عنوان لافت للشاعر الجاد إبراهيم حسان، وهو ديوان يحمل سمات الرومانسية في أبهى صورها، وأنصعها. تمثل المرأة عمود الخيمة في الديوان برمته، فلا حديث إلا بها وعنها وإليها وفيها، في الديوان أسرار يكشف عنها القارئ بفطرته، وفيه مساحة كبيرة من الحرية للمبدع فيما يقول عن المرأة، فقد وصف جمالها بكل شكل ولون، وصف المرأة وصفا حسيا ينم عن خبرة بعالم النساء الرحب، ووصفها معنويا وصفا يشي بمكنون ضميره العاطفي، وفيض محبته. ووصف أدق التفاصيل في المرأة نفسيا ومعنويا وروحيا. فبدت قصائد الديوان سجلا حافلا لعالم المرأة محبوبة، ولخيال الشاعر المحلق في مدار الفضاء الرحب.
أثبتت قصائد الديوان أن العودة إلى المرأة هي عودة إلى فضاء الخصب والنماء، فالمرأة ترمز إلى الخصب والنماء في مقابل الفناء والموت، فالشاعر هنا مقبل على الحياة، راغب فيها، وناظر إليها في صورة المرأة محبوبة، وبالقدر نفسه نافر من الموت والهلاك. وبين الحياة والموت خيوط من الرغبة تبدو صعودا وهبوطا في شعره. فتأمل معي قوله في قصيدة "ثورة الصلصال"
كيف أذكى تمرداً في قديمي
كيف نورٌحصادُ طينٍ.. وماءْ.!
تجد أن الشاعر حائر بين الجمال الحسي للمرأة وجمالها الروحي، حائر بين الطين والماء والثورة التي تشعلها في وجدانه الموار.
تتصارع الذات الشاعرة بين الروح والجسد، ويجسد الحيرة ماثلة عندما يستدعي موقف القبور وقد بعثت لترى خطوة الجسد الرشيق، وهو موقف يبدو التنافر بين أركانه وجوانبه جليا، فالقبور تثير في النفس مشاعر الحزن والخوف، والجسم الرشيق يثير لواعج الشبق والنشوة.
رأيتُ قبورَنا بُعِثَتْ وفودا
لتنظرَخطوةَ الجسمِ الرشيقِ.!
يتفاعل الشاعر مع عناصر الطبيعة، منجذبا إليها تارة، نافرا منها أخرى، وهو بين الحالين لا يرى.. لا يسمع سوى صوت محبوبته وقد صعدت به إلى معراج السماء هائما عاشقا. ويحسب للشاعر استحضار مشهد المعراج بكل تفاصيله ودقائقه الليل .. النجوم.. الكون.. الملكوت.. العروج.. النور .. النبي..
والليلُ ناقوسٌ تئنُّ نجومُه
والكونُ يحملني إليكِ رقيا
ويضيء في الملكوتِ شيءٌ مبهمٌ
وكأنْ سأعرجُ للسماءِ نبيا
يبقى أن نشير إلى تفوق الشاعر إبراهيم حسان على نفسه، وتميز بالغَزْل على منوال الشعر الذي افتقدناه طويلا؛ فعزف على وتر الرومانسية ديوانه كله، ولم يمل من تكرار الموضوعات بل تميز بشكل لافت في منح الحياة العاطفية صورة تؤكد أن الشعر مازال بخير.