علي الرغم من الشهرة الواسعة للسيانيد كمادة قاتلة وفتاكة الا ان مادة السيانيد ليست بعيدة عن حياتنا فهي في نوى بعض الفواكه كالمشمش والكرز والخوخ و التفاح ولكن بكميات صغيرة جداً ، لذلك ينصح بعدم تناولها ببذورها حيث يتواجد السيانيد فى جزيئات الاميجدالين (فيتامين B17 ( الموجودة فى هذه الانوية وبتفاعل الاميجدالين مع احماض المعدة ينتج سيانيد الهيدروجين السام.كانت نوي المشمش هي وسيلة الكهنة المصريين لقتل من يفشو أسرارهم الكيميائية!! فتناول 3-5 حبات من هذه النوي لا يعتبر ساما بل ربما كان له تأثيراً إيجابياً في قتل الخلايا السرطانية في حال نشوئها بحسب بعض الدراسات المثيرة للجدل والتي لا يمكن التعويل عليها بشكل حاسم . فيما لو قورن ذلك بتناول عدد 25 نواة مشمش، فيصبح الامر قاتلا لأن مادة السيانيد تصبح آنذاك ذات سمية عالية.
كما توجد في جذورالكسافا ( المصدر الرئيسي للأغذية في البلدان الإستوائية) كما تدخل في مركبات دوائية عدة، لا تشكل أي خطورة على الجسم،وقديما كان دستور الادوية المصري الصادر عام 1934 متضمنا مستحضر البلادونا المركبة المحتوي علي حامض السياندريك المخفف لعلاج الم الحلق الا انه لم يعد موجودا حاليا غير أن السيانيد لا زال حاضرا في عقار فيراباميل ، المستخدم في خفض ضغط الدم، وفي مركب نيتروبروسيد للخفض السريع لضغط الدم وكذلك السيتالوبرام المستخدم كمضاد للاكتئاب. السيانيد مر الطعم وله رائحة تشبه رائحة اللوز(كلمة عبرية تعني هبة من الله) ويتواجد في صورة غازية (سيانيد الهيدروجين وهو غازعديم اللون) وفي صورة بللورات صلبة (أملاح سيانيد الصوديوم و سيانيد البوتاسيوم). يعمل السيانيد، حال دخوله الجسم بشكل سريع نتيجة للأنشطة الصناعية و التخلص من النفايات على ظهور أعراض التسمم بالسيانيد، والتي تشمل الصداع والدوخة وعدم التوازن في الحركة وضعف نبض القلب والقيء والتشنج والدخول في غيبوبة والوصول خلال دقائق معدودة إلى مشارف الموت.
كان السيانيد يستخدم في التعدين وفي استخلاص الذهب و قد استخدم السيانيد في صيد الأسماك بصورة دمرت البيئة البحرية في كثير من دول آسيا كالفلبين وأندونيسيا...وكان السم المفضل للامبراطور الروماني نيرون لتسميم أقاربه !!!!... كما أن الدورة المسماة بأم أربعة وأربعين ) السيكلوبندرا و تعد أم مثالية حيث أنها تحتضن بيضها و تلف جسدها حولهم لحين الفقس ثم تظل تحميهم عدة أيام حتى يخرجوا للعيش بمفردهم (فتفرز مادة السيانيد القاتلة وتعتبر لذلك سامة لكن سميتها ضعيفة غير قاتلة الا أنها مؤلمة وينتج عنها تورم في مكان اللسع.
