( لاتوجد أمة في العالم ، تتم دراسة تاريخها ، معزل عن تواريخ باقي الأمم) .
* Arnold Toynbee
كان وعي الانسان القديم للزمن ، مقدمه لنشوء القصة المترابطة ، التي تروي حدثاً مضى وقد تزايد عمق هذا الوعي تدريجياً، ففي البداية كان الماضي بالنسبة للانسان البدائي ،هو كل ما وقع قبل الآن ،قبل أن يدرك مفهوم الزمن، وكان اعتقاد الانسان القديم ، أن الحاضر هو تكرار بسيط للماضي. وقد ربطت الشعوب البدائية الماضي بالحاضر ....
تعريف التاريخ
التاريخ هو كل ما حصل في الماضي من أحداث ، لعب فيها الانسان والزمان والمكان دوراً أساسياً . وفعل الماضي مؤثر في الحاضر، ومن ثم في المستقبل.
والتاريخ هو ذاك النهر المتدفق من الأزل إلى الأبد. والذي تنتظم فيه أعمال البشر : ومفهوم التاريخ عند امة من الأمم ، قد يكون مرآة لمدنية تلك الأمة.
ظهور التاريخ
ظهر التاريخ موضوع قائم بذاته في اليونان القديمة ، على اعتاب القرنين السابع والسادس قبل الميلاد، وكانت الكلمة اليونانية Histowia تعني (القصة) وقد فهم أرسطو كلمة هستوريا على أنها العرض المنسق للمعلومات المتوافرة عن الظواهر الطبيعية، ثم أصبحت هذه الكلمة تعني كل قصة مما حدث في الماضي.
المدونة في التاريخ ومن الثابت أن أقدم الأسفار هي أسفار(موسى mases) الخمسة التي تعود إلى القرن (13 ق.م) وقد تركز اهتمام المؤرخين القدماء ، على تدوين تاريخ مدن معينة. وعندما كان أحدهم ، ينقل رواية أو أسطورة ما ، كان يحاول تأويلها تأويلاً منطقياً ، فقد كتب المؤرخ هكتايوس Hecataeus ( 546 – 480 ق.م) يقول: " أرى أن أروي هنا ما أعتقد أنه حقيقة " . وقد وضع بذلك أول لبنة في بناء التاريخ.
مفهوم التاريخ
هناك عدة نظريات حول مفهوم التاريخ وماهيته . فقد اعتقد كثيرون في الماضي بتدخل الآلهة أو القدر فى شؤون الأنسان وفي القرن التاسع عشر أعتقد بعض المؤرخين أنه في كل أمة صفات ساعدت على صنع مصيرها كما أعتقد بعضهم بتناسخ الحضارات، أي أن كلا منها .تولد في رحم الحضارة السابقة لها ، وهناك مدارس عديدة . عمدت الى تفسير التاريخ وقد اعتقد الفيلسوف الألماني ( هرذر Herder ) بوجود الشخصية القومية لتكون وسيلة في إحداث تغيير في التاريخ. حيث ان هناك صورة ثابتة لأثر الشخصية التاريخية في أفكار تتطور وتنمو، فهناك طموح (قيصر) وحكمة (افلاطون) وفلسفة (غاندي) وتأثير ( بطرس الأكبر) وغيرهم.
تدوين وكتابة التاريخ
يتناول التاريخ دراسة الآثار والنقوش القديمة ، والوثائق التاريخية وغيرها، و (الوثيقة التاريخية) هي كل أثر مدون وغير مدون تركه الانسان حيث أقام وحيث مشى ، والوثيقة وسيلة لا غاية ،يجمعها المؤرخ ، ليقوم باستحضار الماضي ورسمه وقد استحضر العالم (فيكو vico) المعلومات التاريخية من قصائد الشاعر اليوناني القديم (هوميروس Homer) في الالياذة والأوديسة.
إن وجود الآثار والوثائق الا تكفي لكتابة التاريخ، إذا لابد من النقد، ولا يجوز الاعتماد في سرد الأخبار على مجرد النقل . وقد حذر العلامة ابن خلدون (1332 - 1400 م) في مقدمته ، من النقل عن أصول بلا روية .
إن تدوين التاريخ وكتابته هي عملية انسانية بحتة ، يسجل ليها البشر أخبارهم ، ويعيدون عن طريقها تذكرهم لما يسمى بـ : ( الماضي) ولعلها هي أساس الحضارة بشكلها التراكمي.
