عماد جاد يكتب: المـكـانـــة والـــــدور

عماد جاد يكتب: المـكـانـــة والـــــدور
عماد جاد يكتب: المـكـانـــة والـــــدور

فى الوقت الذى كان الرئيس عبدالفتاح السيسى متوجهاً فيه إلى نيويورك للمشاركة فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كانت مصر تستضيف وفدين من حركتى فتح وحماس، وتُجرى بينهما مفاوضات غير مباشرة لإنهاء الانقسام الفلسطينى، وترتيب الأوضاع للمصالحة بينهما وتوحيد الموقف الفلسطينى، تمهيداً لاستئناف مفاوضات التسوية السياسية مع إسرائيل، وفى التوقيت نفسه أيضاً استضافت مصر ممثلين عن الكتل العسكرية فى ليبيا من أجل توحيد الجيش الليبى، وتشكيل قوات مسلحة ليبية تكون بمثابة الجيش الوطنى للبلاد. فى تقديرى أن هذه المفاوضات والاجتماعات التى جرت على الأراضى المصرية إنما تعكس بوضوح استعادة مصر مكانتها وعودتها لممارسة دورها كأكبر دولة عربية وكقوة إقليمية رئيسية، فقد انتهت سنوات التراجع فى المكانة والدور، واستعادت مصر عافيتها بعد أن مرت بسنوات من تراجع المكانة والدور فى عهد «مبارك»، وباتت مجرد تابع للولايات المتحدة فى المنطقة، وجرى الترتيب لبيع مكانة مصر ودورها مقابل مباركة الولايات المتحدة سيناريو التوريث، وجاءت بعدها سنوات التقهقر والتراجع الشديد بفعل ما جرى بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، حيث غرقت مصر فى دوامة من العنف والصراع دفعتها إلى التقوقع والتراجع وتعرّضت لعبث قوى إقليمية وقزمية، تعرّضت لمؤامرات الثعالب، كبيرها وصغيرها، تلك الثعالب مثل تركيا وقطر، عبثت فى كروم مصر، واستغلت سنة حكم المرشد والجماعة، لتحصل على أدق الأسرار التى تتعلق بالأمن القومى المصرى، فقد سرّب «مرسى» ما كان موجوداً فى خزينة رئاسة الجمهورية من خطط تسلح مستقبلية وغيرها من دقائق الأمن القومى المصرى، فقد سرّبها «مرسى» إلى قطر، ومنها أخذت طريقها إلى تركيا، وربما إسرائيل. كان ثمن القضاء على المؤامرة باهظاً، وبعد أربع سنوات من ثورة 30 يونيو عادت مصر لممارسة دور القوة الإقليمية الرئيسية، استعادت مكانتها وعادت لممارسة دورها الإقليمى فى الوقت الذى دخل فيه جميع أطراف المؤامرة على مصر فى مأزق شديد، فتركيا تشهد توترات داخلية وصراعات بين القوى السياسية المختلفة وصلت إلى درجة محاولة انقلاب عسكرى، ودخلت تركيا أيضاً فى أزمات شديدة مع دول الاتحاد الأوروبى، وتكاد تكون أبواب الاتحاد قد أوصدت تماماً فى وجه تركيا، وانتهى حلم دخول الاتحاد الأوروبى. أما قطر فقد تعرّضت لمقاطعة من ثلاث دول خليجية ومصر، وأغلقت سماوات هذه الدول فى وجه الطائرات القطرية، وقطعت كل صلة معها عقاباً لها على دعم الإرهاب والتدخّل فى الشئون الداخلية للدول العربية ودول الجوار الخليجى، ووصل الانقسام إلى داخل الأسرة القطرية الحاكمة مع احتمالات مفتوحة.

خلاصة الأمر أن مصر استعادت مكانتها فى غضون أربع سنوات من ثورة الثلاثين من يونيو، واستعادت دورها الإقليمى، ويتبقى أن تحقق تنمية اقتصادية حقيقية حتى تستغنى عن المساعدات الخارجية، وتتحرّر من أى ضغوط مرتبطة بالحصول على هذه المساعدات.

