عمرو الزيات يكتب : إلى روح العلامة البيومي في مئوية مولده ( ٣ ) .. البيومي وجماعة الديوان

عمرو الزيات يكتب : إلى روح العلامة البيومي في مئوية مولده ( ٣ ) .. البيومي وجماعة الديوان
عمرو الزيات يكتب : إلى روح العلامة البيومي في مئوية مولده ( ٣ ) .. البيومي وجماعة الديوان
 
 
وإذا كان ما صنعه البيومي من الكشف عن شكري الناقد، ومن جمع لشعر شكري بعد رحيله دليلا على وفائه للرجل ولجماعة الديوان – فإن في إهداء الدكتور البيومي ديوانه الثاني "حنين الليالي" آيةً على اعتناقه مذهبهم الشعري من ناحية، واعتقاده الذي يرقى لمنزلة اليقين في ريادة شكري لهذا الاتجاه مخالفا بذلك ما يراه النقدة والمؤرخون من ناحية أخرى – وفي ذلك تفصيل ربما تناولناه في مقال تالٍ -  يقول البيومي في إهداء ديوانه الثاني " حنين الليالي" : "يقول الشاعر الكبير المغفور له الأستاذ « عبد الرحمن شكري » : و لا يعيش الشاعر مثل أكثر الناس مقبورا في الأحوال التي تحوطه ، بل إن شاعريته تقيه من عداء قتلى المظاهر، فإذا مات كانت الشهرة زهرة على قبره، فإذا لم تسعده شهرة هبطت روح الطبيعة عليه، تظله بجناحها، وتفرخ فوقه أبناءها الشعراء، تلك الأرواح التي تستمد الوحى من عظامه، وتسقيه دموع الرحمة والحنان ..
وإني لأهدى هذه الصفحات المتواضعة إلى روحه الصامت في عالم
الغيب، اعترافا بريادته السابقة في دنيا الشعر الأصيل."( )
ولم يكتف البيومي بالكتابة عن شكري والمساهمة في جمع شعره، ولم يتوقف الأمر عند مجرد الإهداء لروح شكري، كذلك لم يقتصر دور البيومي مع جماعة الديوان على هذا الجانب النظري والإنساني؛ بل إن للأمر جانبا تطبيقيا يتمثل في الإبداع على طريقتهم؛ بل إنه ليحذو حذوهم فيما يتعلق بقضايا الشعر، ولعل من أشهر مواقف وقضايا الشعر التي تعرض لها الديوانيون موقفهم من الشعر الحر، وما قصة العقاد وعبارته الشهيرة " يحول للجنة النثر للاختصاص " بمجهولة! نرى البيومي يعالج تلك القضية شعرا، ويوضح رفضه الشديد لهذا الضرب من القول، فها هو يستفهم مستنكرا:     
أشعر ما تقولونا    عجيب، كيف تهذونا ؟
أهان الفن عندكمو   فلاقي الذل والهونا !
 أنثر ذاك أم شعر    فكر الدهر ينسينا ؟ 
ولو نعتده نثرا         لكان النثر مغبونا
فكم في النثر معجزة   جلت وحى النبيينـــا 
وقد يسمو فينفعنا      بما يحي المنى فينا
وكم من ناثر يشدو      كطير في روابينا
 وأنتم دون ما خجل    تسلقتم شياطينــــا
 عليكم صحافتنا           لتظهركم بوادينا 
وقلتم شعرنا حرّ      قد استهوى الملاينا
ونسمعكم على مضض     فنستمع المجانينا   ( ) 
تلك القصيدة - في رأينا - هجمة بيومية ديوانية فاقت إلى حد كبير عنفوان العقاد وسخرية المازني في ذلك الكتاب الذي يمثل قمة ثورتهم على المذهب الكلاسيكي التي تبلورت في ذلك الكتاب صغير الحجم عظيم الأثر الديوان في الأدب والنقد.
ومن عجيب الأمر وغريبه أن تلك الأبيات السابقة وما تتسم به من ثورة وحدة وعنف تصدر عن تلك النفس الهادئة، ولقد عُرف البيومي بين معاصريه بأنه حسن الأخلاق عفّ اللسان؛ بيد أنها الثورة من أجل ما يعتقده الإنسان، وقد يموت المرء مدافعا عن فكر يعتنقه أو منهج يتبعه، " وأنت إذا استطعت أن تهدي الطبقة المتأدبة من أمة إلى القياس الصحيح في تقدير الشعر، فقد هديتهم إلى القياس الصحيح في كل شيء، ومنحتهم ما لا مزيد لمانح عليه. وإن الأمم تختلف ما تختلف في الرقي والصلاحية، ثم يرجع اختلافها أجمعه إلى فرق واحد: هو الفرق في الحالة النفسية أو بالحري الفرق في الشعور وفي صحة تمييز صميمه من زيفه إذا عرض عليها فكرًا وقولًا أو صناعة وعملًا. " ( ) 
دافع البيومي إذن عن فكر الديوان نثرا وشعرا، وساهم في نشر إبداعهم كما أسلفنا؛ فقد امتلأت نفسه حتى الكظة بشعر وفكر جماعة الديوان؛ فهو يوقن أن " للشعر العربي - على امتداد تاريخه الطويل - مدارس والجاهات، من أبرزها الاتجاه الذي يولى الجانب الفكري عناية شديدة، باعتباره إحدى قوى الإنسان الشاعر، وهي قوة متميزة فيه، ولعل من أبرز شعراء هذا الاتجاه قديما المتنبي، والمعري، وابن الرومي، وإخوان هذا الطراز ومن أبرزهم حديثا، العقاد وأصحابه، والاتجاه ليس بجديد على طبيعة الشعر عموماً والشعر العربي خصوصا، فكل الاتجاهات جداول تنبع من النهر الكبير، وكل شاعر وما أشرج عليه، فشعر العقاد فيه امتداد الجدول ضخم من الشعر العربي لعله أعمقها، وأشدها دفاعاً، ولعله في رأينا أفضل ضروب الشعر لأنه - إلى جانب تمثيل الفكر فيه - لا يغفل الوجدان ولا الخيال، وربما كان المزج الذي صنعه العقاد وأصحابه بين تلك القوى الإنسانية في الشاعر هو أبرز شيء صنعه هذا الاتجاه" ( )