ويقول المؤرخ اليوناني (بوليبوس Polybius "203 – 120 ق.م") : "على الكاتب والقارئ أن يوجه انتباهه إلى الظروف التي سبقت الحادث أو سايرته أو لحقت به . اذ أن دلالتها تفوق ما يروى عن الحادث. وإذا انتزعنا من التاريخ البحث عن الأسباب والأساليب والأهداف التي حركت الانسان، وأهملنا دراسة النتائج التي توخاها من عمله، ونسبة ما استهدف، الى ما حصل عليه ،كان ملهاة للأذهان، ولا نتيجة له المستقبل الأيام "...
دوافع كتابة التاريخ
المؤرخ هو من يكتب التاريخ، وهو ذلك الحارس على التراث الحضاري، والراوية للتطور البشري. ويذكر بعض كبار المؤرخين دوافعهم لكتابة التاريخ، ومنهم على سبيل المثال المؤرخ هيرودوت Herodotus (القرن 5 ق.م) وهو أول المؤرخين الكبار، و أبو التاريخ . وقد بدأ تاريخه المشهور بايضاح جاء فيه : "إني أدون تاريخي كي لا يطمس الزمان أعمال الرجال، وتبقى المآثر الكبرى، والإنجازات الباهرة ، بلا تمجيد ولا إعجاب ، سواء مآتي الاغريق أو البرابرة...
أما المؤرخ الكبير ابن الأثير ( 1160 - 1233م ) . صاحب کتاب (الكامل في التاريخ) الذي يعتبر من أهم المدونات التاريخية عند العرب ، وهو يذكر في هذا الصدد :" إنّما كتبنا هذا ليعلم الظَلَمة أن اخبارهم الشنيعة تنقل وتبقى بعدهم على وجه الأرض وفي الكتب، ليُذكروا بها، ويُذقّوا ويُعابوا .." . وشتان ما بين دوافع الريجنين.
التاريخ عند اليونان
كان هيرودوت أول مورخ كبير في اليونان القديمة، وقد تمّيز هيرودوت عن أسلافه من المؤرخين، بسعة معارفه الجغرافية ، وتنوع اهتماماته. وهو لم يكتف بتسجيل الوقائع . بل كانت له محاولات هامة للغوص إلى عمق الظواهر . فقد تتبّع السمات العامة التي مّيزت الحضارة الاغريقية عن حضارات الشرق.
وقدا ستحق هيرودوت لقب ( أبي التاريخ ) لعمق فكره ، وقدرته على صياغة رواياته في قالب أدبي رائع ، وهو أول من بين حدود (سوريا الطبيعية National Syria).
ثم جاءت الخطوة التالية في تطور الموضوع التاريخي ،على يد أحد معاصريه وهو توسيديد Thucydides (400 – 395 ق.م) صاحب كتاب ( حروب البيلوبونيز ) الذي رفض رفضاً قاطعاً الاسناد إلى القدر، وتدخل الآلهة في شؤون البشر ، وقد نظر توسيديد الى الدين بعين الشك ،واهتم بدقة الرواية وصحتها.
وجاء المؤرخ بوليبيوس Polybius ( 200- 120 ق.م) ليولي دقة الرواية اهتماماً كبيراً . وقد اعتبر هذا المؤرخ ، أن أكثر مهام التاريخ اهمية ، هي البحث عن أسباب الأحداث والظواهر وعرضها "لأن الوصف المبسط ما يحث لا يعلمنا شيئاً" ...
وقد خصّ اليونانيون القدماء التاريخ بمكانة هامة معتبرين أن الناس يتعلمون منه أشياء جديدة استناداً الى تجارب الماضي ، وقاموا بمحاولة لتأسيس ( الرواية التاريخية ) على قاعدة الملاحظة الدقيقة. واعتبر الاغريق أيضاً أن التاريخ نوع من أنواع الفن ، إضافة إلى الشعر والموسيقى . وأعطوا اهمية كبيرة لصوغ الرواية التاريخية . فأكد ارسطو Aristoti (384 – 322 م) أن الفرق بين المؤرخ والشاعر، هو أن الأول يتحدث عما وقع فعلاً أما الثاني فيتحدث بما يمكن ان يقع ...
