محمود عابدين يكتب: نبوغ المرأة المصرية القديمة.. وهندسة المستحيل

محمود عابدين يكتب: نبوغ المرأة المصرية القديمة.. وهندسة المستحيل
محمود عابدين يكتب: نبوغ المرأة المصرية القديمة.. وهندسة المستحيل
 
من آن لآخر، أجد نفسي أبحث فيما سبق وكتبته عن تراثنا الأثري العظيم، تراثنا الذي يثبت يوم بعد يوم أن المصري القديم كان وما زال وسيستمر، هو القدوة والمثل في: التقدم العلمي، الرقي الحضاري الإنساني بكل أشكاله وأنواعه، أكتب ذلك عن اقتناع وإيمان ممهورين بشهادة علماء وخبراء منصفين من الأجانب، فضلا عن المتخصصين في الآثار والمحبين لها وللتاريخ وغير المتخصصين بحق عبقرية قدماء المصرين في: البناء، الفلك، الطب ، الرياضيات و.... لم تأت من فراغ، بل جاءت عن إعجاب وعلم ودراسة واقتناع بعظمة أجدادنا الذين شيدوا هيكل الهرم الأكبر البالغ من العمر 4500 سنة دون أن يستخدموا التكنولوجيا الحديثة.....!!
في هذا السياق، أشارت جريدة الأهرام  إلى عظمة كلا من: الحكيم "آنى"، والحكيم "بتح حتب"، وتفرغهما لتعليم أبنائهما يعلمانهم قيادة حياتهم سواء أكان ذلك فى اختيار شريكة العمر، أو فى جميع شئون الحياة الاجتماعية اليومية، وكيف يتعاملون مع الأم منذ أكثر من4 آلاف سنة، أي فى الوقت الذى كانت البشرية جمعاء تعيش حالة من البؤس ( عراة حفاة ) فى الكهوف، كانت السيدة المصرية القديمة ترتدى أقدم فستان فى العالم، وهو ما يعرف بفستان "طرخان".
و"طرخان" منطقة جنوب القاهرة، وهو فستان من نبات الكتان بكم طويل وفتحة سبعة من أعلى، وحاليا خطوط موضة عالمية تبيع موديل فستان باسم "طرخان"، وهؤلاء الحكماء كانوا يعلمون أولادهم أيضا آداب المائدة واحترامها، وهذه العادات والتقاليد وجدت برديات قديمة ذكرتها العالمة الفرنسية "كليرلالوى" فى كتابين من مطبوعات اليونسكو، وضعت خلالهما نصوصًا رائعة تتحدث عن ذلك.
ومن النصائح التى يقولها الحكيم لابنه عن آداب المائدة: "لا تضحك إلا إذا ضحك صاحب المائدة"، إذن الحضارة المصرية هى التى اخترعت الإتيكيت، فنجد السيدة فى مصر القديمة تجلس على الكرسى وظهرها مفرود بزاوية  90 درجة تماما، وليس هذا فحسب، فقد نالت السيدة المصرية القديمة أيضا كامل حقوقها فى المجتمع، لدرجة أنه كانت به سيدات أعمال، ولها وكلاء تجاريون كما ذكرت عالمة المصريات الشهيرة «نبلكور».
 ومن أهم ما تميزت به الحضارة المصرية القديمة كذلك، ما ذكر في كتاب عن الحضارة المصرية القديمة وترجم للغة العربية بعنوان "الطب المصرى القديم"، وعرفنا من خلاله أثر قديم فى سقارة لسيدة اسمها "بسشت" تعمل طبيبة فى الدولة المصرية القديمة، فهل كانت هناك جامعة لتخريج الطبيبات فى ذلك الوقت....؟؟!!
وهنا تتضح العظمة إذا عرفنا أن «إليزابيث أندرسون» وهى أول امرأة حصلت على شهادة فى الطب البريطاني، وتوفيت فى 1917 بينما «بسشت» من الأسرة الخامسة أو السادسة يعنى قبلها بما يزيد على أربعة آلاف سنة.....!!
