الموسيقى فائض معنى تجذب روحك وتعيدها عطراً - الأستاذ شادي أحمد الباحث في الزمن الجميل بقلم المحامية د.ناديا يوسف
النقد فن وإتقان وإبداع لأنه دراسة ونقاش وتقييم وتفسير وهو يعتمد على نظريات وأفكار وأسس لكافة المجالات .
نلاحظ الأمر مختلف في الموسيقى حيث لم توضع نظريات أو مفاهيم تحدد عملية النقد الموسيقي وتجعل الناقد يعمل وفق ركائز محددة وإنما يعتمد على جهود فردية وذاتية من الباحث نفسه.
كثيرة هي الأسئلة التي راودتني عن ماهية الحوار الذي سيكون مع ضيفي وخاصة أنه من الأشخاص المشهود لهم بالتميز بشهادات حية من أساتذة الفن ورواده الكبار أمثال الفنان صباح فخري و الموسيقار صفوان بهلوان والأستاذ حسام بريمو المايستر ووكيل المعهد العالي للموسيقا في دمشق .و الدكتور ممدوح الجبالي أحد كبار مصر في الموسيقا .
- موسيقي وباحث بامتياز و يمتلك شخصية مختلفة عن أقرانه كلما ارتقى بفنه كلما ازداد تواضعاً مكرّساً ذاته للموسيقا التي تعتبر زاده وزواده و بالرغم من دراسته العلمية فهو لم يبخل بجهده للولوج في بحر علم الموسيقى بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة .
- قلمه مميز و ألفاظه جزلة قوية تبحث عن الكمال في الموضوع و الشخصية التي تتحدث عنها ، فيها عمق لغوي وفلسفي كل مايكتبه نابع من أعماقه ومن حياته البحثية العميقة التي لاحدود لها .
.. إنّه الصديق العزيز (شادي أحمد ) الموسيقي والناقد الفني العربي ، الباحث في تراثنا الغنائي الموسيقي البديع ، لتوثيق تلك المسيرة الثرية الحافلة بالنتاجات الإبداعية الخالدة ، و نشر هذا الفيض الجمالي لزمن الفن الجميل ، وهو المعتمد في معظم (المجموعات العربية وصفحات التواصل الاجتماعي للفن الموسيقي الغنائي الشرقي الأصيل ) ، كمتخصص في النقد الموسيقي ولأهم أساطين النغم العربي
تدرّج من دارس للموسيقا إلى أستاذ وباحث وناقد تزخر تجربته الموسيقية بذخيرة كبيرة من المقالات تتميز بتنوعها وتعددها وغناها فهذا العشق والهيام استمر معه حتى هذه اللحظة ينهل من ينابيعها ومَن أعظم مِن مصر لتكون هي الموطن لشغفه وقد اختار فيها دراسة آلة العود على يد الدكتور محمد قدري دلال مدرس العود وقواعد الموسيقا العربية في الكونسيرفاتوار الإسكندرية
عندما يكتب فإنه يتحدث كواحد من أهل الفن وهذا ما يميزه في كتاباته الموسيقية يربط الموسيقا ببعدها الثقافي والاجتماعي والبيئة المحيطة بها و يفهم معنى الموهبة والعبقرية الموسيقية وعلاقتها بالحياة وكونه مثقفاً يبحث عن المعنى الباطني الفلسفي لكل مقطوعة موسيقية أو أداء موسيقي لعمالقة الطرب وكبار الفن ومدى ارتباط هذه الموسيقا مع موسيقا الغرب ليصوغ دراسته النقدية وبحثه الموسيقي وخاصة أن البعض أشيع على صفة الموسيقا العربية بأنها لا يمكن أن تضاهي الموسيقا العالمية الكلاسيكية .
وسأورد في هذه الزاوية بعض المقالات التحليلية التي كتبها عن عظماء الموسيقا العربية فالمتتبع للدراسة العميقة التي قام بها عن الموسيقار محمد عبدالوهاب يجد فيها رصد زوايا مختلفة في حياة الموسيقار مبيناً حالة التماهي والدمج التي يعيشها وقد جاء في هذه الدراسة " محمد عبد الوهاب طائر الشرق يحلق غرباً " :
( هذا العبقريُّ الرؤيويُّ الألمعيُّ الحداثي .الذي اكتشفَ بخبرة وعيه وبثقافته أنَّ البُنية التي تطبع الوعي العربي بطابعها هي بنية استاتيكية ثابتة على مستوى النظرة إلى المعرفة الجمالية. فكيفَ لهذا الإنسان العربي (نمطيِّ السماع) أن يُواجهَ الإنسان الغربي الذي يسمِّيه مارتن هيدغر (موجود الآفاق البعيدة).. ومَن يستمع إلى الأستاذ عبد الوهاب (أثناء بروفاتِ أغنية من غير ليه وبوجود الإعلامي مفيد فوزي) وهو يصدح بصوته الواثق الأنيق بعض موتيفات (سيريناد شوبرت)، يجد هذا الافتتان بعظمة تلك النتاجات الإبداعية الفائقة، وبهذه الرغبة المسؤولة للسمو بالتربية الجمالية العربية إلى فضاءات منفسحة جليَّة.. إنّه عبد الوهاب النهضوي بامتياز. الذي أجرى قطعاً إبستمولوجيا احتوائياً للموسيقا العربية، وانتقلَ من السيرورة الموسيقية (المسار ـ تقدم متتال إلى الأمام)، التي لاتتضمن تحولاً نوعياً . إلى الصيرورة الموسيقية التي تعني (التقدُّم والتحوّل معاً)..
