ضربة جـزاء penalty
*************************
الحلقة الأخيرة
تململ في رقدته ، حاول أن يتقلب ولم يتمكن ، أشياء مقيدة بمعصميه تمنعه إلى حد ما من حرية الحركة بالإضافة إلى جهاز يضخ نفحات من الهواء إلى أنفه ، فتح عينيه سريعاً ثم أغمضهما سريعاً ، من الواضح أن الغرفة التي يرقد بها تقع داخل مستشفى من المستشفيات التي تعب المال عباً ولا يقدر عليها سوى من هم في مرتبة فوق الأغنياء ، في اللحظة الخاطفة التي فتح فيها عينيه لمح ممرضة شابة وبين يديها كتاب تلتهمه بعينيها فلم تنتبه إلى أنه عاد من غيبوبته ، شكر لها ذلك حتى يمكنه أن يسترجع في ذاكرته ما حدث ، آخر ما بها حديثه مع صديقه " العسيلي " في بيت " أم صابر " وكانت آخر كلمات سمعها منه المصيبة التي حطت فوق رأسهسهأ بموت أبيه وهو لم يتعد الخامسة عشرة ، حاول أن يأخذه عمه ليعيش مع أولاده لكنه هرب إلى أسوان إلى أم " صابر " التي قامت بتربيته وتعليمه وحافظت عليه من " الرأس الشيطانية ، بعدها ودعه وذهب إلى محطة القطار واستقله إلى القاهرة ، لكنه لم يدر بعد ذلك سوى بالاهتزازات الشديدة لعربة النوم التي يرقد بها قبل أن يقطع نصف المسافة ، بعدها .. بعدها .. حاول أن يتذكر أي شيء ، لكن ذاكرته لم تسعفه ، فتح عينيه ثانية بحرص ليتفحص الغرفة بتدقيق وحتى لا تلحظه الممرضة التي لا تزال تلتهم كلمات الكتاب ، أغمض عينيه ثانية ، حاول أن يستدعي ذاكرته ، أتته قوية فجة بأحداثها ، عادت إليه الحقيقة كاملة ، نعم فاق من غيبوبته على هزات القطار الذي خرج عن قضبانه والتي لم تكن سوى نهاية لحلم طويل أو كابوس استغرق أسبوعاً كاملاً فقد فيه وعيه بعد الحادثة ، تأرجح عقله بين أحداث مرعبة لا يعرف كيف كونها عقله الباطن وعاشها في حلمه ولا يفهم لها معنى ، وبين الحقيقة التي دفعته للرقاد داخل هذه الغرفة بإحدى المستشفيات الكبرى ، حقيقة مخجلة وصادمة ويمكن أن تطيح بمستقبله الكروي والعائلي ، بل من المؤكد أن القانون ينتظره فهو لا يدري إلى ماذا انتهت الحادثة في تلك الليلة المشئومة ، هل هناك إصابات لا يدري ، غاب عن الوعي تماماً بعدها ليكتشف الآن أنه داخل المستشفى . قرر أن يعطي عقله فرصة حتى الصباح ليفكر كيف يخرج من هذا المأزق ، ما ارتكبه ليس سهلاً ، الذكاء وخاصة لو كان شريراً من واجبه أن يشير عليه بماذا يفعل ، الذكاء الشرير ألهمه أن يهرب من الواقع لفترة ، حتى لو كان هذا الهروب تمثيلية يجب أن يؤديها ببراعة كممثل ولد فوق خشبة المسرح ، أي خلل في الأداء يمكن أن يورطه ورطة جديدة قد تفوق ورطته الأصلية ، يجب أن يقوم بهذا الدور حتى يتكشف الأمور وقد ينجيه من طائلة القانون إذا كان في الأمر ما يعاقب عليه ، يجب أن يعلن عن خروجه من مرحلة الغيبوبة في الصباح ، لكن يجب أن يدخل إلى مرحلة جديدة ، مرحلة الهروب من الواقع ، يوهم الجميع أنه أنسان آخر لا يعرف أي شيء عن " مروان " ولا يدري عن ماضيه أي شيء ، تحدث كثيراً أن أنساناً يفقد ذاكرته بعد ارتطام شديد ، نعم يتذكر الآن الصخرة التي ارتطمت بها سيارته ، صخرة ضخمة كافية أن تفقد أي عقل ذاكرته ، لكن ماذا حدث للتي كانت بجانبه ، هذه مشكلة أكبر ، ماذا سيقول عنها لزوجته ، وما الذي يمكنه أن يفعله زوجها ، هل فقدت حياتها ، أم أُصيبت مثله وتم نقلها إلى المستشفى ، هل هي الآن ترقد في نفس المستشفى ، قد تكون في غرفة قريبة منه ، هل يُخرج الممرضة عن متعة القراءة ويسألها إن كانت الأسعاف أتت برفيقته ، أم اختارها عزرائيل . آه يا " مروان " كدت أن تفقد حرصك ويخونك الذكاء ، سؤالك عن رفيقتك يعني أنك في كامل الذاكرة ، فكيف ستدعي هروبها ؟! ، إذا كنت تريد النجاح في دورك الجديد يجب أن يكون البند الأول الذي تعيه جيداً ، كيف تكون حريصاً في كل حرف تنطق به . استكان وقرر أن يظل صامتاً حتى الصباح ، أقلقته فكرة مواجهته لزوجته "سمية " وطفله ، عليه أن يحيل وجهه إلى قطعة من الصخر وأن يسجن ملامحه حتى لا تنطق بأية مشاعر نحوهما ، لكن يا ترى هل ستأتي " سمية " بعد اكتشافها لخيانته ؟! ، وهل أتت الأيام السابقة ، يا ترى هل ستأخذ طريقها إلى الطلاق بعد أن تطمئن عليه ، هي وطفلهما الشيء الوحيد المضيء في حياته الممتلئة بالغش والخداع ، من حقها أن تلفظك ، سأقول لها أنت تعلمين مدى حبي لك ، ستجيب وهل من يحب يخون حبيبته مع غانيات الفراش ، سأقول لها سامحي طفاسة العين وقذارة الشهوة ، سأقول لها أن الخنزير مهما غسلوه يعود ليتمرغ في الوحل ثانية ، ستجيب وما أدراني أن طفاسة عينك شفيت وأن الخنزير لن يعود للوحل ، سأقسم لها بأن ما بداخلي قد تحول كما يتحول الليل إلى النهار ، سأقول لها أن الكابوس الذي عشت فيه هذا الأسبوع أعاد الضال إلى الطريق ، سأقول لها بأن الصفعة التي تلقيتها في بيت " أم صابر " لا تزال تؤلمني وأنها كانت درساً لا ينسى ، ارتدت أفكاره إلى الخلف تسأل ، إذا كنت فعلاً نويت التوبة فكيف لا يزال الغش والخداع يسيطر عليك ودفعك لأن تقوم بلعبة فقدان الذاكرة ، شبه ابتسامة مردداً في داخله ، مجرد كذبة بيضاء للخروج من العاصفة التي تزأر حولك . سلم عينيه للنعاس حتى يكون على استعداد لمسرحية الغد . لم يتمتع سوى بنعاس متقطع وبعض من صور الكابوس المزعج يعود إلى عقله وعندما فتح عينيه وهو يرتدي شخصيته الجديدة حانت منه لفتة نحو الساعة وكانت العاشرة صباحاً ، تلفت حوله وكانت الغرفة خاوية إلا منه والأجهزة التي تحيط به ، أتت الأفكار متدفقة متزاحمة إلى رأسه ، السوداء قبل البيضاء ، أوبمعنى آخر الموقف لا يجد مكاناً لأفكار بيضاء ، هل قاطعه الجميع ، هل من المعقول مهما كانت فعلته أن يقاطعه والده ووالدته ، " سمية " قد يكون الحق في جانبها أن لفظته بل المفروض أن تتخلى عن حبها وأدبها وتبصق في وجهه ، وأن تقول لطفله هذا ليس أبوك ، لكن الأب والأم دائماً يدفعهم الحب والحنان ويتحول الأبن أو الأبنة في نظرهم إلى مظلوم حتى لو كان ظالماً ، أين صديقه " العسيلي " ، كان يجلس معه قبل الحادث ، تعاطى من الكيف