يوم اختطف كلبنا بقلم محمد فيض

 
في غبش الصبح المتسلل في تراخي ، اصطدمت أذني بأنين متقطع ، كنت قد هرعت للزير الماء أغب منه بعد عشاء دسم ، امتدت يدي لعارضة الباب الخارجي ، فما إن رفعتها ؛حتى انزلق، يرتجف مفزوعا ، انتابني خوف شديد ، سريعا تمالكت شجاعتي ، في ونس أثارني لونه البديع ، شعر أبيض متموج ، ورأس صغير منمنم ،وذيل قصير ينش في ضعف، مجهدا استقر ينهج أسفل مني  ، لا يزال في عوائه يئن ،ما إن امسكته حتى هدأ، اخرج لسانه الأحمر، مد أنفه يتشمم في هزال ، خرج الوالد من غرفته يتثاءب  في كسل، انفرجت شفتاه مستغربا ، قال في ترحاب :" من أين أتيت به ، إنه جرو ريان احتفظ به يلزمنا"  ، منذ اللحظة أصبح للصغير محضن دافئ يرعاه ،تناوبت الأيدي على إكرامه ،كناسة الطبلية، ولا مانع من نسيرة لحم تمرر خلسة ، اشتد عوده ، يجرح  نباحه سكون الليل ، زاحم الأرجل في جد ،وسابق صغار الماعز ، يفتر ثغر الوالد لرؤياه عن ضحكة حانية ، يمسح ظهره العريض بكف حانية ، يردد ممتنا :" حلال فيه اللقمة " ، وفي فورة أحادث الصغار المشعشعة بالحماس ، يقصون في تعال ، كيف طارد كلبا كبيرا ، أرغمه على الفرار والعودة من حيث أتى ،  عندها ضحكت أمي في نهنهة غام لها وجهها وهي تحمل طبق العدس ، مسحته بعين رحيمة ، ألقيت إليه بما في يدي ، زام الوالد مؤنبا ،قلت في تلجلج :" إنها قطعة من العظم ليس إلا " ، لا غنى للبيت والغيط عنه ،حتى أمي أمنت جانبه ، لم يعد يغريها تحريض جارتنا ؛ بأنه لن يترك دجاجاتها في سلام ،مضت الأيام على هذه الشاكلة ، وفي ليلة سهر قمرها يترقب وصول الفجر ، استيقظت الدار على وقع طرقات يد قاسية ،" محروس " الخفير، رجل شره النظرات غليظ ، طالع الوالد بخبث وقد ضيق عينيه :" لدي إشارة من المركز ،لابد من قتل كلبكم ، لقد سعر" ،هبطت كلمته كالصاعقة ،دقت الوالدة صدرها، هز الوالد رأسه ، ابتلع ريقه ولم يتكلم ، كان هواء الغروب يلوي شعور أشجار الصفصاف ، يغرقها ويخرجها من بطن الترعة ، عندما هبط "بوكس " أزرق ، ثلاثة عساكر بادروا بالسؤال :" أين الكلب ؟" ، امسكوا به ، ظل يناوش داخل الشبكة والقلق يطفو بعينيه ،حملوه على عجل ، حملق أخي الصغير في ذهول وقد عضه الحزن ، توسل كي يطلقوه ، كان الوالد على أشده يكاد الدم ينبثق من وجهه من الغيظ ، زمجر محرك العربة وهي تعرج وفق الجسر، حتى اختفى نباحه ، ذلك المساء لم اقرب الزاد ، انطويت على نفسي ، يتأتى صوت الوالدة على فترات منكسرا؛ أن ينتقم الله من أبناء الحرام ، لم أذق طعم النوم ، أخذ الليل يخطو في عجالة نحو الصباح ، أيقظني أخي الصغير يختنق بالدمع ، يقول :" متى سيعود كلبنا؟" ، أصابني الخرس ،لأعاود التوجع من جديد.