وفي مقبرة "ايبيوى" بالبر الغربى من الأقصر، توجد صورة لأحد العمال ينحت عمودا فأصاب عينيه بعض التراب، والصورة توضح طبيب عيون ومعه أدواته يقوم بعلاج عين العامل ومعه مقلمة ومحبرة لكتابة روشتة العلاج، وكل ذلك قبل آلاف السنين، فما كل هذا التطور وهذه الإنسانية فى رعاية العمال....؟؟!!
وأيضا اكتشفوا عاملا بجوار أبي الهول من عمال الهرم، كان قد أصيب بسرطان فى الدماغ، وتم إجراء عملية جراجية له، وعاش بعدها حياة طبيعية، أى منذ أكثر من أربعة آلاف عام تجرى عملية سرطان فى الدماغ، ويعيش صاحبها فهذا شىء مذهل، وفى حضارات أخرى كان مصير هذا العامل هو القتل، ومن المهم أن نعرف أن حضارة قامت بكل هذه الإمكانات لا بد أن تكون هي الأصل، وما دونها قد نقل عنها العلم والمعرفة. 
المرأة المصرية أيضا كانت لها مكانتها وتميزها وتفردها فى المجتمع المصرى القديم عن بقية الحضارات واكتشف العلماء أن الكحل الذى كانت تستخدمه لتزين به عينيها يحمل مميزات أكثر من مجرد زينة وهو ما كشفته دراسة أجريت فى فرنسا على هذا الكحل ووجد العلماء أن نسبة المكونات الداخلة فى تركيبه بها مادة تقتل الميكروبات، وأيضا وجدوا أن الكحل يعمل ما يسمى "بانعكاس وميض الشمس".
إذن يمكننا القول بأن هذا الكحل، يعتبر هو أول نظارة شمس فى التاريخ، أيضا الحقيبة التى نحملها الآن وتصل إلى الخصر كما هى تماما على تمثال لامرأة فرعونية ويظهر داخل الحقيبة أنها تضع بها مرآة بيد صغيرة، إذن الحضارة المصرية القديمة زاخرة بالإنجازات والاختراعات التى سبقت بها حضارات العالم، وإذا كانت حضارة معمار عبقرى فهى هندسة المستحيل فهكذا وصف الغرب هرم خوفو.
إن ما جادت به حضارتنا المصرية القديمة حتى الآن، قمة الإعجاز العلمي منذ الخليقة وحتى اللحظة، بل لا أكابر إن قلت وحتي آخر لحظة في حياة البشرية، وهو اللغز الذي كان ومازال يُحير العلماء والباحثين والدارسين، وحتى العامة على مر العصور، وهذا ما اعترف به وأقره المهندس المعماري الأمريكي "غلين داش"، والذى يعكف منذ زمن بعيد وحتى الآن على فك طلاسم وأسرار أهرامات الجيزة، معتقداً إن أجدادنا استخدموا تقنية "طريقة الدائرة الهندية" لوضع أساس أهم عجائب الدنيا من خلال تثبيتهم نقاطا معلومة للشمس وقت اعتدال الخريف، وهو اليوم الذي يتساوي فيه الليل بالنهار بين الصيف والشتاء، وهنا يطرح السؤال نفسه:
- من أين أتى أجدادنا بكل هذه العلوم وتفردوا بها عن سكان الكرة الأرضية؟!.. والإجابة ببساطة شديدة جداً سنجد جزء كبير منها في كتاب " فجر الضمير" لعالم الآثار والمصريات البروفيسور الأمريكي جيمس هنرى بريستد، والذي تحمل عبء وأمانة ترجمته عالم الآثار المصري البروفيسور سليم حسن – صاحب موسوعة «مصر القديمة»، ولعلنا بهذا الكتاب نضع أيدينا على حقيقة ما أصابنا عن عمد.. فيقول "بريستد":
- إن ضمير الإنسانية بدأ فى التشكل من مصر قبل أى بلد فى العالم، مؤكدا أن المصري القديم شعر لأول مرة بنداء الضمير، ومن ثم استيقظ معه الضمير الإنساني بمصر وترعرع، وفي مصر تكونت الأخلاق النفسية، وطوال مليون سنة طور الإنسان خلالها سلاحه فبدأ بــ «البلطة» وانتهى بالقنابل الذرية، فالإنسان إذن من مليون سنة استطاع تحطيم رأس أخيه الإنسان بهذه "البلطة".
