أصل كلمة تابو أتى من لغات سكان جزر المحيط الهادئ، وتعني المحرم أو الممنوع، وقد تعني المقدس أحيانا، وهي تشير إلى الأشياء الممنوع على الفرد القيام بها من فعل أو قول؛ لأن هذا يطلق الأرواح الشريرة الموجودة داخلها (والفكرة موجودة تقريبا لدى كل الشعوب البدائية)، وكان الكابتن جيمس كوك أول من ذكرها ونقلها للغرب.
و من المؤكد أن لكل ثقافة من الثقافات المختلفة التابو الخاص بها، ولا يقتصر الأمر على التابوهات الثلاثة: الدين، الجنس، والسياسة.
فى رواية حجر الصبر للكاتب الافغاني عتيق رحيمي، تجده يتكلم عن تابوهات عدة، مثل الجنس والشرف والدين ورجال الدين والجهاد.
و من خلال قراءتك للرواية سوف تجد رحيمي واضعاً يده على المناطق الحساسة فى عقل وطبيعة المرأة المكبوتة جنسياً ، ومشاعرها وطريقة تفكيرها .
ولم يكن هذا فى أفغانستان فقط كما أوضح الراوي فى أول سطر " فى مكان ما في أفغانستان أو أي مكان آخر"
وأشار كذلك من خلال أحداث الرواية عن سلوك بعض المجاهدين غير الأخلاقي، مثل احتفاظ أحد المجاهدين بغلام لغرض متعته الشخصية.
وسوف نتصفح الرواية معاً، و نبرز بعض التابوهات التى سلط عليها رحيمي اضواءه الساطعة تارة والخافتة تارة أخرى.
تبدأ الرواية بوصف المكان الذي تعيش فيه الأسرة. البيت مكون من حجرتين و غرفة ثالثة بها بعض الأشياء الزائدة عن الحاجة.
الشخصيات البارزة فى الرواية ، الزوج والزوجة و بنتان وعمة الزوجة ، وفي ماضي أحداث الرواية الحمو والحماة وإخوة الزوج.
الزوج كان فى صف المجاهدين ، لكن اصابته بطلق ناري فى رقبته لم يكن بسبب الجهاد ، بل كان بسبب مشاجرة مع أحد المجاهدين فى معسكره، سبق أن سبه بأمه، و هنا يتهكم رحيمي على بعض طرق التفكير و التصرف.
الزوج يرقد على بساط شرقي، لا يتحرك ، لا يستجيب لأي مؤثرات، معلق بجواره كيس محلول متصل بوريد يده اليمنى.
الزوجة تبوح بكل مكنونات نفسها حتى بالاخطاء والخطايا.
من تابوهات الرواية ، رجل الدين "المُلّا" هو المسيطر دينياً وفكرياً على العامة من حوله.
بطلة الرواية تنفذ تعليماته بالحرف بدون أدنى تغيير أو تفكير .
نصحها المُلّا بترديد أسماء الله الحسنى على المسبحة كل يوم طوال النهار حتى النوم، بمسبحة ذي تسع وتسعين حبة ، ليسترد زوجها عافيته.
هنا السيطرة الدينية فى أشد صورها،حتى أن البطلة لا تدعو الله - الذي قال عن نفسه " أقرب من حبل الوريد"-بكل ما يجول فى قلبها و ذهنها.
فتقول " ما عدت أحتمل ، خائرة القوى من الصباح إلى المساء أتلو اسماء الله الحسنى ما عدت أحتمل ، مضى على هذه الحالة ستة عشر يوماً."
و لن يفوت رحيمي أن يسلط الضوء على رجل الدين- الذي يدعو للجهاد -ان يصفه بجملة على لسان زوجة المجاهد المصاب أنه جبان يخاف الموت ولا يحمل السلاح ، فتقول" لن يأتي المُلّا هذا اليوم.... يخاف من الرصاصات الطائشة ، كما أنه جبان مثل إخوتك"
بل انعدم استخدامها الطبيعي للساعة التي تحيط معصم زوجها، أصبحت المسبحة هي التي تقسم وقت النهار.
فتقول أيضاً" أيامي ما عدت اقسمها على ساعات ، ولا الساعات على دقائق.......
إن يوماً عندي يساوي تسعاً وتسعين دورة تسبيح".
تابو التدين الظاهري، زوجة هذا المجاهد المصاب كلما خرجت من البيت ترتدي الشادور الخاص بها.
و هنا ينتقد رحيمي حالة التدين الظاهري ، فالشادور رمز للعفة فى مجتمعات مثل إيران وأفغانستان.
ومع أن الزوجة علمت مبكراً في بداية زواجها أن زوجها عقيم ، وخافت أن يتركها . فحملت وأنجبت بنتين من غير زوجها ، ولم تستطع اتهامه بالعقم في مجتمع ذكوري ينكر هذا مطلقاً ، بل قالت لهم إنها تسمع عن شخص مبارك يعالج تأخر الحمل.
وذهبت إلى عمتها التى دبرت لها الأمر على زيارات عدة.
ينتقد عتيق رحيمي حمل السلاح ونتائجه على الاسرة، بعد إصابة الرجل فى عنقه تخلّت عنه أمه التى كانت تتغنى بحبها له، و تخلّى عنه إخوته ، وصارت زوجته وحيدة تعيل البنتين. تعنف الزوجة زوجها الراقد المصاب. تقول : " هل فكرت فينا للحظة عندما كنت تضع كلاشنكوفك اللعين على كتفك ؟ يا ابن ال....." و حبست الكلمة مرة أخرى.
تابو العلاقة الحميمية بين الزوجين ، يتداعى إلى ذهن الزوجة وقت انتظار زوجها المجاهد ، فهي تزوجته غيابياً ، وظلت زوجة لزوج غائب فى صف المجاهدين ثلاث سنوات .
بينما حماتها تحرس عفتها فى غياب البطل.
إخوته يتلصصون عليها من نافذة الحمام عندما تذهب للاستحمام .
تتذكر كل هذا وتتمزق داخلياً من مشاعر الألم والوحدة وتظل الذكريات تحوم حول رأسها وتقص لزوجها المصاب كيف كانت مشاعرها نحوه. فتقول:
-"عشر سنوات مضت على زواجنا غير أني لم اشاركك فى شيء إلا أخيراً"
-"لم اقبّلك من قبل قط"
-" كنت اريد ان افعل كما يفعلون فى الافلام الهندية ، كنت خائفاً، ربما ، هذا صحيح ؟ تسأله لاهية، نعم كنت خائفاً؛ لانك لم تكن تعرف كيف تقبّل فتاة"....
خاتمة
لم يتكلم رحيمي عن حجر الصبر إلا في منتصف الرواية ، ذكره فى اعتقاد والد المجاهد، أن هناك حجراً كريماً تبوح له بكل أخطائك وخطاياك ، حتى ينفجر ويتفتت ، فتنال المغفرة.
وبالعودة للزوجة، اعتبرت زوجها المصاب حجر صبرها و باحت بكل ما باحت به ، حتى قام الزوج المصاب من رقدته منفجراً وهجم عليها و قتلها .
وهي أيضاً طعنته بالخنجر المعلق على الحائط طعنة نافذة فى عنقه أدت به إلى الموت.
الروايةكلها مأساة المرأة في بعض المجتمعات ، كما تبين من خلال الأحداث حتى النهاية المأساوية للزوجين.