خلال متابعاتي لسير وحياة نخبة من العظماء توقفت أمام بعضهم للعظة والإعتبار ومنهم الإمام الشافعي رضى الله عنه فقد نشأ يتيمًا في حجر أمّه في قلّة من العيش وضيق حال وكان في صباه يجالس العلماء ويكتب ما يفيده في علوم الفقه والأحاديث النبوية ونحوها حتى ملأ منها خبايا وقد كان الشافعي في ابتداء أمره يطلب الشعر وأيام العرب والأدب ثم اتّجه نحو تعلّم الفقه فقصد مجالسة الزنجي مسلم بن خالد الذي كان مفتي مكة.
رحل الشافعي من مكّة إلى المدينة قاصدًا الأخذ عن أبي عبد الله مالك بن أنس رحمه الله ولمّا قدم عليه قرأ عليه الموطّأ حفظًا فأعجبته قراءته ولازمه وكان للشافعيّ رحمه الله حين أتى مالكًا ثلاث عشرة سنة ثم نزل باليمن واشتهر من حسن سيرته وحمله الناس على السنة والطرائق الجميلة أشياء كثيرة معروفة ثم ترك ذلك وأخذ في الاشتغال بالعلوم ورحل إلى العراق وناظر محمد بن الحسن وغيرَه ونشر علم الحديث ومذهب أهله ونصر السنة وشاع ذكره وفضله وطلب منه عبد الرحمن بن مهدي إمام أهل الحديث في عصره أن يصنّف كتابًا في أصول الفقه فصنّف كتاب الرسالة وهو أول كتاب صنف في أصول الفقه وكان عبد الرحمن ويحيى بن سعيد القطّان يعجبان به وقيل أنّ القطّان وأحمد بن حنبل كانا يدعوان للشافعيّ في صلاتهما وصنف في العراق كتابه القديم ويسمى كتاب الحجة ويرويه عنه أربعة من جلّ أصحابه وهم أحمد بن حنبل وأبو ثور والزعفراني والكرابيسي ثم خرج إلى مصر سنة تسع وتسعين ومائة وقيل سنة مائتين وصنّف كتبه الجديدة كلها بمصر وسار ذكره في البلدانوقصده الناس من الشام والعراق واليمن وسائر النواحي لأخذ العلم عنه وسماع كتبه الجديدة وأخذها عنه وساد أهل مصر وغيرهم وابتكر كتبًا لم يسبق إليها منها أصول الفقه ومنها كتاب القسامة وكتاب الجزية وقتال أهل البغي وغيرها .
ننتقل إلى الإمام سفيان الثوري وقد توفي والده وهو دون التاسعة من عمره واعتنت به والدته خير إعتناء فوجهته لدراسة الحديث في المسجد ويروى أن والدته كانت تغزل بمغزلها ذات يوم وباعت ما غزلته بعشرة دراهم ثم دعت إليها ابنها سفيان وقالت : ( يا سفيان هذه عشرة دراهم اذهب أطلب بها الحديث في المسجد ثم انظر يا بني إن وجدت أثرا لما تعلمته على عقلك وقلبك وعملك فتعال أعطك عشرة دراهم أخرى حتى تطلب بها العلم وان لم تجد أثرا لذلك فاترك العلم يا بني فانه يأبى أن يكون إلا لمخلص ) ٠
كان الإمام سفيان الثوري شديد الزهد لا يقبل شيئا من أحد معتمدا على كسب يده فكان إذا احتاج إلى المال ينقض جذوع بيته ويبيعه فإذا حصل على المال أعاد بناء السقف كل ذلك مخافة أن يسأل أحدا ويروى أن رجلا دخل عليه فحدثه بحديث لم يسمعه وهو على فراش المرض فأخرج لوحا من تحت سريره وأخذ يكتب الحديث فقيل له : ( وأنت على هذه الحالة ؟ ) قال : لئن ألقى الله عز وجل وأنا أعلم هذا الحديث خير من أن ألقاه وأنا لا أعلمه )
وظل يدعو ويبتهل حتى مات .
أما أبو الطيب المتنبي المولود في الكوفة عام 915 ميلاديا لم يعرف أمه لموتها وهو طفل فربته جدته لأمه ويعد المتنبي أعظم شعراء العرب وأكثرهم تمكناً باللغة العربية
وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها وله مكانة سامية لم تتح مثلها لغيره من شعراء العربية فيوصف بأنه نادرة زمانه وأعجوبة عصره وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء وهو شاعرحكيم وأحد مفاخر الأدب العربي قال الشعر صبياً حيث نظم أول اشعاره وعمره 9 سنوات .
وجبران خليل جبران الفيلسوف والأديب والشاعر والرسام من أسرة صغيرة فقيرة كان والده خليل جبران الزوج الثالث لوالدته كميلة رحمة التي كان لها ابن اسمه بطرس من زواج سابق ثم أنجبت جبران وشقيقتيه مريانا وسلطانة .
كان والد جبران راعيا للماشية ولكنه لم يهتم بأسرته التي كان على زوجته كميلة وهى من عائلة محترمة وذات خلفية دينية أن تعتني بها ماديا ومعنويا وعاطفيا ولذلك لم يرسل جبران إلى المدرسة بل كان يذهب من حين إلى آخر إلى كاهن البلدة الذي سرعان ما أدرك جديته وذكاءه فانفق الساعات في تعليمه الأبجدية والقراءة والكتابة مما فتح أمامه مجال المطالعة والتعرف إلى التاريخ والعلوم والآداب وفي العاشرة من عمره وقع جبران عن إحدى صخور وادي قاديشا وأصيب بكسر في كتفه اليسرى عانى منه طوال حياته.
فقد جبران خليل جبران أخته الصغرى ثم أخيه الأكبر ثم أمه.
أما الزعيم الوطني جمال عبد الناصر لم يكد يبلغ الثامنة من عمره حتى تُوفيت أمه في 18 رمضان 1344 هـ / 2 أبريل 1926 وهي تضع مولودها الرابع شوقي وكان عمه خليل الذي يعمل موظفا بالأوقاف في القاهرة متزوجاً منذ فترة ولكنه لم يرزق بأبناء فوجد في أبناء أخيه أبوته المفتقدة وحنينه الدائم إلى الأبناء فأخذهم معه إلى القاهرة ليقيموا معه حيث يوفر لهم الرعاية والاستقرار بعد وفاة أمهم وبعد أكثر من سبع سنوات على وفاة السيدة فهيمة تزوج عبد الناصر من السيدة عنايات مصطفى في مدينة السويس وذلك سنة 1933 ثم ما لبث أن تم نقله إلى القاهرة ليصبح مأمورا للبريد في حي الخرنفش الموجود بين الأزبكية والعباسية حيث استأجر بيتا يملكه أحد اليهود المصريين فانتقل مع إخوته للعيش مع أبيهم بعد أن تم نقل عمه خليل إلى إحدى القرى بالمحلة الكبرى وكان في ذلك الوقت طالبًا في الصف الأول الثانوي .