في تلك الليلة ضعف ما كان يتعاطاه كل مرة ، تذكر تحذير صديقه عندما قال له أنه تعاطى بما يكفي بأن يطيح برأس ثور ، حاول أن يستجوبه عن سبب نهمه ، لكنه لم يجبه برغم دوران رأسه الذي كان يشبه رحاية جرش الحبوب ، لم يعترف له بأنه سيخرج من لديه ليتقابل مع عشيقة سلبته لبه ، تجرشه بين ذراعيها كرحاية جرش الحبوب ، الكيف يجرش رأسه وهي تجرش رجولته ، الكيف وأنوثتها شريكان في جرشه وفي خيانته لزوجته ، تساءل وهو لا يزال وحيداً ، هل لو كان لا يحمل أي نجومية أو شهرة كانت ستتهافت عليه العشيقة التي جذبته بكل عنف وهي متزوجة وتمتلك الكثير وليست في حاجة إلى النقود ، أوقعته ولم تكن هذه المرة الأولى ، وقع مع غيرها قبل ذلك وكانت علاقات نزوية لا تدوم لأكثر من مرة أو اثنتين على الأكثر ، عندما أنجب طفله أقسم بأنه لن يقترب من هذا الطريق ثانية ، لكن مع هذه المرأة الإغراء كان أقوى من قسمه . تساءل كيف يحمل كل هذا الحب في قلبه لزوجته ويخونها ، دائماً كانت نفس الإجابة ، مجرد نزوات وغداً تخمد الدوافع إليها وينتهي الأمر . كما يقولون لا توجد جريمة كاملة ، نفد بكل خياناته السابقة ، لكن ما حدث تلك الليلة كشف ما ظل يحافظ على مداراته لفترة طويلة ، مخدرات وعشيقة وحادث لا يعرف ماذا خلف وراءه ، قد تكون عشيقته قد فارقت الحياة ويجد أمامه جبهتين ، جبهة زوجته وأهلها ، وجبهة زوج عشيقته ، يضاف إليهما جبهة ثالثة مع القانون . في تلك الليلة ترك صديقه " العسيلي " وكل الأشياء تتراقص حوله ، حتى مقود السيارة كان يتراقص بين يديه ، تقابل معها كالعادة في الطريق المستتر وأخذ طريقه نحو المقطم حيث شقته التي أهداها إليه أحد عشاق الكرة ليكرم نجمه المفضل ، طوال الطريق تمتد يده لتناوش أنوثتها وهي تحذره بأن السيارة تتأرجح فوق الطريق مع ضحكة بغنج وكأنها تطلب المزيد ، فجأة دوى صوت رهيب عنما انحرفت السيارة عن الطريق لتندفع نحو صخرة ضخمة ولم يدر بعدها سوى أنه الآن يرقد في هذه الغرفة داخل مستشفى لا يدري حتى اسمها ، لكن من المؤكد أنها إحدى المستشفيات الفندقية . حانت اللحظة الحاسمة عندما دخل الطبيب إلى الغرفة ووجده في تمام اليقظة ، أطلق الطبيب صفيراً ضاحكاً قائلاً :
_ لقد عاد نجمنا الكبير إلى الحياة ثانية .
أمسك بكل ملامحه لتبقى بلا معنى وسأل :
_ لماذا أنا هنا يا دكتور ؟!
بدت تقطيبة فوق وجه الطبيب وسأل بدوره :
_ ألا تتذكر شيئاً مما حدث ؟!
_ آخر شيء أتذكره الاهتزازات الشديدة للقطار وصرخات من حولي ثم انقلاب العربة التي كنت بداخلها عندما كنت عائداً من أسوان .
_ لكن إصابتك كانت نتيجة اصطدام سيارتك بصخرة في منطقة المقطم .
حرك ملامح وجهه نحو الدهشة قائلاً :
_ كل ما أتذكره هو حادثة القطار !!
تحركت ملامح الطبيب تلقائياً نحو الدهشة وقال وقد رسم فوق وجهه شبه ابتسامة :
_ حسناً ، أرجو ألا تجهد فكرك الآن ، المهم أنك والحمد لله لم تصب بأي كسور ويمكن أن تعود إلى منزلك وأسرتك ونرى بعد ذلك ما يمكن عمله .
