أمل جمال تكتب: الأجيال الجديدة وأبطال أكتوبر (إبراهيم الرفاعي)

أمل جمال تكتب: الأجيال الجديدة وأبطال أكتوبر (إبراهيم الرفاعي)
أمل جمال تكتب: الأجيال الجديدة وأبطال أكتوبر (إبراهيم الرفاعي)

(من حق الأجيال الحالية أن تعرف ماذا حدث في تلك الفترة وكيف تكاتف الشعب كله وراء قواته المسلحة.. ليصبح الشعب كله جيشًا)

كانت هذه إحدى الرسائل التى تضمنتها كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي في الاحتفال بالذكرى 46 لنصر أكتوبر1973، تلك الرسالة التى تعتبر علاجا للخلل الذى أصاب بعض الفئات من الشباب في مجتمعنا؛ نتيجة خطابات الكراهية والحرب المعنوية التى تستهدف عقولهم، وتعتبر أيضا وقاية للأجيال الأحدث سنا، الزهور والزهرات التى ما زالوا في طور التكوين، يتلقون تعليمهم في المدارس يتفاعلون مع منصات مختلفة من منصات التواصل الاجتماعي، التى لا يفصلهم عنها سوى ضغطة زر أو مجرد لمسة للشاشة، الرسالة التى دفعتنى لكتابة هذا المقال، وربما لسلسلة متوالية أراها واجبًا علىَّ تجاه قطاع، أتوجه إليه دائمًا بخطابى الثقافى ككاتبة وخبيرة تربوية تعى جيدا آليات الحروب الحديثة، التى تستهدف كسر الوطن في عيون أبنائه، ليكرهوه، فيسهل عليهم تدميره، ولهم أقول إن حرب أكتوبر لم تشتعل نيرانها بين عشية وضحاها، فقد سبقتها حرب الاستنزاف، كما سماها الرئيس جمال عبدالناصر أو حرب الألف يوم، كما سمتها إسرائيل؛ لأنها استمرت قرابة الثلاث سنوات على ضفتى قناة السويس، بدأتها إسرائيل بمحاولة احتلال بور فؤاد في أول يوليو1967، فتصدت لها قوات الصاعقة المصرية بنجاح في معركة رأس العش، التى تصاعدت بعدها العمليات العسكرية التى تجاوزت خط القناة واستهدفت العمق، فكان الطيران الإسرائيلى يقصف المدنيين في القرى والمدن مستعينا بطائرات الفانتوم الأمريكية الحديثة، وكان جيشنا يتصدى بالصواريخ الروسية لتأمين الشعب، امتدت تلك المعارك إلى سوريا والأردن والفدائيين الفلسطينيين، ولم تتوقف المواجهات إلا بمبادرة روجرز في أغسطس عام 1970، والتى وافق عليها الرئيس جمال عبدالناصر والملك حسين وتعنتت إسرائيل في قبول بنودها؛ فسادت حالة «اللاسلم واللا حرب»، التى امتدت لثلاث سنوات وانتهت بشن الحرب على إسرائيل في السادس من أكتوبر وتحقيق النصر، الذى نحتفل به في كل عام، من هنا قررت أن أحكى عن أبطال مصر، من قادة وجنود أفراد، قررت أن أكتب ما أستطعت جمعه من بطولات، قاموا بها ليس في معركة أكتوبر فقط بل والاستنزاف أيضا، قررت أن تتردد الأسماء وتتداول، أن يعرفوها ويفخروا بها، يعرفوا كيف هانت أرواحهم عليهم فداء للوطن، وكيف روت دماؤهم الطاهرة ترابه، فأنبتت حريتنا وعزتنا. 

لذا أبدأ باسم البطل إبراهيم الرفاعى، أسد الصاعقة، الذى ولد في بلقاس بمحافظة الدقهلية والتحق بالكلية الحربية وتخرج فيها وعمل مدرسا بمدرسة الصاعقة، وشارك في بناء أول قوة للصاعقة المصرية، وشارك في الدفاع عن مدينة بورسعيد حينما وقع العدوان الثلاثى على مصر في 56 وشكل المجموعة 39 قتال بعد نكسة 67، مجموعة الأشباح التابعة للمخابرات الحربية، التى كانت نيرانها أول نيران مصرية تطلق في سيناء، وكانت عملياتها تثير الرعب والفزع في قلب العدو الإسرائيلى ولم لا؟ وقد بدأت عملياتها بنسف قطار للجنود والضباط الإسرائيليين عند منطقة الشيخ زويد، ونسف مخازن ذخيرة جيشنا، التى تركها بعد انسحاب قواته في 67، ولم تشأ القيادة المصرية تركها للعدو، فأصدرت قرار النسف، القرار الأصعب، الذى كان يعد شبه مستحيل، لكن الرفاعى ورجاله في الفرقة 39 فجروها، وظلت نيرانها مشتعلة لثلاثة أيام، وفى عام 1968 حققت معجزة أخرى، حينما نشرت إسرائيل صواريخ أرض- أرض، وهى لمن لا يعرفها صواريخ تطلق من منصات على اليابسة أو من البحر لتصيب أهدافا على الأرض، وبرعت في إخفائها بكل وسائل التمويه، وصدرت الأوامر بإحضار أحدها، فأحضروا ثلاثة فعزل على إثرها القائدالإسرائيلى مسئول الصواريخ، هذا إلى جانب الثأر لاستشهاد الفريق عبدالمنعم رياض في مارس 69، باحتلال المعدية رقم 6، التى أطلق العدو منها قذائفه، وكانت سببا في استشهاده، قاموا فورا بتدميرها وقتل 44 إسرائيليا ورفع العلم المصرى عليها لأول مرة في الجزء المحتل وظل يرفرف ما يقارب الثلاثة أشهر في ضربة مدوية رفعت الروح المعنوية لجنود جيشنا بعد استشهاد قائده، وكانت من الضخامة ما جعل إسرائيل تقدم احتجاجا لمجلس الأمن في اليوم التالي، هكذا كان الرفاعى وفرقة أشباحه، لا يهابون الموت ولا يكفون عن صنع البطولات ولا التدريبات والاستعدادات، حتى بعد معاهدة روجز عام 70، كان حدسه وضميره يؤمنان بأن الحرب آتية لا محالة، وبالفعل قامت الحرب في 73، وكانت نيران فرقته تتزامن مع الضربة الجوية الأولى، ظل الرفاعى يقاتل وسط جنوده قائدا جسورا لا يهاب الموت، حتى استشهد في ثغرة الدفرسوار، الاشتباكات الباسلة التى استهدفت إيقاف قتل جنودنا والتمثيل بهم في معركة كان بها الشجاعة، ما جعل قائد القوات الإسرائيلية إيريل شارون يهرب في طائرة هيلكوبتر، كل ذلك وأكثر حرى بنا أن نقدمه لأولادنا؛ لنذكرهم بتاريخهم ونعرفهم أبطالهم وبطولاتهم ونعلمهم أن البطولة في مصر لن ينضب معينها، وأن كل واحد فيهم باستطاعته حين يجد الجد أن يكون واحدا من أبطال جيشنا ونجومه المضيئة؛ لأن قدر هذا الوطن- كما جاء في خطاب الرئيس- أن يتعرض لأمواج عاتية يأتى أغلبها من الخارج، لكنها تتحطم دومًا.