ومن أشهر من ارتبط بالسيانيد من المشاهير هو راسبوتين ( تعني الفاجر ) والذي ربما لم يدر في خلده وهو الفلاح الصربي البسيط أن تتحول حياته الي اسطورة امتزج فيها الواقع بالخيال وأن تغدو نهايته الشغل الشاغل للباحثين فالراهب المحتال الذي مارس الدجل طوال حياته أستطاع أن يقنع الإمبراطورة (ألكسندرا فيوديوروفونا) زوجة اخر قياصرة روسيا (نيقولا الثاني) ان حياة (ألكسيس) وريث العرش مرتبط بحياته بعد أن استطاع علاجه بشكل غامض بأستخدم التنويم المغناطيسي من سيلان الدم (الهيموفيليا(. كان مقتل راسبوتين عام 1916 لغزا لفترة طويلة وكانت الطريقة التي اودت بحياته هي الاخري مفاجأة بكل المقاييس كاشفة عن حقيقة علمية هامة حيث دس لراسبوتين سم السيانيد (في صورته الصلبه) والذي يمكن لكمية لا تتجاوز 0.2 من الغرام أن تجعله يلقى حتفه مباشرة خلال ثوان في الكعك والخمرغير ان المدهش ان الرجل لم يتأثر وقام ناهضا محاولا الهروب من قاتليه الذين عاجلوه بقتله بالرصاص ثم ضربه علي رأسه بهراوة ثم تقييده والقاءه في ثلوج نهر نيفا في سانت بطرسبرغ.
الطريف أن تشريح جثة راسبوتين كشف عن وجود مياه في الرئتين ، وأن راسبوتين كان ما زال حيا عندما ألقى به في النهر، ولكن برودة الماء المتجلد قتلت الرجل وظلت ظاهرة مقاومة راسبوتين للسم الذي دس له أمرا محيرا للباحثين حتي تكشف ان معدة الرجل الذي كان يعاقر الخمر بشراهة مترنحاً من السكر دوماً ربما لعبت دور المنقذ له لان تركيز الحامض في معدته أقل من الطبيعي بفعل الخمر وهذه الحالة تعرف بالهيبوكلورهيدريا وبدون حمض المعدة لا يمكن أن يتحول سيانيد البوتاسيوم إلى سيانيد الهيدروجين، ومن المعلوم أن تناول أملاح السيانيد عن طريق الفم وبالتالي وصولها إلى المعدة وإختلاطها بالوسط الحامضي وبالتحديد حمض الهيدروكلوريك ( HCL)، وينتج من تفاعلهما أملاح وحمض سيانيد الهيدروجين (هيدروسيانيك( HCN الذي بدوره يحدث التسمم في الجسم، ومما يلاحظ هنا أن أملاح السيانيد بحد ذاتها لا تسبب التسمم وإنما ما يسبب التسمم هو حمض سيانيد الهيدروجين الذي يمنع الهيموجلوبين من أداء مهمته في حمل الاكسوجين مما يؤدي الي شل تنفس جميع الخلايا في الجسم ويتوقف مركز التنفس في الدماغ عن العمل لعدم قدرة خلاياه على التنفس.
ثمة نظرية أخري أنه ربما أخطأ القتلة في مزج السيانيد مع الكعك المحلي والنبيذ ذلك أن السكر بهما يمكنه التفاعل مع السيانيد بطريقةٍ تؤدي إلى إخراجه من الجسم قبل امتصاصه بالشكل الكامل... كما كان الهجوم الكيماوي على حلبجة أبان الحرب العراقيه الايرانيه احد ابرز صور استخدام السيانيد في صورته الغازية، مما أدى إلى مقتل أكثر من 5500 من الأكراد العراقيين من أهالي المدينة. يستطيع الجسم بسهولة التخلص من الكميات الضئيلة لمركبات السيانيد التي يتناولها الإنسان ضمن المنتجات الغذائية الطبيعية. أما عند حصول حالات التسمم، فثمة أنظمة علاجية للتغلب على التأثيرات السمية لها. وتشمل إعطاء المُصاب جرعة قليلة من مادة (أمايل نايترايت) لاستنشاقها، ثم حقنه في الوريد بمادة (نترات الصوديوم) وحقنه أيضاً في الوريد بعد ذلك بمادة (ثيوسلفيت الصوديوم) و استخدام الأكسجين ،كما أثبتت التجارب المعملية التي أجرتها جامعة هارفارد على الحيوانات قدرة فيتامين ب "2" على العمل كترياق مضاد لمادة السيانيد السامة ولا تزال المحاولات العلمية مستمرة لإيجاد طريقة أفضل وأقوى وأسرع لعلاج حالات التسمم بالسيانيد.
د.محمد فتحي عبد العال صيدلي وماجستير في الكيمياء الحيوية