"بروكرست “هو شخصية في الميثولوجيا اليونانية لقاطع طريق وقاتل كان يعيش في أتيكا وهي منطقه تاريخيه عباره عن شبه جزيرة تضم حاليا أثينا عاصمه اليونان.
وكان لبروكرست طريقة فريدة في التعامل مع ضحاياه. فقد كان يستدرج ضحيته ويُضيّفه ويُكرِم وفادته، وبعد العشاء يدعوه إلى قضاء الليل على سرير من حديد صنعه بنفسه.
الغريب في صنعة هذا السرير أنه لا يلائم احدا ابدا، فاذا كان الضيف طويلا ضاق به، وإذا كان قصيرا أتسع عليه، ومن اجل فك هذه المعضلة خرج علينا بروكرست بحل عجيب غريب. فاذا كان الضيف قصيرا قام بتكسير عظامه ومط جسده لكي يلائم السرير، وإن كان طويلا يقوم بقطع قدميه او رأسه.
استمر بروكرست على هذا المنوال في قتل ضيوفه وسرقة اموالهم حتى حل عليه يوما ضيف يدعى ثيسيوس، كان بطلا اغريقيا مشهودا اخذ على عاتقه مهمة تنظيف البلاد من السراق والقتلة.
وهذه المرة بدلا من ان يقوم بروكرست بملائمة ضيفه على السرير قام ثيسيوس بالعكس، أي وضع بروكرست في سريره، ثم قطع رأسه لكي يتسع له السرير. فكان جزاءه من جنس عمله.
في هذه الأسطورة كان بروكرست يطبق معياره الوحيد للحقيقة، ألا وهو طول السرير الذي يطابق طول بروكرست نفسه وكل شخص لا يتفق طوله مع نفس طول السرير كان يعذب ويقتل.
وتنتهي الأسطورة عند هذا الحد، ولكن لا تنتهي المعاناة!
فإن تلك الشخصية الأسطورية لم تمت إلا جسدًا، أما روحها فهي حاضرة وبقوة في جسد مجتمعاتنا العربية.
أن مجتمعنا العربي يحمل سرير بروكرست معه في كل جلسة للحوار، ناسياً أنه كما لأقدامنا مقاسات فإن لأفكارنا مقاسات تأبي المط أو التشكيل أو القولبة!
إن بروكرست مازالت روحه سارية في مجتمعاتنا تجد روحه في رجال السياسة وكذلك رجال الدين والإعلام وتمتد روحه لتسكن المعلمين وأساتذة الجامعات فإما أن تتطابق أحلام الآخرين وأفكارهم وبرامج حياتهم مع أحلام وأفكار وبرامج هؤلاء، وإما أن يتم إخضاعها وتكييفها بالقهر والقوة البروكرستية.
في مجتمعاتنا نريد الأشخاص والأفكار والادب والفلسفة وحتى النظريات العلمية على مقاس سريرنا والا مصيرها جميعا القتل والتشويه.
لقد أصبح (بروكرست) على مر العصور مثالاً تلقائياً لكل من يجرك إلى زنزانة أفكاره، ومن يمارس عليك عمليتي القص واللزق قبل أن يحدد ما إذا كنت كفء أم لا.
تأصل هذا السلوك واقترن بـ (بروكرست) حتى تم اعتماد مصطلح (البروكرستية).
نعم لقد أصبحت البروكرستيه مصطلح مستخدم وترجمتها العربية هي القولبة الجبرية او احداث التجانس بين الناس بالعنف والاكراه بدون اعتبار للتنوع والاختلاف بين البشر.
انها طريقة غريبة في قتل الناس والأفكار!
ما لديك مختلف عما لدي إذا فليكن مصيرك القتل.
لا يُدرك كثرتنا أن للحقيقة أوجه مختلفة، قد لا تمثلها، لكنها قطعًا تعكس ضرورة اختلاف رؤيتنا.
أقول ذلك لكل من يجعل رأيه مقياسًا للحقيقة، معيارا للصواب والخطأ، القبول والرفض، والحب والعداء.
الحالة البروكرستية موجودة من حولنا، سواء في بيوتنا، عندما يحاول رب الأسرة قولبة الأبناء حسب مقاس قناعاته "وسرير" عقله. وفي مجتمعاتنا عندما يحاول كل طرف أن يثبت صحة أفكاره ومعتقداته بمجرد أنها متعارضة مع "سريره" العقلي. ولدى حكوماتنا أيضاً ذات السلوكيات، في تصريحاتها وإعلامها وسياساتها، فلا تروّج إلا لما يرضي رأس الدولة ويزيد من نرجسيته وتضخم ذاته، وتقمع وتشوه وتحاكم وتعزل الآخر المختلف، أكان فرداً أو جماعة، حتى ولو كان في قرار عقلاء الحكومة بأن وجودهم وتشجيعهم مفيد للحكومات..
خلاصة القول.. البروكرستية تمتد الى جميع نواحي الحياة، وقد تكون أنت أو أنا قد مارسناها، أو وقعنا ضحيتها، لذلك في المرة المقبلة حين تحل أي فكرة ضيفا على عقلك فحاول ان تعدل السرير لكي يلائم الضيف لا أن تقطع اوصال الضيف ليلائم سريرك
وان ما نراه اليوم صواباً ربما نغير قناعتنا به مستقبلاً،وبأن رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب،حينها نكون قد وضعنا أقدامنا على بداية الطريق الصحيح.