خرج الطبيب ليواجه أسرته بأنه استيقظ من غيبوبته لكن هناك اشتباه في فقدان الذاكرة مؤقتاً ، لكن الطبيب تركه في حالة دهشة فعلية وهو لم يذكر له أي شيء عن رفيقته إن كانت أصيبت مثله أم رحلت عن الحياة ، كان عليه أن يستعد لمواجهة أكبر مع أسرته ، كأمر الطبيب كان أول من ولج إلى الغرفة هما الأب والأم ولقد عانى كثيراً في كتمان مشاعره أمام عاطفتهما ودموعهما وهو ينظر نحوهما في بلادة ، لم تتغير ملامحه كثيراً سوى للدهشة عندما دخلت " سمية " وقدمت له طفله وعلى وجهها ابتسامة يعلم جيداً من خبرته معها أنها ابتسامة مفتعلة ، ازدادت دهشة الجميع عندما لم يقابل طفله سوى بمداعبة بأصبعه على وجنته وكأنه يراه للمرة الأولى وانفجر الطفل في البكاء كنوع من الاحتجاج الطفولي ، انتهى المشهد بصديقه " العسيلي " الذي حاول أن يداعبه ببعض الكلمات لكن لم ينل أكثر مما ناله من سبقوه من نظرات الدهشة والتعجب ، حاول الطبيب أن يذكره بالموجودين لكن لم يزد عن ابتسامة وبعض هزات من رأسه ، لكن عقله كان يعمل بنشاط شديد ، يريد أن يصل إلى نتائج الحادث ، من الابتسامة المفتعلة لزوجته " سمية " علم أنها كشفت خيانته ، لكن ماذا عن رفيقة الخيانة ، ماذا حدث لها ، ماذا عن الكيف الذي ساقه إلى هذه الحادثة ، ماذا عن الصحف وما قيل فيها ، ماذا عن مستقبله الكروي ، ماذا كان رد فعل جمهوره ، كلها أسئلة كان على استعداد أن يدفع بضع سنوات من عمره ويصل لإجابة عنها . عاد إلى المنزل بعد أن سمح له الطبيب بالعودة على أن يعامل معاملة خاصة حتى تعود إليه ذاكرته تدريجياً مع توصية أن يعرض على طبيب نفسي ، لكن زوجته بدأت علاجه الفوري ، ضمته إلى صدرها وكان لقاءاً حاراً أغدقت عليه الحب دون حساب وتجاوب معها بنفس الحرارة بعد أن فشل في أن يمثل دور الخجل وكأنه يراها لأول مرة ، هدأت الأنفاس ، أشعلت الضوء الخافت بجانب الفراش لتقرأ ملامح وجهه جيداً وقالت وقد أطلقت يدها في مداعبة لشعره :
_ إلى متى ستظل تمثل هذا الدور ؟!
أغمض عينيه وقد أحس بأن قدرة الشر المحنكة خانته وأنه فقد القدرة على المناورة ، قال وصوته يحمل الأسف حقيقة :
_ يمكنني أن أمثل على العالم كله ، أما أنت فلا ، كم شعرت بضعفي وأنا بين ذراعيك كطفل صغير بين ذراعي أمه ، ابتسامتك المفتعلة في المستشفى أخبرتني بأنك قد علمت بكل شيء ، كجبان قررت أن أهرب من مواجهة الجميع وخاصة أنت بافتعالي لفقدان الذاكرة ، بين ذراعيك الآن أحسست بأنك لا زلت تحملين حباً لا أستحقه ، فهل ستصدقينني لو أقسمت لك بأنني سأقتل نفسي لو سقطت سقطة أخرى .
