طوفان ترامب اطاح بطوفان حماس من خلال التكتيك الإيراني في 7 أكتوبر الذي تحول إلى هزيمة استراتيجية والان حانت اللحظة التي أصبح فيها التماسك العربي الفلسطيني بالثوابت حتمي لمواجهة مشروع ترامب :
جاءت حماس بغزوة طوفان الأقصى لتنهي الانتصار التكتيكي لإيران بهزيمة استراتيجية"أصبحت إيران نفسها الآن أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى، وأصبح هدفها الأكثر أهمية هو الحفاظ على نظامها".
اما المنطقة العربية فدخلت في طوفان ( دونالد ترامب ) بعدما أدخلتها إيران عبر حركة "حماس" في عواقب "طوفان الأقصى " وطوفانها الثاني يبدو أدهى وأخطر. ربما لم يدر في خلد إيران عندما سلحت وحرضت "حماس" وبقية المنظمات التي أسستها وسلحتها ومولتها تحت عنوان مواجهة إسرائيل , أن يلجأ بعضها إلى شن حربه الخاصة، بحسب توقيته الخاص، مثلما فعلت "حماس" يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لكنها بالتأكيد كانت على دراية تامة بأن أمراً كهذا سيحصل.
في الأشهر السابقة على "طوفان الأقصى" كانت طهران تلح على إنجاز نظرية "وحدة الساحات" في إطار ما يسمى "محور المقاومة"، وعملت بدأب على وضع هذه النظرية موضع التطبيق العملي، عبر تكليف حسن نصرالله الأمين العام السابق لـ"حزب الله" الذي اغتالته إسرائيل، مهمة التنظير للساحات الموحدة وجمع أطرافها في بيروت وتحديد أهدافها التي في مقدمها تحرير القدس والصلاة فيها.
أدار المرشد الإيراني علي خامنئي عملية إحكام الطوق حول إسرائيل في ما يشبه "حلقة النار" بحسب تسمية المسؤولين الإسرائيليين، ولم يخف المحيطون به أن استكمال هذا الطوق يتضمن دفع الضفة الغربية إلى الانتفاضة على الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الوطنية في آن واحد، وصولاً إلى بناء توازن ردع شامل بين طهران وتل أبيب عبر المنظمات الحليفة، هذا التوازن كانت إيران اعتقدت أنها أنجزت قسماً منه بتسليحها وتمويلها ميليشيات "حزب الله" في لبنان، وبقي استكماله مشروطاً بالإمساك بالوضع الفلسطيني، وتحريك الأوضاع في الأردن، خصوصاً أن القاعدة السورية كانت متوافرة مع الوجود الإيراني الكثيف في سوريا تحت شعار دعم نظام بشار الأسد.
* تفوق عسكري اسرائيلي ساحق :
نسف "طوفان الأقصى" الاستراتيجية الإيرانية من أساسها !!
وفي سنة الانتخابات الأميركية الحاسمة، انصرفت إسرائيل إلى خوض حرب إبادة وتهجير وتدمير في غزة، ألحقتها بعد أشهر بحرب "اجتثاث" لـ"حزب الله" أجبرته في نهاية أكتوبر الماضي على توقيع اتفاق أشبه بالاستسلام أمام الآلة الحربية الإسرائيلية. انتهت عملية "المحور الإيراني" في غزة ولبنان إلى تفوق عسكري إسرائيلي كاسح ظهرت نتائجه في غزة ولبنان وامتدت آثاره إلى سوريا مع إسقاط نظام الأسد وطرد القوات الإيرانية منها، لكن النتائج لم تقف عند هذا الحد. فالطوفان الذي أرادت منه إيران تغيير وجه المنطقة تحقيقاً لمصالحها وتوازناتها، أسفر عن استباحة إسرائيلية شاملة مهدت لطوفان آخر يقوده دونالد ترمب، بدأت معالمه بالظهور منذ اليوم الأول لتسلمه مهامه في البيت الأبيض.
* ترامب قد يكون مجنوناً أو يستخدم "نظرية الرجل المجنون" كتكتيك سياسي :
كما فعل الرئيس نيكسون سابقاً. على رغم نجاحها موقتاً، فإن هذه الإستراتيجية غير مستدامة، كما أظهر التاريخ مع سياسيين آخرين.
أعلن ترامب عن رغبته في الاستيلاء على 141 ميلاً مربعاً (365 كلم مربعاً) التي يشكلها قطاع غزة، وتحويلها إلى ما يشبه ريفييرا شرق أوسطية، ومما لا شك فيه أنه سيكون للمنطقة فنادق وملاعب غولف تعود لمجموعة ترمب. في نظر الأخير، هذه الأرض ليست أكثر من مربع في لعبة مونوبولي الجيوسياسية، وسيكون العالم أفضل حالاً لو كانت مجرد نسخة من فلوريدا. واعلن بكل هيمنه وثقه عن تهجير اهل غزة قصريا الي مصر والاردن ..بمعنى تطهير عرقي واحتلال ارض سيناء وانهاء القضية الفلسطينيه للابد بتفريغ القطاع من سكانه..
