي ولكنها أيضا محاولات إنهارت جميعاً وسقطت وكانت نتائجها وخيمة على تلك البلدان وجاءت بالحروب والصراعات والخراب والانقسام كما حدث في السودان والعراق وأفغانستان والصومال حتى جاءت العملية الأمريكية أخيراً بالقضاء على الخلافة المزعومة بقتل وتفجير أبو بكر البغدادي نفسه ليضع نهاية مأساوية جزاء عما أرتكبه في حق البشرية والأوطان من مجازر وجرائم وذبح وتدمير الحضارة الإنسانية وتعلن نهاية ما يسمى بالخلافة وإن لم يتم القضاء على فكرتها التي مازالت تراود كثيرين.

أما الوطنية ونزعة الانتماء للوطن والتي انتشرت في العالم بعد نهاية عصر التكتلات والتحالفات والقوميات فقد أظهرت بزوغ الروح الوطنية مثلما حدث في روسيا بوتن وأميركا ترامب فكان الرئيس عبد الفتاح السيسي مثال ونموذج ناجح في محاولته إحياء الروح الوطنية بشعاره ( تحيا مصر ) ومواجهة الغلو والتطرف الديني ومحاولاته تصحيح الخطاب الديني الذي أثار إعجاب وتقدير واهتمام العالم كله وجعلت مصر في مصاف الدول الوطنية التي تحاول دول كثيرة تقليدها وأن الذي حدث مؤخراً في لبنان والعراق والجزائر توضح معنى الوطنية وأيضاً كثير من الدول انتهجت فكرة الانتماء الوطني والتطلع لمستقبل مشرق وتنمية اقتصادية مزدهرة دون صراع أو حرب كماليزيا وكوريا الجنوبية وسنغافورة بينما تغرق دول أخرى في مستنقع التطرف الديني أو البحث خلف سراب ثبت فشله على مر العصور والأزمان.

 

محاولة إحياء الخلافة العثمانية بين أردوغان والإخوان:

تدور في الأيام الحالية أحداث وتطورات جديدة على الساحة السياسية تدعو للقلق من محاولات إحياء دولة الخلافة العثمانية وجنوح الرئيس التركي رجب أردوغان بتصرفات ونزعات توسعية واعتداءات متكررة وتحدي العالم بتصريحات مثيرة والتطرق إلى فكرة القومية الإسلامية والمطالبة بالحقوق الشرعية والإرث الذي كان للخلافة الإسلامية في كل من الشام ومصر وشمال أفريقيا ومعاداة واضحة للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أنهى سطوة الإخوان وإحياء الروح المصرية تكشف بوضوح أطماع أردوغان الآن وكذلك تحالفه مع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وإيواء الإرهابيين الهاربين ومنحهم الجنسية التركية للهروب من المساءلة والملاحقة القانونية ومحاولته التي تكشف نواياه في فرض سطوته وسيطرته على شمال سوريا والتوغل في السودان وقطر.

أمر خطير ثان خاصة مع قرب مرور مائة عام على توقيع اتفاقية لوزان 2023م حيث أن هناك احتمالات لو قدر لهذا الإنسان الأهوج المتهور ارتكاب حماقات وقيامه إما بإلغاء بنود الاتفاقية أو الانسحاب منها مما ينذر بنتائج وخيمة ربما تجر العالم إلى حروب وكوارث مثل على سبيل المثال مطالبته بحقوق تركيا في سيطرتها على البلدان التي تخلت عنها بموجب اتفاقية لوزان كمصر والسودان وقبرص والشام ودول شمال أفريقيا وثانياً فرض ضرائب ورسوم  على عبور السفن في المضايق المائية وأحقيته في البحث عن البترول والغاز في المناطق المحرمة عليه في البحر المتوسط حيث هنا سيتضح موقف القوى العالمية والتدخل بقوة لمنعه سواء بتوقيع عقوبات اقتصادية أو التدخل العسكري إذا لزم الأمر خاصة في المناطق المتنازع عليها في قبرص واليونان الأمر الذي جعل مجلس النواب الأمريكي في 29 أكتوبر الماضي 2019 م بتوجيه ضربة قاضية بالاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن بموافقة وأغلبية ساحقة بلغت 405 موافق مقابل 11 رفضوا وأغلب الظن سيتم الإطاحة به قبل حلول 2023 م ويلاحظ أيضاً إصرار جماعة الإخوان الإرهابية على الهجوم على شخص الرئيس السيسي ومحاولات فاشلة لإثارة الشعب عليه بصفة ممنهجة ومستمرة خلال الفترة القادمة لنفس الغرض الخبيث لهذا المجنون الخبيث أردوغان واستغلال الخلاف بين روسيا وأميركا واللعب على هذا الوتر حيث كانت الإمبراطورية القيصرية الروسية حامية الخلافة العثمانية في السابق وهو نفس الدور الذي يلعبه اليوم أردوغان مع روسيا ولكن واضح جداً أنه لن تسمح روسيا لتلك الأفكار الشيطانية للثعلب التركي العثماني في المجازفة والمخاطرة بمثل تلك الإجراءات التي ربما يرتكبها عام 2023 م.

 

الملخص المفيد:

عند محاولة تجميع الخيوط وفك الألغاز وتحليل الأحداث وقراءة التاريخ تستطيع بسهولة شديدة معرفة معالم المستقبل القريب واحتمالاته التي يمكن حدوثها.

إن تصرفات رئيس تركيا وسعيه لتحقيق نزواته والتلاعب على وتر الخلافة العثمانية وتحالفه مع جماعة الإخوان المسلمين وإيواء الهاربين منهم ومنحهم الجنسية التركية والسماح للقنوات الإخوانية للهجوم على مصر وسر العداوة والهمة الشرسة على رئيسها السيسي لأنه أفسد عليه وعلى الجماعة المخطط الشيطاني سواء الأمريكي أو التركي وتعاون مصر الاستراتيجي مع قبرص واليونان وترسيم الحدود المائية بالمتوسط يعوق محاولة تركيا في البحث عن الغاز وتعقيد وتداخل الدول أمريكا وروسيا وتركيا وإيران في سوريا تكشف لعبة المصالح وتقاطع الأطماع مما يجعلهم يتبادلون الأدوار حيث تختلف المواقف حسب الحدث.

على المصريين معرفة ما يدور من حولهم وما يتم تدبيره لهم في الخفاء من مؤامرات ولولا يقظة القيادة السياسية وبراعة الرئيس السيسي في التعامل مع مجريات الأمور بكل حكمة وحنكة راجعة لوطنيته وانتمائه لكانت مصر لقمة سهلة لكل الدول المتربصة بها، تحيا مصر .. تحيا مصر .. تحيا مصر.