 

علاقاتنا بواشنطن

من بين الرؤساء الذين قرر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عقد لقاء معهم على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى. اللقاء فى حد ذاته مؤشر على أهمية العلاقات بين البلدين، بصرف النظر عن طبيعتها، فالرئيس الأمريكى الذى تستضيف بلاده مقر الأمم المتحدة منذ تأسيسها يختار لقاء عدد من الرؤساء، والاختيار يتم بناء على أهمية هذه الدولة لبلاده. هذه الأهمية قد تأتى من الندية، مثل عقد لقاءات مع رؤساء قوى عظمى وكبرى كروسيا والصين وألمانيا وغيرها، وقد تكون بسبب أنها دولة إقليمية رئيسية، مثل البرازيل والهند ومصر وتركيا والسعودية، وقد تكون أيضاً بسبب كونها دولة تابعة للولايات المتحدة، وتشارك فى تنفيذ السياسة الأمريكية فى منطقتها، ويأتى هذا اللقاء الأول بين الرئيسين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى إطار تحول جارٍ فى العلاقات المصرية الأمريكية من دولة تنتمى للطائفة الثالثة من الدول، حيث كان يجرى اللقاء فى السابق، وقبل 2011، باعتباره لقاءً بين القوة العظمى الأولى فى العالم، وبين دولة إقليمية تراجع دورها الإقليمى كثيراً، وتخندقت فى موقع أقرب إلى موقع الحليف التابع للولايات المتحدة الأمريكية، تحصل مصر منها على مساعدات ومعونات مقابل سير مصر فى طريق التبعية للولايات المتحدة، فعلى مدار الأعوام القليلة الماضية، وتحديداً منذ ثورة الثلاثين من يونيو، وفى عهد إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، توترت علاقات البلدين، واتخذت الإدارة السابقة مواقف عدائية من ثورة المصريين وبدأت فى اتخاذ إجراءات سلبية، مثل وقف الإمداد بالمعدات وقطع الغيار، التحفظ على أسلحة مصرية كان مقرراً تسليمها أو على طائرات هليكوبتر من طراز أباتشى كانت فى رحلة صيانة، ومع رحيل إدارة أوباما ومجىء إدارة ترامب، حدث تفاؤل شديد فى مصر بنهاية مرحلة التوتر، وبدء مرحلة جديدة من العلاقات الإيجابية بين البلدين، وهو الأمر الذى يراه البعض لم يتحقق بسبب استمرار بعض الإجراءات السلبية الأمريكية تجاه مصر، ومنها خفض متكرر فى حجم المعونة الاقتصادية، بل هناك من اتهم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب باتباع سياسات معادية لمصر، واتهم السياسيين والكتاب والمحللين الذين بشروا بتحسن العلاقات مع الإدارة الأمريكية الجديدة، والحقيقة أن من يتبنى مثل هذه الرؤى يفتقد للقدرة على القراءة الشاملة لملف العلاقات بين البلدين والإلمام بطبيعة الدولة الأمريكية والعلاقة بين المؤسسات وأدوارها المختلفة، فمن ناحية، لا بد من إدراك أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات، وأن لكل مؤسسة دورها الذى لا يمكن أن تطغى عليه المؤسسة الأخرى، ومن ثم فللكونجرس دور مهم فى اعتماد المساعدات الخارجية والسجال حولها، وتبنى مواقف مختلفة عن الإدارة، ومن ناحية ثانية، فإن مصر، ومنذ ثورة الثلاثين من يونيو، التى أطاحت فى حد ذاتها بالمشروع الأمريكى للمنطقة، اتجهت إلى تنويع علاقاتها الخارجية وإلى تنويع مصادر السلاح من الشرق والغرب، وتباينت الرؤى تجاه المشاكل والأزمات الإقليمية، فكان قرار المؤسسات الأمريكية باتخاذ بعض الإجراءات السلبية تجاه مصر، كما أننا مسئولون عن ارتكاب بعض الأخطاء التى أضعفت من موقف الإدارة فى الدفاع عن العلاقات والمساعدات المقدمة لمصر، مثل البند الوارد فى قانون الجمعيات الأهلية بخصم 1% من قيمة المساعدات المقدمة للجمعيات وتقديمها لجمعيات أخرى، وهو أمر يخالف القانون الأمريكى، الذى ينص على عدم جواز فرض رسوم أو ضرائب على هذه المساعدات، وهو ما أبلغنا به كوفد من مجلس النواب من قبل القسم المسئول عن مصر فى الخارجية الأمريكية فى شهر يونيو الماضى. باختصار، علاقاتنا مع واشنطن مهمة للغاية وأخطر من أن تترك للإعلام كى يخوض فيها عن عدم دراية، فاتركوا الملف للرئاسة والخارجية تديره على النحو الذى يحقق مصالح البلاد، فلا مصلحة لنا فى توتير العلاقات مع واشنطن، بل فى الحفاظ عليها وتطويرها دون المساس باستقلالية القرار وتحريره من ناحية، والحفاظ على مصالح مصر العليا من ناحية ثانية.