قد يكون من المغري الافتراض أن مثل تلك السياسات هي من إنتاج رجل مجنون أو نتيجة هلوسة ساذجة لعقل منحرف حقاً لا يدرك الواقع ولا يملك القدرة على التعامل مع الأمور المعقدة . ولكن ماذا لو لم يكن الرئيس الأميركي فاقداً عقله فعلياً بل يلعب دور المجنون؟ !! هل يمكن أن يكون دونالد ترامب ببساطة يتبنى شخصية الرجل المجنون كنوع من التكتيك السياسي المريب لخداع الآخرين؟
إذا كانت الحال كتلك فعلاً، فإن ترامب لن يكون بالتأكيد أول زعيم عالمي يلعب هذا الدور الذي لديه مسمى جاذب وهو نظرية الرجل المجنون the madman theory. جوهر النظرية بسيط: تَبنَّ مواقف جنونية وخطرة، وربما حتى مدمرة لنفسك، وسيرضخ خصومك لمطالبك خوفاً من أن تجرهم معك إلى الهاوية.
* الرئيس ريتشارد نيكسون ونظرية محاكاة الرجل المجنون :
إن الشخصية التي كانت الأكثر ارتباطاً بتلك النظرية بشكل مباشر هو الرئيس الـ37 للولايات المتحدة الأميركية، ريتشارد نيكسون. وربما كان نيكسون نفسه مسؤولاً عن تسمية النظرية تلك، إذ شرحها مرة لرئيس أركانه، بوب هالدمان، في سياق محاولاته دفع الفيتناميين الشماليين إلى الموافقة على إنهاء حرب فيتنام.
ويروي هالدمان عن نيكسون قوله "أُسمّيها ( نظرية الرجل المجنون ) يا بوب، أريد أن يعتقد الفيتناميون الشماليون أنني بلغتُ مرحلة قد أُقدم فيها على أي شيء لإنهاء الحرب. سنكتفي بتسريب كلام لهم مفاده، ’بالله عليكم، أنتم تعلمون أن الرئيس نيكسون مهووس [محاربة] بالشيوعية. لا يمكننا كبح جماحه عندما يكون غاضباً كذلك فإن الزر النووي في متناول يديه‘، وعندها سترون [الزعيم الفيتنامي الشمالي] هو تشي منه نفسه في باريس خلال يومين مستجدياً التوصل إلى السلام".
عام 2015، ظهرت وثائق كشفت أن مستشار الأمن القومي للرئيس نيكسون، هنري كيسنجر كان أيضاً منخرطاً في اللعبة. وتظهر مذكرة تعود لعام 1972، أن كيسنجر أوضح لمسؤول في وزارة الدفاع في تلك المرحلة، يدعى غاردينر تاكر، أن إستراتيجية الرئيس نيكسون كانت تهدف إلى دفع "الجانب الآخر إلى الاعتقاد أننا قد نكون مجانين، ونذهب إلى أبعد من ذلك بكثير"، وكان المقصود أن الرئيس نيكسون قد يلجأ إلى إلقاء القنبلة [النووية].
والسؤال البديهي هنا، هل نجحت خطة نيكسون في لعب دور المجنون النووي؟ باختصار، لم تنجح، لأن حرب فيتنام استمرت حتى إلى ما بعد فترة طويلة من رئاسة نيكسون، إذ لم تنته حتى عام 1975.
* على رغم أن الفيلسوف والمنظر السياسي العظيم من القرن الـ16، ( نيكولو مكيافيلي ) ، قد قال إن "محاكاة الجنون أمر حكيم في بعض الأحيان"، لكن وكما استنتج نيكسون فالمشكلة مع نظرية الرجل المجنون هي أنها ليست فعالة للغاية.
* هتلر ونظرية الرجل المجنون ونجاحها لوقت قصير :
وعلى رغم لكن ما حصده جنون هتلر على المدى القصير هو حال من الخوف وعدم اليقين التي استطاع استغلالها. لكن، على المدى الطويل، هناك أخطار لأي كان من يحذو حذوه – وصدقاً، من يجرؤ على ذلك؟ إذا كانت تصرفات القائد متقلبة للغاية وخارجة عن السيطرة، فإنه يخاطر بنفر حلفائه، أو زعزعة استقرار حكومته، أو كما في حال هتلر، دفع العالم نحو نزاع مسلح كارثي. تعمد عدم اللعب على أساس القواعد نفسها، وفترة من الزمن، تفوق عليهم وكسب كثيراً من الأراضي من دون إراقة دماء.
* لكن ما حصده جنون هتلر على المدى القصير هو حال من الخوف وعدم اليقين التي استطاع استغلالها. لكن، على المدى الطويل، هناك أخطار لأي كان من يحذو حذوه – وصدقاً، من يجرؤ على ذلك؟ إذا كانت تصرفات القائد متقلبة للغاية وخارجة عن السيطرة، فإنه يخاطر بنفر حلفائه، أو زعزعة استقرار حكومته، أو كما في حال هتلر، دفع العالم نحو نزاع مسلح كارثي.

