أثناء مرورنا بالسيارة في المدينة في جولة سريعة محطتها الأولى :فرشة الجرائد ثم شراء جريدة الأهرام و بعض الصحف والمجلات الأخرى، وخاصة، الهلال، وأدب ونقد ،والعربي الكويتي إذا ساعدتني ظروفي المالية المتعسرة دوماً، فهذه عادة أمارسها وسأظل أفعل ذلك: في كل مأمورية أو مدينة أذهب إليها أثناء فترة التجنيد، ابحث أولا عن مكان فرشة الجرائد قبل القيام بأي شيء آخر ،ثم جولة بعد ذلك على المطاعم المتراصة في؛ استواء تتصدر واجهة مدينة التل الكبير, حتى بدت لمن يتجول بها ،وكأن: أهلها ليس لديهم نشاط أخر أو مهنة غير اعداد الطعام للغرباء وأكثرهم من الجنود... كنت أحس بجوع شديد و يشاركني زميلي هذا الإحساس أيضا.
وعلي مقربة: من مقابر الإنجليز الذين قضوا؛ في حربهم مع أحمد عرابي أثناء ثورته عليهم ,ومن قبلهم على السلطة والقصر متمثلة: في الخديوي توفيق، في نهايات القرن التاسع عشر ،أوقفت السيارة بجوار تلك المقابر...... ثم دخلنا مطعمًا جذبتني له؛ طريقة عرض الطعام: بأنواعه من البطاطس والطعمية والباذنجان المقلي، وبقية الأنواع ، فطريقة العرض؛ هي ما دعتني لاختياره دون غيره, ولم لا وفي النفس شهوة ورغبة في الطعام ,وهناك على أهبة الاستعداد فم يمضغ, وضرس يطحن ,ومعدة تهضم وعافية في الأبدان ,وأحلام الشباب بطول الدنيا وعرضها.
دخلت المطعم أنا وطارق الذي أتمنى أن أتذكر بقية اسمه وضع أمامنا الطعام و بدأنا في تناوله ،لم تمر إلا فترة قصيرة ،ثم صخب و جلبة، وضوضاء مصدر كل ذلك الشارع ,يبدو، أن هناك مشكلة أو حدث غير عادى اتضح أن كل ذلك سببه: حملة شرطة عسكرية تفتش على الجنود المخالفين, وأنا وطارق؛ أوراقنا ، و كارنيهاتنا في السيارة التي تقف على مسافة من المطعم، وبدأت الإشارة من الشرطة نحونا تطلب منا الخروج إليهم من المطعم لأنه ممنوع تفتيش الشرطة العسكرية لنا إلا في الشارع .
توقفت حركة المضغ والبلع معنا و أقفهرت وجوهنا وبدا علينا الخوف .. لاحظت ذلك صاحبة المطعم فتركت مكتبها واتجهت إلينا ،ثم سألتني ماذا بكما ؟؟ وأخبرتها بأن أوراقنا بالسيارة وأنا وزميلي ونحن في هذه الحالة: مخالفين ومعرضين للقبض علينا , وشعرت صاحبة المطعم بحرج شديد ,بعد أن طلب أفراد الشرطة أن نخرج إليهم مرة أخرى من: المطعم قبل أن نطلب منها أنا وطارق حمايتنا : الشرطة مصرة الوقوف على سر موقفنا ؟، فرفضت صاحبة المطعم ب بشدة ومشاعر أمومة قبل أن تكون صاحبة محل, واخبرت الشرطة بموقفها ، بعد أن شعرت أنها مسؤولة عنا ، و أصبحت عملية القبض علينا تمس سمعتها قبل المطعم، واعتبرت أن في حالة القبض علينا عليها شخصيا , أصرت بثبات :تستمده من إنسانية، بعزيمة لا تلين و حضور وقوة شخصية تتمتع بها .
و بعد شد وجذب بينها وبين الشرطة الذي أخبر قائدها أنها : لن تغادر قبل أن القبض بإصرار من ذي قبل، بعد أن سبهم طارق منفلت اللسان السافل أحيانًا، المحترم نادرا، كانت إشارات من الشرطة لنا بعلامة وضع الكفين علي بعضهما أي: وضع الكلبشات في أيدينا ,ولكن صاحبة المطعم طمأنتنا ،و أكدت أنه لن يحدث أبدًا ،ثم نادت لابنها : عادل شاب في مقتبل العمر الذي يركب موتوسيكلا، دخل به المطعم ،ثم وقف به بجوار المائدة التي كنا نتناول عليها الطعام ، أن التهمنا ما تبقى منه على رغبة والدته، بعد تمنع كاذب مني قبل طارق، قائلة إنه :لا يصح أن نخرج جائعين ركب :طارق خلف عادل, علي الموتوسيكل ،وأنا خلف الاثنين: ثم انطلق ابنها بنا من المطعم إلى الشارع والتي تتساوى أرضيته مع ارتفاع الشارع تماما ، في لقطة: تشبه كثيرًا الأفلام الأمريكية مقلدا توم كروز ،صرخ فيها كاوتش الموتوسيكل صرخة خلفت رائحة الحريق في الأنوف، ثم إلي: فضاء الله الواسع والشرطة خلفنا تطاردنا بسيارتها .
عادل كان يقود الموتوسيكل فرحا بالمغامرة وخاصة أن والدته من طلبت منه، كان يصرخ من شدة الفرح، محمسا نفسه بأصوات: يطلقها من داخله تحملها الرياح لتتلاشى في الأثير، و تسابق سرعة انطلاقنا و هو لا يكف عن القيام والجلوس ؛على الموتوسيكل ؛ يميل بنا يمينا ويسارا ,وطارق يشجعه على مزيد من الجنون ، و يلوح بأصابع يديه للشرطة بإشارات بذيئة ويتفل عليهم، و يسبهم وهم يبادلونه بعض ما يفعل، وهما يحاولون اللحاق بنا، ولكن سرعة الموتوسيكل" الهوندا الياباني أل 200 "الأزرق: حسمت عملية المطاردة لصالحنا، ثم شكرنا بعد أن تنفسنا الصعداء: عادل ابن صاحبة المطعم ، وطارق يرفع يديه للسماء حمدًا وشكرًا لله ، ولكن تبين من دعاء طارق أنه كان يحمد الله، ليس لسبب :نجاتنا وفرارنا من الشرطة, ولكن بسبب أن صاحبة المطعم لم تأخذ ثـمن وجبتنا والتي لم نكن نملك غيرها ، وسنتناول بثمنها وجبة العشاء وتذكرت فعلاً أننا لم ندفع الحساب.

