بدا من الواضح أن الأغا العثماني رجب طيب أردوغان قد بدأ مسيرة الانهيار والانحدار، وفقدان التوازن، وإذ يتعرض إلى خيبات الأمل والانكسارات في الداخل ، تراه كعهد كل مهزوم يسارع إلى الخارج، لافتعال معارك يحاول فيها إظهار فحولته، حتى وإن كلفته وبلاده من ورائه المزيد من الخسائر، على كافة الأصعدة المادية والمعنوية.
لقد أوصد أردوغان الأبواب منذ فترة طويلة، وذلك حين خيل إليه خياله المريض أن التاريخ يمكن أن يعود إلى الوراء، عبر قصر به ألف غرفة يسكن فيه السلطان الجديد، ومن خلال بيوت أزياء صممت له ملابس الحرس العثماني القديم، وفاته أن التاريخ لا يكرر نفسه كما قال كارل ماركس ذات مرة.
لا يؤمن أردوغان بمفاهيم الدولة المستقله ، التي تحترم حريات واستقلال الدول الأخرى، ولا يقيم وزنا لأي دولة جاره لا سيما إذا شعر أنها أضعف من بلاده من الناحية العسكرية، إنها نفس العقلية الهتلرية التي مضت وراء غرور وأوهام القوة، ووصل بها الحال إلى التحطم على صخرة الغرور والعند الإمبراطوري الواهي.
اردوغان وحقده علي مصر بصفه خاصة :
لا يغيب عن الجميع ما يكنه اردوغان في عقله وقلبه من غل وحقد وكراهيه دفينة متاصله تجعله يختل توازنه العقلي بفضح امره علي الملأ فعلا وقولا , فلا يمر أى حدث إلا ويكشف الرئيس التركى رجب طيب أردوغان عن أحقاده على مصر والرئيس عبدالفتاح السيسى، حتى إن فوز المعارض أكرم إمام أوغلو من حزب الشعب الجمهورى التركى بمنصب عمدة إسطنبول جعل أردوغان يصرخ بأن الرئيس السيسى يفوز فى الانتخابات ويشير بأصابعه نحو معارضيه. وعندما جرت محاولة الانقلاب فى 15 يوليو 2016 أصيب بلوثة عقلية، جعلته يعتقد أن الرئيس السيسى هو من دبر للإطاحة به، وأنه يلاحقه فى كل مكان حتى فى أحلامه، ويحولها إلى كوابيس. ولما هاجمت إسرائيل قطاع غزة، وتدخلت مصر لإيقاف العدوان وحقن الدماء وتوصلت إلى وقف لإطلاق النار، خرج أردوغان ليسيء إلى مصر والرئيس السيسى، وقال وقتها وزير الخارجية المصرى سامح شكرى، فى رده على الصحفيين، إن إساءات الرئيس التركى لمصر والرئيس السيسى تخرج عن المألوف فى كل الأعراف الدولية. وعند انعقاد القمة العربية ــ الأوروبية فى شرم الشيخ لم يتمكن أردوغان من السيطرة على غيظه وحقده من نجاح مثل هذا التجمع الكبير لقادة أوروبا والعرب، ورفض سامح شكرى الرد على تصريحات أردوغان المسيئة لقادة أوروبا والعرب وقال إننا نمتنع عن الرد حتى لا نلفت الأنظار بعيدا عن القمة العربية الأوروبية وأهدافها ولن ننزلق إلى هذا المستوى الذى لا يستحق الرد عليه، وكل دولة فى المؤتمر تعرضت إلى إساءة أردوغان يمكنها أن ترد بالطريقة التى تناسبها، لكن ما يحدث ينم عن الحقد وأصبح مضحكا. ونبه وزير الخارجية المصرى إلى أن أردوغان ويحاول لفت الأنظار، والمؤكد أنه لا يرتاح إلى حالة الاستقرار التى تشهدها مصر والتقدير الدولى للرئيس السيسي.
إن الحالة المرضية الصعبة التى يمر بها أردوغان تجعلنا نشفق عليه، فهو قد تعرض لأزمة نفسية وعقلية صعبة عندما انهارت أحلامه فى تحقيق دولة الخلافة العثمانية بعد أن وظف جماعة الإخوان بفروعها فى مختلف الأنحاء، لكى يستخدمها كأداة فى الوصول إلى أطماعه الشخصية والاستيلاء على أكبر مساحة من الأراضى العربية، بدعوى أنه يريد أن يعيد الخلافة الإسلامية، وهى أكبر خدعة نجح أردوغان فى ترويجها بين الجماعات المتطرفة. ولهذا فهو يمنع هذه الجماعات من ممارسة أى نشاط لها داخل تركيا، لأنه يخشى من أفكارها الهدامة، بينما يساعدها على الانتشار فى الدول العربية التى يتمنى دمارها لتكون لقمة سائغة، يمكنه أن يلتهمها بعد أن تنهار وتأكلها الفوضى.
