أخبار عاجلة

إيرينى ثابت: أكثب إليكم من طنطا

إيرينى ثابت: أكثب إليكم من طنطا
إيرينى ثابت: أكثب إليكم من طنطا

أشرت للتاكسى قائلة: شارع على مبارك؟!! قال: اتفضلى يا أستاذة.. ركبت التاكسى وسألنى: فين فى على مبارك؟ قلت له: عند الكنيسة..

وبمجرد أن سار بضعة أمتار، بدأت الأمطار!! قلت: كويس أوى إنى ركبت قبل المطر.. ولأنه يعلم أننى ذاهبة عند كنيسة مارجرجس التى حدث فيها العمل الإرهابى المروع الذى هز طنطا، قال لى: ده مش مطر يا أستاذة.. ده حزن ودموع!! قلت فى داخلى: كويس أوى سواق أديب!!.

ثم بدأ ما توقعت أن أسمعه منه.. قصة طويلة جدا عن صديقه المسيحى وفى نصف القصة يقول لى: أنا مسلم على فكرة.. وصاحبى ده مسيحى.. قلت له: إيه يعني؟ المفروض ان أنا أستغرب واللا ايه؟.. – لا مش القصد بس أصله يثق فيّ ويعطينى الأمان على أمواله الخ الخ الخ.. ولأننى أحب أن أمتحن الثقافة العامة فى صورة سائق التاكسى وغيره من الناس الذين يتعاملون مع كل الطبقات فى الشعب، سألته: هى البلد رايحة على فين بالإرهاب ده؟ وازاى واحد تهون عليه نفسه ويفتكر انه بيعمل حاجة صح لما يموّت نفسه وغيره بالطريقة دى؟.

أجابنى اجابة مستفزة، ففلت لسانى بمحاضرة عصماء.. قال: ده راجل غلطان طبعا "يقصد الانتحارى".. يفجر نفسه في الكنيسة؟ غلط طبعا.. ده ماكسبش الشهادة كده.. الكلام ده يبقى صح لما يفجر نفسه فى مكان فيه جنسية مختلفة عننا.. ولم أتركه يكمل الجملة.. انت بتقول ايه؟ ايه الكلام ده؟ احنا ماعندناش حد بيموّت نفسه ولا غيره.. كل القتل عندنا حرام.. احنا بتوع الحياة مش الموت.. ديننا كده.. بيقول لنا ويعلمنا كده.. نتمنى الخير للكل.. ماندعيش على حد.. ولا نكره حد.. ولا نموّت حد.. ماعندناش أعداء.. كل الناس بنى آدمين خلقهم ربنا ووهبهم الحياة.. انت مين عشان تاخد حياتهم؟

كانت نفسى تكلمنى قائلة: انت فاكرة انك فى الجامعة والسواق طالب تعطي له محاضرة؟! ولكننى كنت مصممة على اتمام التعليم.. نعم التعليم.. ولا شيء غير التعليم.. وأكملت والرجل صامت ومشدوه.. قلت: لازم نحب الحياة والخير للكل.. البلد دى رايحة على فين طول ما فيها ناس عقولها كده ماليها الموت والخراب؟؟ احنا بنعلم أولادنا إن ديننا دين سلام ومحبة وحياة.. وهنفضل كده.. نحب الحياة والخير والحق.. وهنفضل نغفر عشان ديننا برضه دين غفران.. واللى مش بيغفر فينا هو الغلطان..

وصلنا إلى شارع على مبارك.. وقف الرجل لأنزل.. شكرته وأعطيته الأجرة.. لم يكن يريد أن يأخذها وقال لى بخجل: مش عارف اقول لك ايه يا أستاذة؟! قلت له: خد الفلوس وقل العفو!! وأنا ابتسم!! قال: مش القصد.. أنا بس عاوز أقول لك معلش!! أجبت: لا ماتقولش معلش.. لو عاوز تعمل حاجة عشان البلد دى تفضل بلد، علّم عيالك الحياة.. خليهم يفهموا يعنى ايه خير.. خليهم يحبوا نفسهم وغيرهم.. ويحبوا الخير للكل.. ويحافظوا على الحياة عشان دى عطية ربنا للإنسان.. علمهم الحياة وبس!!

نزلت من التاكسى ومررت على الكنيسة التى يصلى فيها أهالى الشهداء والمصابين.. التى يصلى فيها أبونا دانيال ويعظ المصلين عن الاستعداد للموت بالتقوى ومحبة الآخرين والغفران طالما نحن أحياء.. أبونا دانيال فقد ابنه الأصغر شهيدا يوم الأحد ويصلي ويعظ ويعزى الآخرين.. لم أبالغ مطلقا حين قلت للسائق ما قلته.. نعم.. ستبقى تعاليم الحياة تنتصر بالرغم من رائحة الموت.. وتسمو تعاليم المحبة على كل كراهية!!

إلى كل من يقرأ ما أكتبه من طنطا من جوار الكنيسة بل ومن داخلها.. إلى كل من يحب هذا البلد ويرجو مستقبلا لأبنائه: أرجوك علّم ابنك وعلّم كل واحد تلتقيه الحياة والخير.. وقل كلمة السلام والمحبة للكل دون تفرقة.. وتحدث عن معنى الانسانية المجردة التى لا تميز بجنس ولا بجنسية!!