" الفك المفترس" بقلم ابراهيم الديب

" الفك المفترس" بقلم ابراهيم الديب
" الفك المفترس" بقلم ابراهيم الديب

 بعد أن جلست في سينما ثقافة دمياط واحتشدت لمشاهدة فيلم "الفك المفترس" وكانت هذه أول مرة في حياتي أدخل فيها  سينما  لم أكن أتجاوز الثالثة عشر...  بدأ الفيلم بعد أن أطفأت الأنوار: مبهرا مثيرا مدهشا فى كل شيء ، عالم ساحر من الصورة لم أتوقع كل هذا الجمال والخيال الجامح  المجنون, لقد أستولى كل ما شاهدته وسيطر على من نفسى، كنت ألهث وأحاول ما استطعت أن؛ أتابع  كل ما يحدث بعد :أن تطورت أحداث الفيلم  للأسوأ، فقد أفترس القرش أجمل فتيات الفيلم الجميلة الوديعة النضرة صغيرة السن ،المقبلة على الحياة ببراءة الاطفال ، الذي غرس المخرج صورتها وجعلها تسكن نفسي بهذه الصورة فلن يستطيع المشاهد إلا  ينجذب لها ويتعاطف معها ويرثى لها.
لم  أكن أعرف قبل دخولي السينما أن الصورة لها كل هذه القدرة على تشكيل الوعي، و أنها في الوقت ذاته جزء ومكون ثقافي، له القدرة على تكوين العقل، فلن تترك الصورة مشاعرك وأحاسيسك على الحياد، لن تستطيع الافلات لابد أن تكون مع أو ضد، تحت تأثير تيار خفي وقوة ناعمة تتسلل لوجدانك، هذا شأن كل عمل فني يتوغل لداخل النفس .. كان صوت الموسيقى التصويرية  يبعث على الخوف تفتح ابوابا لعوالم من الرعب تسحبني الموسيقى للعيش بداخلها، أشهد لمؤلفها أنه وقف على سر: مواطن الفزع والخوف  بداخل النفس الإنسانية، ليس هذا فقط بل ؛ويلعب على أوتارها بمهارة وجدارة...من شدة انقباض نفسي أتحسس من بجواري فى محاولة للاطمئنان و فى نفس اللحظة كان من يجلس بجانبي يفعل نفس الشيء لنلتقي في منتصف المسافة باحثين عن تواصل يعيد لروحنا الأمان لأنه فتا صغيرا مثلي .
 مشاعري  موزعة مشتتة بين عدة أمور منها الانبهار بأحداث القصة المثيرة وزوايا كاميرة لتصوير المدهش الساحر ،الذي يستولي على بصرك شاخصا له، يحتوي بداخله على لقطات مفزعة إلى حد توقف أنفاسك في آن واحد ،الفيلم  عبارة عن صدمة أو دهشة قادرة على تذويبي والعيش بداخله أثناء المشاهدة ، فأنا بين الاستمتاع والدهشة والخوف على ابطال الفيلم متوحد معهم وكأن مصيرهم يحدد  ينهي حياتي افترسهم  الفرش الذي التهم البطلة الجميلة ، اعيش الخوف والفزع لا يخصم منه شيئا ؛من أعماق روحي واغوار نفسي ليست هناك منطقة وسط من المشاعر تجعل العقل الذي أصبح خارج المعادلة  يسيطر على الانفعال النفسي  فقد غاب تماما وتواري مفسحا طريقاً للروح والنفس لتندمح حتى النشوة .. ما هذا العالم المثير ما هذه السينما ما كل هذه الدنيا كنت أتساءل  بيني وبين نفسى! أي شياطين اخترعوا هذا العالم الموازي ويتحكمون في المشاهد بل أصبح مادة رخوة لينة طيعة قابلة للتشكيل في أيديهم.
  أقترب الفيلم من نهايته ما زلت اعيش تحت سيطرة قلق ممزوج بخوف شديد على البطل  بعد أن ألتهم القرش جميلات الفيلم و كل أفراد السفينة فلم  يتبقى على ظهرها غيره فى عدة مشاهد مرعبة، مصحوبة بموسيقى تصويرية هي الأشد رعبا على أذني، منذ أن خلقها الله ، فبدأت  في البحث عن طمأنينة لنفسي بفتح حوار مع من بجواري، فأبى صوتي الخروج وظل حبيسا في صدري، وبطل الفيلم يحاول البقاء على قيد الحياة  بعد أن غرقت السفينة ولم يتبق منها إلا قطعة صغيرة من مؤخرتها تعلن في حسرة ويأس أن لا محالة عن ابتلاع المحيط لها.
  البطل منهك في محاولة أخيرة منه معلنا بذلك إصراره على المحاولة ، وان رغبته في الحياة اقوى من الموت، وأنه لم يفقد الامل بعد  رغم قتامة الصورة التي تخبر أن الموت أقرب إليه من الحياة، ومن اي شيء آخر  ،فيتناول آخر ما تبقى على من أشياء السفينة وهي أنبوبة بوتاجاز ويلقيها على القرش،و فى محاولة من القرش للاستهانة بها  فيبتلعها ولكنها تحشر بين ضروسه، ليتناول البطل البندقية قبل أن تهوى مؤخرة السفينة إلى القاع بلحظات قليلة ويطلق منها عيارا يصيب الأنبوبة التي تنفجر لتمزق القرش إلى آلاف من نثرات اللحم المتطاير فى الهواء، لتأتى بعدها مباشرة آلاف من الطيور تسبح فوق بركة الدماء لتفترس لحم القرش المتناثر على وجه المحيط بعد تحول وجبة شهية لهذه في عملية لتبادل الأدوار في قانون الحياة الأزلي الابدي... لينجو البطل  ونجوت معه بعد أن عشت دور البطولة متخيلا أنني من قتل القرش ؟!.....و خرج صوتي أخيرا من صدري , وبدأت حوارا مع من بجواري.