قالت وهي لا تزال تداعب شعره :
_ لو كان في نيتي ألا أسامحك ما كنت استقبلتك بين ذراعي ، علمت كل شيء ، وداويت كل شيء ، من أجل أن أحتفظ بك ومن أجل طفلنا وأيضاً حتى لا يضيع مستقبلك الكروي ومكانتك بين جمهورك ، عند نقلك إلى المستشفى اكتشف الطبيب أنك ارتكبت الحادث وأنت تحت تأثير المخدرات ، لكني رجوته أن يتكتم الأمر ومن حسن الحظ أنه كان من أشد المعجبين بك ، قيد الحادثة على أنها نتيجة للإرهاق وخاصة أن المصاب الوحيد هو السيارة ، سأوفر عليك خجل السؤال عن من كانت معك بالسيارة ، من حسن حظك أيضاً أنها لم تصب وتصرفت بجرأة وسرعة ، فتحت باب السيارة وهربت من مكان الحادث وقامت بالاتصال بالأسعاف من هاتف عمومي ، والغريب أنها أيضاً اتصلت بي على تليفون المنزل ويبدو أنه كانت تتصل بك على هذا الرقم أحياناً واخبرتني سريعاً وأغلقت الهاتف ، تمكنت مع أبيك من الوصول سريعاً إلى المستشفى الذي نقلت إليه وخاصة أنك شخصية معروفة وتمكنت من الحديث مع الطبيب ولقيت منه ترحيباً في أن يتكتم على خبر المخدرات . علمت بحاسة الأنثى أن الموضوع به إمرأة أخرى وأنها هي التي هاتفتني عقب وقوع الحادث ، وكانت المفاجأة مع حسن الحظ أنني بعد أن تسلمت السيارة بعد فحصها السريع من الشرطة ، لقطت أنفي رائحة عطر أنثوي لا يزال عالقاً بها يختلف عن عطري ، بدأت أفحصها ومن حسن الحظ وجدت أسفل المقعد الذي بجانبك حافظة نقود صغيرة وجدت بها رقم هاتف السيدة التي كانت معك فاتصلت بها وطلبت منها الحضور لاستلام حافظتها ، اعترفت أمامي بالعلاقة التي بينكما وأنها شديدة الأسف وأقسمت بأنها ستلحق بزوجها في أحد البلاد التي يعمل بها . هذا ملخص الأحداث التي أعرف أنك تتوق لمعرفتها ، وخاصة ما يتعلق بمستقبلك الكروي وشهرتك ، أمسك بيدها يقبلها وأحست بدموع يقول سعيرها بأنها توبة حقيقية ، قال والدموع لم تنقطع :
_ أقسم لك صادقاً بأن كل ما يهمني الآن هو أنت وكيف أكفر عن جريمتي ، نعم جريمتي نحوك ، وكيف أغسل من داخلك هذه الإساءة .
_ لقد سامحتك قبل أن تفيق من غيبوبتك ، أعلم أن لكل حصان كبوة ، ولكل رجل هفوة أو نزوة ، والسيدة العاقلة هي التي تسامح لتعيده إلى بيته وأسرته ، ولا تنسى حبنا ، وأيضأً يجب أن تشكر طفلنا الذي ربطنا معاً .
_ هناك شيء أود أن أخبرك به .
قالت مبتسمة :
_ هل هي نزوة مع أخرى .
_ لا ، لكن هذا الكابوس الذي عشت فيه طوال فترة غيبوبتي وحتى انتبهت منها ، كابوس مرعب ، فهل أذهب إلى طبيب نفسي ؟
_ ولماذا لا أكون أنا طبيبتك النفسية ، حتى لا تبوح بسرك لآخر .
_ أرجو هذا ، أراح رأسه فوق صدرها وكفيلم سينمائي سرد عليها الأحداث منذ بدايتها ، منذ ظهور الرأس الشيطانية وحتى منزل أم صابر ، وحادثة القطار التي كانت في نهاية الكابوس فأيقظته من غيبوبته . شقشق الفجر ورأسه لا تزال فوق صدرها تستمع إليه بكل اهتمام ، قالت والابتسامة الوديعة المتسامحة لا تزال فوق شفتيها :
_ الرأس الشيطانية وكل تبعاتها التي رأيتها في الكابوس هي جميع أعمالك الشريرة التي ارتكبتها طوال حياتك وحتى فعلتك الأخيرة ، أما العسيلي فهو رمز يتأرجح بين الشر والخير ، فهو الذي جذبك نحو جلسات الكيف ، وهو أيضاً الذي رأيته في الحلم أو الكابوس يحاول أن يحميك من الرأس الشيطانية التي ترمز للشر بداخلك ، والرأس الشيطانية التي على كتفه قد تكون رمزاً إلى الطريق الذي سلكته أمه لإنجابه وقد تكون قصته التي رواها لك خلال الكابوس حقيقية وأن أمه لجأت إلى الشعوذة والدجل للإنجاب .
قال وهو يدفن رأسه في صدرها وماذا عن أم صابر :
ضحكت قائلة :
_ أنها الضمير الذي يحاول أن يوقظك لتبتعد عن الشر ومع ضحكة أردفت وعن خيانتي .
قال وهو يغيب معها في قبلة طويلة :
_ أؤكد لك أن " أم صابر " نجحت ، وما أشعر به الآن هو خير العالم كله وقد تجسد فيك أنت وأنت ستزرعيه بداخلي .
تمت؛
حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤلف ؛