خاتمة: محمد عبد الوهاب، هو أبُ فكرة (التناصّ الموسيقي) في الشرق. باعتبارها حواراً لا ينتهي بين النصوص الموسيقية، وهو سيد فكرة (القلق الإبداعي الخلاق) التي استودعها أمانة أيقونيّة للأجيال بعد ارتقائه إلى الخلود. )
و في وصف الموسيقار رياض السنباطي، الكلاسيكي المتطوّر يذكر التنوع في موسيقاه ليتجاوز فيها العالم العربي باتجاه الغرب ليكون نوع من التداخل الفني الحضاري وهنا تكمن العبقرية العظيمة للموسيقار :
( هذا المبدع الفذُّ. الذي تبنَّى مشروع الأصالة في نتاجاته الشجيَّة. بيد أنّه وبوعيه الثقيف الحاذق فهمَ ضرورة متابعة منجزات التجربة الموسيقية الإنسانية، وآفاقها الهندسية المعمارية، وأطيافها التعبيرية الدرامية. فكان من المهتمِّين بسماع إبداعات المؤلف الأرميني (آرام ختشاتوريان)، كما قالت الشحرورة (صباح) في مقابلة تلفزيونية: إنَّها كانت تُرافق زوجها عازف الكمان الكبير (أنور منسي) في زيارته لمنزل السنباطي للاستماع إلى مؤلفات (ختشاتوريان).. إضافة إلى إعجابه بالمؤلف الإيطالي (أوتورينو ريسبيغي)، وخاصة في القصيدتين السيمفونيتين (نوافير روما ـ صنوبر روما).. العبقري (انيشتاين) يقول: (الخيال أهمّ من المعرفة).. نعم. الأستاذ (رياض) وفي العديد من إبداعاته أيَّدَ مشروع تحديث الكلاسيكية العربية، ولكن في إطار المحافظة على أدبيَّاتها وعبقها.. فمَن يستمع إلى مقدمة مونولوج (يا ناسيني) للقديرة (شهرزاد)، يقف أمام افتتاحية موسيقية و(كادينزا) لآلة العود كمقاربة جادة لحوار الحضارات. كما نجدُ ذلك في فيلم (حبيب قلبي) مع الفنانة الشاملة (هدى سلطان)، وخصوصاً في العمل الفني البديع (على عودي) . كذلك في الأغنية الآسرة (أين حبِّي ـ ذات يوم يا حبيبي). إضافة إلى الأيقونة الباسقة (أشواق).. هذا غيضٌ من فيض عطائه الخالد.. ختاماً نقول: (مَن لم يتبحَّر فيما يسمع؛ كان في مقام مَن لايسمع).. إنّه (رياض السنباطي). العبقري الماجد، والإنسان الجليل المُقيم في وجدان الشرق أبداً. )
وفي كلا المقالتين نجده يتحدث عن الرؤى الجديدة والخلاقة التي جاء بها كلا الموسيقارين للقصيدة العربية والجملة الموسيقية حتى الطقطوقة كانت من الإبداع والقرب ما يفوق الخيال فلا موسيقا من دون منطق ولا منطقاً موسيقياً دون عاطفة تتلمس طريقها للقلب قبل الأذن و العقل
وتأتي أهمية هذه الدراسات كونها إضافة للمكتبة الموسيقية التي تعاني من قلة في الأبحاث النقدية التحليلة
ولم يخطُ شادي أحمد نحو هذا النوع من الكتابة إلا بعد أن جال كثيراً في بحر علم الموسيقا سواء كمتذوق أو دارس أو متخصص ومن هنا يبدو النقد الموسيقي الذي قدمه دليلاً على حرفيته ومعرفته بالمعنى واللفظ د.ك.والعبارة الموسيقية ليتم توظيفها في سياقها الصحيح من الدراسة ويحضرني في ختام هذا المقال العبارة التي استهل بها حديثه " عظيم الشرف لي أن نساهم معاً في نثر عبير الفن العربي الأصيل"