التاريخ عند الرومان
التاريخ عند الرومان ، هو استمرار للتقاليد الاغريقية ، وهذا ما اعترف به المؤرخون الرومان أنفسهم ، وقد سخر منهم المؤرخ والفيلسوف الروماني السوري الأصل لوقيانوس السميساطي Lucian of Samosata (120 – 80م) ، والذي اتهمهم بالجهل، (لأنهم سعوا إلى تقليد المؤرخ توسيديد ، دون أن تكون لهم مهارته وفنه.
والحقيقة أن المؤرخين الرومان، لم يكتفوا باقتباس أهم النجاحات التي حققها الاغريق في هذا المجال ، بل حققوا قفزة واضحة إلى الأمام، عندما دوّنوا تواريخ واضحة للأحداث والوقائع ، وأعاروا التسلسل الزمني انتباهاً خاصاً.
ولكن القدر وإرادة الآلهة لعبا الدور الحاسم في تفسيرهم لما كان جارياً، وتداخل فيه الواقع مع الخرافة بطريقة عجيبة.
وقد أعطى المؤرخ تاسيتوس Tacitus (59 -100 م) مكانة كبيرة للعلامات العجيبة وظواهر الطبيعة . ولم يتجاوز المؤرخون الرومان أسلافهم ،في رؤيتهم لمهام التاريخ ، فقد رأوا فيه قصة جذابة ممتعة، ومادة للتعاليم الأخلاقية.
وعلى العموم فقد شهد العصر ( الاغريقي الروماني ) مرحلة هامة في تطور الموضوع التاريخي ....
التاريخ في العصور الوسطى
إتسمت المرحلة التى تلت سقوط روما Rome على يد البرابرة ، ونهبها في عام (410 للميلاد) وانتهاء (العصور القديمة) وبداية (العصور الوسطى) بالتبعثر السياسي، وسيطرة الخضوع للقديم ، والاعتماد على التقاليد.
وقد استطاع رجال الدين أمتلاك عقول الناس، فاضطهدوا كل جديد ، وقمعوا كل شكل من أشكال حرية الفكر دون رحمة.
وفي ثقافة العصور الوسطى ، كان للتاريخ دور متواضع جداً ، اقتصر على دعم سياسة الحكام المستبدين، واضطهاد رجال العلم والمفكرين ،وفي مثل هذه الظروف ، كان مصير التاريخ مصيراً تعساً . فقد كانت الكتب الدينية، وما جاءت به من المحرمات التي لا يجوز التطاول عليها ، وأي شكل من اشكال التعبير عن الشكوك في صحة نصوصها ، كان يمثل خطراً قاتلاً على صاحبه ، وعلى العموم فقد كان للعقائد الدينية ، والسياسية المتزمته والمتعصبة ، وسيطرة رجال الدين في ذلك الحين تأثير سلبي خائق على تطور الحياة والعلوم كلها - بما فيها التاريخ – (قارن هذا بما يجري في البلدان العربية هذه الأيام )! ...
وقد أهتم مؤرخو العصور الوسطى بالطبقات الحاكمة. فلم تعرض مؤلفاتهم من شخصيات هامة فاعلة، سوى الملوك والأمراء ورجال الدين ، والقادة العسكريين وأغنياء المدن ، وتغير السلالات الحاكمة ، والصراع على السلطة، أما حياة الجماهير وأعمالها ، فلم تذكر الامصادفة ، وبشكل عرضي ...
وفي هذه المرحلة، سيطرت على رؤية مهام التاريخ وجهة النظر السطحية ، واعتبار التاريخ رواية مُسلية لترتدي الشكل الديني (عباءة الدين )
وكان القديس أوغسطين St. Augustine (354 -430م) .... والديانة المسيحية . وأعلن قرب إنتصار (مملكة Kingdom of God) انتصاراً نهائياً...
وعلى العموم... فقد كان أفضل ما أنتجه الفكر في العصور الوسطى في أوروبا (من سقوط روما 410 م إلى إكتشاف أمريكا 1492) هو فكرة وحدة البشرية في المفهوم المسيحي، التي باتت أكثر شمولاً منها في النظرية التي صاغها العصر (الإغريقي – الروماني) حيث أن الناس متساوون أمام الله. وفي العصور الوسطى كانت العقول الكبيرة في تلك المرحلة، على معرفة جيدة بالنجاحات الكبرى التي حّققها العلم والفلسفة في العصر (الاغريقي – الروماني) وخاصة أعمال أفلاطون....