أخبار عاجلة
السيطرة عل حريق شقة فى إمبابة دون إصابات -

حسنى حنا يكتب: مدينة صافيتا.. البرج الأبيض وملامح تاريخية (2)

حسنى حنا يكتب: مدينة صافيتا.. البرج الأبيض وملامح تاريخية (2)
حسنى حنا يكتب: مدينة صافيتا.. البرج الأبيض وملامح تاريخية (2)

"صافيتا.. أيها المتعرشة في روحي ودمي".

 

لمدينة صافيتا الرائعة موقع فريد، ترتفع عن سطح البحر القريب 380 متراً. تحيط بها تلال مكسوة بالخضرة والأشجار المثمرة، وتطل على عدة قمم جبلية، منها جبل متى ذو الينابيع، التي يزيد عددها، على 300 نبع من الماء العذب.

 

قلعة صافيتا في التاريخ

تتألف قلعة صافيتا، التي تتوسط المدينة، من البرج الأبيض، والأسوار القوية التي تحيط به، وما عليها من أبراج دفاعية. وسور القلعة هو عبارة عن سور مزدوج خاجي وداخلي.. الأول منهما بيضوي الشكل شبه كامل. فلا عجب والحالة هذه أن يكتشف الزائر، اثناء تجواله في شوارع المدينة، بعض معالم الفن الهندسي الحربي في العصور الوسطى.. بقايا أبراج دفاعية، وجدران الأسوار المائلة أو المنحدرة، والصالات المقببة، التي يمكن مشاهدتها في الجهة الشرقية. ومايبقى منها يدل على عظمتها وأهميتها!..

والتاريخ القديم لهذه القلعة غامض، ويرجح أنه كانت تقوم فيه قلعة كنعانية/ فينيقية تابعة لمملكة أرواد، وربما كانت هناك قلعة بيزنطية اندثرت، وقام البرج الحالي على أنقاضها!..

ويشير توماس لورنس في كتابه (القلاع الصليبية في الساحل السوري) الى أن التاريخ المحتمل، لبناء برج صافيتا، هو عام (1140) لكنه لم يذكر المراجع التي استند إليها، في تحديد هذا التاريخ. وهنا يمكننا القول أن برج صافيتا بشكله الحالي، يعود الى مابين عامي ( 1202 -  1218) ومنذ ذلك الحين. لم تحدث فيه أية تغييرات تذكر.

وقد ورد ذكر هذه القلعة لأول مرة في المراجع العربية، عندما احتلها أتابك حلب نور الدين زنكي ( 1166 -  1167) ولكن سرعان ما استرد الفرنج صافيتا، التي انتقلت الى عهدة جماعة الفرسان الهيكليين (الداوية) الأشداء. الذين جددوا في القلعة، بعد الهزة الارضية، التي حدثت في عام (1170) وقد تسبب هجوم آخر شنه نور الدين عام (1171) في تخريب أجزاء من القلعة مجدداً. لكنه لم يستطع الاستيلاء عليها. وفي عام (1172) استطاع أن يستولي على البرج بالقوة، وذلك في عهد (ريمون الثالث كونت طرابلس) الذي كانت قلعة صافيتا تابعه له.

استرد الفرنج القلعة، التي تعرضت لهجوم جديد صلاح الدين الايوبي في عام (1188) لكنها قاومت هذا الحصار بنجاح. وكانت قد خضعت لترميم وتجديد مكثف جعلها أقوى وأفضل، وفي عام (1202) تعرضت لزلزال كبير شمل مناطق واسعة في الشرق الأوسط.

وفي عام (1218) شن الملك الأشرف سلطان حلب هجوماً مضللاً على القلعة، لارهاق مؤخرة الجيش الفرنجي الخامس، الذي كان في تلك الفترة، يحاصر مدينة دمياط بمصر.. وهكذا بقي برج صافيتا، بين أخذ ورد من جديد!..

وفي عام (1271) سقطت القلعة بيد السلطان المملوكي بيبرس، وقد انطلق منها شرقاً لمحاصرة قلعة الحن الضخمة. وقد بقيت قلعة صافيتا بحالة جيدة حتى نهاية القرن التاسع عشر، حيث تم تشكيل العديد من الأبنية داخل أسوارها، وحول برجها، في مجرى توسيع المدينة، وفي عام (1933) خضع البرج للترميم، زمن الانتداب الفرنسي على سوريا.

ومن الجدير بالذكر أن كنيسة برج صافيتا، لم تحول الى مسجد في يوم من الأيام!

 

قلاع تابعة لصافيتا

هناك عدة قلاع جنوب وغرب صافيتا، تعود لعهد الفرنج (1097  -  1219).

 

قلعة العريمة (أريما)

تبعد قلعة العريمة مسافة (15) كيلومتراً، الى الجنوب الغربي من صافيتا. وقد كانت نقطة متقدمة للبرج الأبيض وقلعة الحصن. وقد آلت اليوم الى خرائب. ولم يبق من تحصيناتها، سوى برجين، أكلتهما الأعشاب البرية، يذكراننا بالمعارك التي جرت هنا، في القرنين الثاني عشر والثالث عشر.

