نعيش اليوم حالة من التخبط وازدواجية المعايير مع عالم جديد فرضته علينا العولمة من خلال الشبكة العنكبوتية. بينما يقول المثل: "الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعت"، أصبحنا شعبًا مستهلكين لكل شيء، حتى الوقت. لم يعد للوقت قيمة عندنا، رغم أننا نعرف جيدًا أن هذا الوقت محسوب من عمرنا.
لذا، انقسم البشر إلى فريقين: الفريق الأول هو الذي يقدم المحتوى، سواء كان هذا المحتوى مفيدًا أم هابطًا، ورغم أن الأغلبية العظمى منه هابط، إسفاف وتفاهات تحمل الكثير من المشاهد الجنسية المقززة. أما الفريق الآخر فهو المتلقي لهذا المحتوى السيء، الذي نادرًا ما نجد فيه محتوى جيدًا أو مفيدًا بعيدًا عن المنصات التعليمية، إلا من رحم ربي.
الجدير بالذكر أن معظم البلوجرز واليوتيوبرز أصبحوا مشاهير، ويتباهون بعدد المشاركات والمشاهدات والإعجابات. وبذلك، يكونون في مركز قيادي، و بالتالي يكون لهم دورة القدوة , نعم هؤلاء هم القدوة على الرغم أن أغلبهم من الفاشلين والعاطلين عن العمل. وهؤلاء الأخرين يُسرق ثلاثة أرباع يومهم في متابعة هؤلاء النجوم، حتى وصلوا إلى مرحلة يُقال فيها: "عندما تجد التافهين يسمعون لهم، اعلم أن المجتمع في حالة هبوط وركود".
مشاهد مرعبة تُعرض على هذا التطبيق. ففي كل محتوى جيد، نجد ألف محتوى رخيص ومقزز، منتشر على جميع صفحات السوشيال ميديا. إن "تيك توك" أشبه بطاعون الكوليرا ووباء كورونا، ينتشر عبر الأجواء دون قيود أو حدود تمنع هذه الموبقات. هذا التطبيق الذي يتزايد متابعوه كل يوم بالملايين، ويحقق أرباحًا بالمليارات، حيث يسعى كل من هبّ ودبّ إلى نشر محتوى عليه، أملاً في تحقيق أعلى المشاهدات أو التريند، ليصبح مشهورًا ويجني الأرباح، دون النظر إلى ما يقدّمه.
قد يظهر بعضهم في حالات مرعبة، رغبةً في حصد المشاهدات، وليس هناك دليل دامغ على قيمة المحتوى الذي يُقدَّم على منصات مثل "تيك توك". ورغم ذلك، نجد أنفسنا مشدودين لمتابعته والاستمتاع بما يُعرض، حتى لو كان في كثير من الأحيان بعيدًا عن الحقيقة. فالمنصة تُقدّم محتوى متنوعًا، بعضه مُفبرك أو مُبالغ فيه، فقط ليظهر منشئ المحتوى بمظهر البطل أو الشخص المثير.
نحن نعيش في زمنٍ تسود فيه شغف الاطلاع على تفاصيل حياة الآخرين، حتى لو كانت تلك التفاصيل غير دقيقة أو مجرد قصص خيالية. إننا كأفراد نفقد الكثير من وقتنا في متابعة مقاطع الفيديو التي تحمل طابعًا دراميًا أو كوميديًا، تجذبنا كأنها وسيلة من وسائل التسلية. في بعض الأحيان، نجد أنفسنا في حالة من التوق لقصص مثيرة، مثلما تنتظر الأرض العطشى لمطر السماء.
تكون هذه المقاطع كسيول من المعلومات، بعضها ينتمي إلى عالم الأكاذيب، بينما القليل منها قد يحمل جزءًا من الحقيقة. وعندما يُواجه الشخص الذي تتعلق به القصة، تسكت الألسنة وتُصم الآذان وكأن شيئًا لم يكن. تُعاد نفس الجمل الفارغة: "كنا نتحدث عنك بالخير!"، لتبدأ حلقة جديدة من الشائعات مع بطل آخر.
ثم يتساءل الكثيرون عن ضيق الحال وعبوس الوجه، لكن هل تساءلت يومًا عن الوقت الذي تقضيه في مشاهدة مثل هذه المحتويات الفارغة؟ كم ساعة تقضيها في تصفح المقاطع على "تيك توك" أو في جلسات مع الأصدقاء تناقش ما لا يُقدّم أي فائدة حقيقية؟
إننا نفرض على أنفسنا أن نعيش في عالم من الأوهام، بينما الحياة بحاجة إلى تغيير حقيقي. هناك حاجة ماسة لتحرير النفس من قيود هذه المشاهدة السلبية، فكل ما تُشاهده من محتوى قد يؤثر عليك وعلى طريقة تفكيرك.
الجلوس خلف شاشات الهواتف ومتابعة "تيك توك" يمكن أن يكون نوعًا من الخيانة للوقت. بدلاً من إضاعة اللحظات الثمينة في تفاصيل تافهة، يمكننا استثمارها في تطوير أنفسنا أو استكشاف أشياء جديدة. احرر نفسك من هذه القيود، وابتعد عن محتوى النميمة والمبالغة، واحرص على أن تكون متفاعلًا بشكل إيجابي مع ما يحيط بك.