 أما الآن فإن بمقدوره إبادة ملايين البشر بقنبلة واحدة وفى ثوان معدودات، وما فعلته أمريكا في "نجازاكي وهيروشيما" باليابان عنا ببعيد، وينصح "بريستد" العالم أجمع بالعودة إلى ما قبل 5000 سنة لتعلم الأخلاق ورقيها على يد ما تركه أجدادنا القدماء أبناء نهر النيل؛ لذا كان شاعرنا الكبير أحمد شوقى محقاً حين خاطب النيل قائلا:
- "أصل الحضارة فى صعيدك راسخ.. ونباتها حسن عليك مخلق.. ولدت فكنت المهد.. ثم ترعرعت فأظلها منك الحفىّ المشفق"، لذا يجب علينا التذكر دائما وأبدا بأننا ننتمى إلى أمة عظيمة تستحق منا أن نعمل على إعادة مجدها بكل الطرق الممكنة وغير الممكنة، فعيب علينا أن نترك حقنا في الحياة بيد عدو لدود تربى على الحقد والبغض لمصر التاريخ والحضارة والجغرافية والإنسان، عدو يريد لشعبنا الموت والدمار والخراب بالتحكم في شريان الحياة الذي يأتينا منذ آلاف السنين من منبعه الأصلي.
وللتأكيد على ما سبق، يجب الإشارة إلى أن أجدادنا القدماء في عصر ما قبل التاريخ، أقاموا مجتمعهم بجانب القيم والأخلاق والضمير، على الاستقرار الذاتي وتلبية كافة احتياجاتهم الغذائية من: نبات الأرض والحيوان بعد أن استطاعوا تأنيسه، وهذا هو الثابت تاريخيا وأثريا منذ عصر مينا - موحد الشمال والجنوب – كما نجح قدماء المصريين نجاحا باهرا في تأسيس حكومة مركزية قوية، وكان نهر النيل بفيضانه وانحساره ودوران ريه، من أهم الركائز الأساسية لهذه الدولة المركزية، وهذه رسالة أخري إلى أشقاءنا الأفارقة بخصوص سد الخراب الذي تُصر القيادة الإثيوبية على استكمال بنائه دون قيد أو شرط من الجانب المصري، في إشارة واضحة إلى خلق تاريخ جديد من العداء والصراع لا يُحمد عقباه، ونسيت أو تناست ربما هذه القيادة المدعومة من أعدائنا حقنا التاريخي في مياه النيل.
نعود مرة أخرى إلى ما استشهد به أيضا د. سليم حسن - عميد الأثريين المصريين – في ترجمته لكتاب "بريستد"، عندما أكد على أن " مصر أصل حضارة العالم ومهدها الأول، ومن يعتقد أن أجدادنا القدماء اهتدوا إلى أن حضارتهم بدون قيم، فاعتقاده أجوف ولا قيمة له، فكم من حضارات انهارت، بل وأصبحت نسيًا منسيًّا.
لذا حرص المصري القديم على وضع مجموعة من القيم والمبادئ التي تحكم إطار حياته، فكان أهم ما في وصية الأب للابن قبل وفاته هي الجانب الأخلاقي، حيث نجد الكثير من الحكماء والكهنة والحكام القدماء يوصون أبناءهم بالعدل والتقوى، كما كانوا يحرصون على توضيح خلود تلك القيم في عالم الموت، لذا نحتوا على جدران مقابرهم رمز إلهة العدل «ماعت» ليتذكروا أن عملهم باقٍ معهم في عالم الخلود.