سقط هذا الموقع في عام (1149) أثناء حملة نور الدين المفاجئة، وأسر سيد المكان (برتران دي تولوز) وأخته. وكانت هذه الأسيرة، على قدر كبير من الجمال، ففتن بها نور الدين وتزوجها، وأنجبت له طفلاً. لكن الفرسان الهيكليين استرجعوا القلعة، قبل ان يتم إجلاء الفرنج نهائياً في عام (1271).

تربض هذه القلعة فوق جرف، يتاخم السهل العريض، الذي يجتازه النهر الكبير. وهي تتحكم في وادي النهر الأبرش. وقد كانت الى جانب أخواتها. جزءاً من منظومة تحصينات الفرنج في الساحل السوري.

ومن معاينة الموقع يتبين لنا. أن هذه القلعة قد شيدت فوق موقع لمستوطنة سابقة. وهي مكونة من قسمين وتفصلها عن باقي أرباضها قناة عميقة. وبالقرب من مركز القاعة العلوية، ينتصب قصر مستطيل الشكل ذو ابراج.

 

قلعة يحمور

تقع الى الجنوب الغربي من صافيتا. وهي تعتبر حصناً عادياً، لكن برجها المنتصب على ارتفاع (15) متراً، وسط سور يبلغ طول كل من جوانبه (34) متراً مازال جميلاً!..

وقد دلت الحفريات الأثرية على أن هذا الموقع كان مأهولاً في الأزمنة الغابرة. مر بها صلاح الدين الأيوبي أثناء حملته على الساحل السوري في صيف عام (1188) وقد احتلها جيش السلطان المملوكي قلاوون عام (1289).

إن قلعة يحمور أو القلعة الحمراء، التي كانت في الأصل جزءاً من خط دفاعي متناسق للفرنج في الساحل السوري، قد تبدل شكلها في العهد العربي باضافة برجين الى السور الخارجي.

 

قلعة المحوش

تبعد عن صافيتا قرابة سبعة كيلومترات، وهي تقع على هضبة مرتفعة تشرف على ما حولها، وهي تتصل بخط نظر، مع برج صافيتا وقلعة الحصن. ومازالت الآثار المسيحية والصلبان موجودة فيها، وقد استعاد الفرنج هذه القلعة بعد استيلاء صلاح الدين عليها عام (1188) وبقيت بأيديهم قرابة مائة عام أخرى، حتى استولى عليها الظاهر بيبرس عام (1226).

 

الأحداث اللاحقة

مصادر البحث عن تاريخ صافيتا، وبرجها الثري، منذ نهاية حروب الفرنج وقيام حكم المماليك والحكم العثماني، ليست متوفرة. بل ونادرة أيضاً. ولعل أكثر تلك المصادر جدية، كانت ولاتزال تقارير الأجانب، من رحالين وباحثين وقناصل ومغامرين وغيرهم. ومعظم ماكتبه هؤلاء موجود فعلاً في مكتبات وأرشيف الدول الأوروبية. وغالبيته غير مترجم الى اللغة العربية. وتلك الكتابات تشكل مصادر تاريخية هامة. إذا أردنا تتبع تاريخ سوريا وتاريخ منطقة الساحل السوري تحديداً في تلك الأزمنة.

هي ليست تاريخاً بالمعنى العلمي المعروف. لكن يمكن أن نطلق عليها اسم (مدونات) ومنها:

-بين عامي (1640 -  1840) حكمت عائلة شمسين، منطقة صافيتا والدريكيش. وقد زادت سلطتهم بعد ضعف سلطة الرسالنة (آل رسلان) في عام (1832) وقد نال آل شمسين محبة الناس واحترامهم.

-في سنة (1649) زار البطريرك مكاريوس زعيم منطقة صافيتا، وهو في طريقه الى لبنان، كما زار دير مارجرجس وبلدة رباح. وآل الزعيم كانوا كلهم مسيحيين من أصل يوناني عاشوا في مدينة حماه. واليوم هم مسلمون، ومنهم الزعيم حسني الزعيم، قائد اول انقلاب عسكري في سوريا عام (1949).

-في مطلع الثلث الثالث من القرن التاسع عشر. زار صافيتا الرحالة الألماني بوركهارت. ووصفها بأنها عاصمة بلاد النصيرية (العلويين) ويصف صافيتا بأنها تقع على طرف جبال النصيرية. وفيها قلعة قديمة هي برج مار ميخائيل.

-في عام (1837) قامت ثورة نصيرية ضد حكم إبراهيم باشا المصري بتشجيع من الأتراك العثمانيين.

-في عام (1858) رفض أهل صافيتا دفع الضرائب للدولة العثمانية وفي هذا العام قتل اسماعيل خير بك، الذي كان متسلماً على صافيتا ومنطقتها. وهو الذي بنى دار الحكومة في الدريكيش (1854) إذ لما رأت الدولة العثمانية تعاظم نفوذه حاربته. وشاركت البحرية العثمانية غي تضييق الحصار عليه. وقد أشارت أحدى الرسائل القنصلية الى ان المسيحيين كانوا يمدحونه. والظاهر أنه كان يحسن إدارة مقاطعته.