لا يمكن لأردوغان أن ينسى أن الشعب المصرى قد أطاح بأحلامه عندما خرجت عشرات الملايين فى 30 يونيو 2013 وأسقطت حكم جماعة الإخوان وهى الضربة القاضية للمخطط الذى كان يقوده، بعد أن تصور أن الطريق ممهد أمامه، ليعيد احتلال المنطقة العربية بعد نحو 500 سنة من الغزو العثمانى الذى جاء بالبلاء والتخلف على شعوب المنطقة. لا يمكن لأردوغان أن ينسى أن الشعب المصرى أصر على تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى المسئولية بعد استعادة مصر من أيدى الجماعة الإرهابية التى لم تعرف قط معنى الوطن وتصرفت كأنها جماعة تمكنت من احتلال مصر وأنها انتقلت إلى مرحلة التمكين والسيطرة وتعاملت مع المصريين خلال فترة حكمها القصيرة كأنهم شعب من الدرجة الثانية وشرعت فى إبعادهم عن المواقع والمناصب المؤثرة، وهو ما شعرت به الجماهير المصرية وهبت ضد حكم الإخوان، ولم توقفها ميليشيات الجماعة التى انهارت سريعا ثم سعت إلى تجميع شتاتها فى ميدان رابعة ليكون منطلقا لهجوم مضاد، تستعيد به الجماعة مواقع السيطرة، لكن خابت مخططاتهم مرة أخرى وسقطت معها كل أحلام أردوغان.
يدرك أردوغان أن هزيمة مشروعه بأيدى المصريين تحمل بذور انهيار حكمه، وأن نظامه يترنح تحت الغليان الشعبى الرافض لسياساته وسقوط الأقنعة التى كان يتخفى بها والأساطير التى كان يدعيها، فقد ترنح الاقتصاد التركى الذى كان يزعم أنه من أقوى الاقتصادات، متجاهلا حجم الديون الضخمة والاعتماد على المساعدات الأوروبية التى تعد بديلا لرفض دخول تركيا الاتحاد الأوروبى، ومساعدات أمريكيا التى كانت تتمنى أن تكون تركيا نموذجا للحكم البعيد عن التطرف، لتجد أنه أصبح عش الدبابير الذى يجمع الإرهاب من كل أنحاء العالم، ليطلقه فى كل مكان، ليصبح فى نظر أوروبا وأمريكا أكثر أنظمة الحكم إثارة للخوف، كما سقط ما كان يدعيه من ديمقراطية عندما ألقى القبض على عشرات الآلاف من خصومه السياسيين، بزعم أنهم من أنصار الانقلاب عليه، وشملت حملات الاعتقال الآلاف من أساتذة الجامعات والإعلاميين وموظفى الدولة وأعضاء فى البرلمان، ولم تتوقف حملات الاعتقال طوال السنوات الثلاث الماضية، وفى الانتخابات البلدية الأخيرة خسر أهم معاقل حزبه فى العاصمة أنقرة وأكبر وأهم المدن اسطنبول، وحاول بكل الطرق تغيير نتيجة الانتخابات وأعاد فرز الأصوات، ولما تأكدت خسارته قرر إعادة الانتخابات.
لقد تعثرت جماعة الإخوان وانهار تنظيمها وأصبحت جماعة سيئة السمعة، بعد أن تكشفت للجماهير العربية أهدافها ومشروعها البعيد عن الوطنية والقومية، كما سقط أردوغان بسقوط الإخوان ولم يعد بإمكانه أن يحافظ طويلا على مقعده كرئيسا لتركيا، فالهزائم تلاحقه والانهيارات والتصدعات تكبر وسيتمكن الشعب التركى من التخلص منه مثلما تخلصت مصر من جماعة الإخوان.
لماذا انقلب "ترامب " علي الرئيس اردوغان ؟!
