عند غروب الشمس وهم يلعبون بأكياس الأتربة التي يصنعونها صواريخ ترابية ثم يقذفونها في الجو معبرين عن سعادتهم البدائية التي يستمتعون باللعبة، وهم يجرون وراء بعضهم في زراعات النجيل المختلفة ثم يعودوا ليعبروا البربخ بكل قوتهم فوقع أحدهم فيه ثم توقفوا عن اللعب جميعاً في الحال.. ألتفتوا يميناً ويساراً لم يجدوهُ.. تشتت أفكارهم وهم حائرون في كل الاتجاهات المختلفة ينظرون في نافذة البربخ وجدوا أكوام الظلام المتراكمة متشابكة بالحوائط فصاح أحدهم : أم الشخاليل خدت عبد العاطي ثم سار إلي القرية في عجل وهو يصرخ في الشارع الرئيسِ أم الشخاليل خدت عبد العاطي أفزع الناس بصوته العالٍ يتسألون عم حدث قال أحد المارة وهو منتبهاً : يحتاج إلي فدية كبيرة.. اندهش الواقفون يضربون كف علي كف سرعان ما علم أبوة فيصيح : ولدي ثم أرسل إلي الشيخ عبد الكريم في الحال وهو يحكي له كل التفاصيل التي حدثت لصغيره هز رأسه ناطقاً : أطمئن إنهُ في غرفة الحراس.. ثم وضع الشيخ عبد الكريم البخور المغربي والعنبر في الصحن الفضي ومن حوله الرجال يتمنون أن يتحقق الحلم وأشعل البخور بعودٍ من الثقاب وهو يتمتم بتعويذته الجذابة التي تدخل عقول الحاضرين ثم تعكر المكان بالدخان الرمادي المتصاعد إلي السماء منسوجاً بخيوط الآمال التي تقرب البعيد.. ينظرون إلي تحركات يديه في شغف لحظة تلو الأخرى إلي أن سمع أحد الرجال زمجرة الماء، فيحملق في نافذته الضيقة رأوهُ جالساً بين المياه دون وعي يناديه بصوتٍ عالٍ عبد العاطي.. صك أذنيه الصوت فتحرك ببطء يحاول أن يتسلق الحوائط بأقدامه الواهية، لكنهُ لم يستطع.. تجاهرت الأصوات عالياً عبد العاطي.. فهب واقفا متسلقاً الحوائط إلي أعلي ارتفعت الحناجر القوية الله اكبر وهم يقبلون رأس الشيخ ويتمسحون في جلبابه الأبيض ..