-في عام (1865) تأسست مدرسة للمبشرين البروتستانت الأمريكيين في صافيتا.

-في عام (1870) ثورة نصيرية جديدة ضد الحكم العثماني.

-في عام (1883) تم افتتاح الطريق بين مدينتي حمص وطرابلس. وقد بدأ (الديليجنس) خدمته بين المدينتين عام (1884) حتى عام (1911) وقد كانت الطريق تمر جنوب صافيتا.

-في عام (1896) توفي هواش اسماعيل خير بك من زعماء النصيرية، منفياً في جزيرة (رودس) اليونانية، ومن المؤكد أنه حاول الاستعانة في ثورته بالفرنسيين والانكليز، عن طريق قناصلهم ولكن دون جدوى.

وقد رثاه الشيخ سليمان الأحمد بعدد من القصائد، ومن إحداها:

كيف السبيل الى اللقاء ودونه.. بحر طويل وافر ومديد

لله رودس بقعة أزهارها.. بيض الدراري والبدور خدود

إني لأبخل بالدموع لذكرها.. وبمهجتي منها يشب وقود!.

 

الخوري ابراهيم (1835  -  1892)

في مدينة صافيتا ضريح لرجل جليل، هو الخوري ابراهيم، الذي يشاع أن حياته قد اقترنت بمعجزات وضريحه مشهور، يقصده الزوار من كل مكان.. اسم كبير احترام الناس له اكبر، وتقديرهم له أعظم. اسمه باق عبر الزمن، مهما بقي الزمن. دعا الى التسامح وبشر به فى أقواله وفي أفعاله، مؤمناً بأن الله محبة ورحمة وسلام. وهذه هي أسس الفضائل لدى المسيحيين.

صار كاهناً بدلاً من أبيه في عام (1835) ويروى أنه باسم الله شفى مرضى كثيرين، وأتى بعجائب كثيرة. وقد كانت وفاته يوم 29 آب/ اغسطس (1892).

الشيخ خليل النميلي

في أواخر القرن الثامن عشر، واوائل القرن التاسع عشر. نبغ في منطقة صافيتا الشيخ خليل النميلي، كرجل متنور قاوم العثمانيين، وكانت له علاقات حسنة مع آل الحداد في صافيتا (بشور وجبور وحنا) أجداد العائلات الثلاث الكبرى المعروفة الآن فى صافيتا.

عائلات صافيتا

بعد خروج الفرنج، ظلت صافيتا مهجورة لفترة من الزمن. لكن مالبثت عائلات عديدة أن قدمت إليها واستوطنت فيها ومنهم (آل شمسين) وقد ورد ذكرهم سابقاً و (آل عبيد: أتوا من تدمر ومنهم عائلات هزيم وخنيجر) وكلمة عبيد أو عبيدو آراميه تعني (المعماري). و (آل عيسي: من قبرص) و (ضومط ونادر: من الدغلة قرب قلعة الحصن).

-في مطلع عام (1705) قدم ديب بشارة الحداد، وأصل العائلة من منطقة حوران في جنوب سوريا وعائلته الى مدينة صافيتا وكان يسكن في قرية (بهرمين) بين بلدة بملكة ونهر الاسماعيلية في منطقة طرطوس الساحلية، وذلك بسبب هجوم الاسماعيلية على قرى المسيحيين. وكان لديه ثلاثة اولاد هم (بشور – جبور – جنا) وهم أجداد العائلات الثلاث الكبرى في صافيتا اليوم. وتتبعهم عائلتا (مقدسي ومخول).

و(عائلة طيار: أتت من لبنان 1810) و (عائلة بيطار: من قرية عين الدهب 1835) و (آل الهواش: من قرية اللقبة قرب مصياف) و (آل شباط وربيع ونحاس أتت من حمص) و( عائلتا أبو ديب والقحط من قبرص) و (عائلة الصائغ من حماه، وأصل اسم العائلة سابا) و (آل تيموني من الجويخات) و (مرعوش من قرية المندرة).

 

الحالة الثقافية والاجتماعية

يبلغ عدد سكان مدينة صافيتا اليوم قرابة خمسين الف نسمة وقد شهدت هذه المدينة. منذ فجر الاستقلال عام (1946) تطورات كثيرة وهامة في سائر المجالات. وقد قرع أبناؤها اجراس الحضارة في مدينتهم وفي سوريا، والعديد من بلدان العالم. ويندر أن تجد أسرة في صافيتا الا ومنها مغترب أو أكثر خاصة في دول أوروبا وأمريكا واستراليا وغيرها ومنهم علماء وأطباء وحقوقيون ورجال أعمال وسياسيون مرموقون وغيرهم.

وأهالي صافيتا منفتحون على أبناء وطنهم، يؤمنون بالمحبة والعيش المشترك ويستحق هذا ان يكون مثلاً يحتذى في كافة أنحاء سوريا والبلدان العربية وقد بقيت صافيتا خارج دائرة الحرب الأهلية التي وقعت في سوريا، في السنوات الأخيرة.