تجدد الخلاف بين الرئيسين الأمريكى ترامب والتركى أردوغان حول قضية انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، ومصير القوات الكردية الحليف الأساسى للأمريكيين فى سوريا الذين حاربوا ببسالة الوجود العسكرى لداعش, وأجلوه من معظم المواقع السورية، لكن الخلاف الأمريكى التركى اقترن هذه المرة بتهديدات خطيرة أطلقها الرئيس الأمريكى ترامب فى تغريداته الأخيرة على تويتر، أكد فيها استعداد الولايات المتحدة لتدمير الاقتصاد التركى إن تجاسر الرئيس التركى أردوغان على المساس بقوات سوريا الديمقراطية التى تتعرض لتهديدات تركيا المستمرة منذ أن أعلن الرئيس الأمريكى سحب قواته من سوريا، ورغم تراجع ترامب عن تهديداته, فمن الواضح أن السبب الرئيسى للخلاف التركى الأمريكى هو سوء تأويل تركيا معنى ومغزى التفويض الذى منحه الرئيس الأمريكى للرئيس التركى أردوغان فى مكالمة تليفونية طويلة انتهت باتفاق الرئيسين على أن يواصل الأتراك حربهم على بقايا داعش فى سوريا المتمثلة فى عدد من المقاتلين المسلحين وبعض الخلايا النائمة التى لا تزال قادرة على شن الهجمات وتحاول إعادة تجميع قدراتها القتالية من جديد، لكن أردوغان أساء متعمداً فهم تفويض الرئيس ترامب وأعطى نفسه الحق فى شن الهجوم على قوات سوريا الديمقراطية حليفة الولايات المتحدة فى الحرب على داعش باعتبارها جزءاً من حزب العمال الكردستانى، الذى تناصبه تركيا العداء، وتعتبره عدوها الأول وترى فى هزيمته هزيمة لمشروع الأكراد الذين يناضلون على امتداد مائة عام من أجل إنشاء دولة كردية تجمع أكراد تركيا والعراق وسوريا، أو كيان كردى يتحصلون فيه على نوع من الحكم الذاتى يحقق بعض طموحاتهم القومية والثقافية، ورغم أن جون بولوتون مستشار الأمن القومى الأمريكى حذر الأتراك من مغبة سوء تأويل التفويض، إلا أن أردوغان رفض استقباله وبدا واضحاً للجميع أن أردوغان سوف يعطى الأولوية للهجوم على أكراد سوريا، والأكثر من ذلك أن أردوغان طالب الولايات المتحدة بأن تسلم جميع قواعدها قبل الرحيل إلى القوات التركية كما طالبها بنزع سلاح الأكراد الذى يتمثل فى عدد من المصفحات والصواريخ الأمريكية حصلت عليها القوات الكردية كعون عسكرى أمريكى خلال حربها على داعش، وقد رفضت الولايات المتحدة المطلبين، وأكدت ضرورة ضمان أمن وسلامة القوات الكردية بعد انسحاب قواتها من سوريا، والذى بدأ بالفعل قبل عدة أيام بإخلاء القوات الأمريكية المنسحبة جزءا من عتادها فى سوريا، ورغم تهديدات الرئيس ترامب الأخيرة لا تزال القوات التركية داخل سوريا مستمرة فى دعم وجودها العسكرى عبر أرتال الإمدادات التى تأتيها من منطقة الحدود، ولا يزال الغموض يحيط بمصير القوات الكردية التى يمكن أن تتعرض لمخاطر الهجوم التركى الذى لا يزال يتربص بها منتظراً انسحاب القوات الأمريكية الكامل من سوريا، الذى لا يزال موضع انتقاد شديد من العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى ومعظم الشخصيات العسكرية. وما لم يصدر الرئيس الأمريكى تصريحاً واضحاً يحدد فيه على وجه دقيق حدود التفويض الذى حصل عليه الرئيس التركى أردوغان فى مكالمته التليفونية الطويلة مع ترامب، سوف يستمر أردوغان فى مناوراته خداعاً للجميع رغم تهديدات ترامب بتدمير الاقتصاد التركى، الذى يعانى مخاطر ضخمة بسبب ارتفاع نسب التضخم وتراجع أسعار صرف الليرة التركية التى خسرت خلال العام الماضى 30% من قيمتها مقابل الدولار، وتزايد أعداد الشركات التركية التى تطلب إعلان إفلاسها بسبب توتر العلاقات السياسية الخارجية لتركيا والتى اقتربت أعدادها من ألف شركة، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة، انتشار حالات عدم حصول العاملين على أجورهم، وجميع ذلك يمثل مصاعب اقتصادية وسياسية ضخمة تلزم الرئيس التركى التخلى عن حماقاته ورعونته، لكن الأمر الواضح للجميع الآن أن الرئيس الأمريكى يصر على سحب كامل قواته من سوريا وإعادتها للوطن رغم تصريحات وزير خارجيته مايك بومبيو الأخيرة التى أعلن فيها أن أمريكا لا يمكن أن تُغامر وتغادر الشرق الأوسط رغم مصالحها فى المنطقة، ومع الأسف فإن هذه الإشارات المتناقضة التى تأتى من الجانب الأمريكى تزيد من غموض الموقف وصعوبته.