د.مريم المهدي تكتب : انقلاب الرأي العام الأمريكي ضد الدعم المطلق للكيان الصهيوني في حرب الابادة الجماعية في غزة
* مأزق واشنطن بدعمها المطلق للكيان الصهيوني باسم ( حق الدفاع عن نفسها) في حرب غير متكافئة وضد القوانين الدولية والمواثيق الإنسانية :
مع أنَّ الدعم الكامل الذي تُبديه الولايات المتّحدة لإسرائيل – في الحرب الهمجيّة التي تشنّها منذ نحو شهر على قطاع غزّة- لا يُمكن تبريرُه من منظور أخلاقيّ أو حتّى من منظور سياسيّ واقعيّ للعلاقات الأميركية- الإسرائيلية، فإنّه لا يتناقض مع إحدى الحقائق التاريخيّة للصراع الفلسطينيّ- الإسرائيليّ، وهي أنَّ الدعم الحالي الذي تُقدمه إدارةُ الرئيس جو بايدن لإسرائيلَ وازدواجية المعايير السياسية والتاريخية والانسانيه موروث لبايدن على غرار أسلافه من الرؤساء الأميركيّين السابقين.
مع ذلك، فإنّه على مرّ المنعطفات التاريخية في القضية الفلسطينية، نادرًا ما كانت الولايات المتحدة تجد نفسها عاجزةً إلى هذا الحدّ في ممارسة نفوذها وتأثيرها، كما هو الحال عليه في الحرب الراهنة. لقد مضت خمسة عقود على حرب أكتوبر التي بدت فيها واشنطن بمثل هذا العجز؛ عندما أدّى دعمها لإسرائيلَ إلى فرض حظر نفطيّ عربيّ عليها. لا تواجه الولايات المتّحدة اليوم خطر التعرّض لحظر نفطي عربي آخر، لكنّها قد تواجه ما هو أسوأ من ذلك.
وعلى الرغم من الإيحاءات التي يُرسلها المسؤولون الأميركيون بأنّهم يمارسون ما يكفي من الضغط على إسرائيل لحملها على تجنّب استهداف المدنيين في غزة، واحترام قواعد القانون الدوليّ والإنسانيّ في الحرب، فإنّه لا يوجد على أرض الواقع ما يُمكن أن يدفعنا تصديق ذلك.
* إنَّ المقترحات الأميركيَّة- على غرار "الهدن الإنسانيّة"، وإيجاد ترتيب لغزّة بعد حماس، علاوة على أنّها مُصممة لمساعدة إسرائيل في مواصلة حربها على غزة بضغط إقليميّ ودوليّ أقلّ- تُظهر كيف أنَّ الولايات المتّحدة عاجزة عن بلورة رؤية فعَّالة قادرة على التعامل مع الأسباب الجوهرية العميقة لهذا الانفجار.
رغم أن الولايات المتحدة تُحمّل حركة حماس مسؤولية الحرب، فإنّ الأخيرة طرحت الرؤية التي كان ينبغي على الأميركيين منذ فترة طويلة طرحها، وهي السلام على أساس حلّ الدولتين. وإذا كان هناك من فرصة يُمكن لواشنطن من خلالها إعادة تنشيط حل الدولتَين، فإنَّ الفضل في ذلك يعود للصدمة التي أحدثتها حركة حماس في عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر. على مدى العقود الماضية، فشلت الولايات المتحدة في رعاية عملية سلام جدّية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وحرب أكتوبر الجديدة لم تكن سوى إحدى نتائج هذا الفشل
* آثار الدعم الأمريكي المطلق للكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني والحل الوحيد لإنهاء الاستمرار في الابادة الجماعية وترحيل اهل غزة من ارضهم :
إنّ اثار السياسة الأميركية في هذه الحرب الغير متكافئة لا تؤدي فقط إلى زيادة عدوانية الحرب الإسرائيليّة تجاه الفلسطينيين، بل تعمل أيضًا على إضعاف فرص إنهاء هذه الحرب في أسرع وقت، وضياع أي فرصة لبناء أو إعادة تنشيط عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وزيادة الكراهية بعد هذه الإبادة الجماعية الوحشية والتهجير القسري لاهل غزة إلى الجنوب ثم إلى سيناء لتصفية القضية الفلسطينية مما يؤدي إلى صراعات وتحويل منطقة الشرق الاوسط الى قنبلة موقوتة قد تؤدي إلى حرب عالمية لتشابك وتعارض المصالح الدولية في المنطقة بما فيه من دمار للاقتصاد العالمي وفناء للأرواح.
إنَّ الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها الولايات المتحدة إجبار إسرائيل على التوقّف عن ارتكاب المجازر اليومية بحقّ الفلسطينيين، الامتناعُ عن مواصلة تزويدها بالأسلحة، وليس إعطاء النصائح لها، وهذا ما لا يُمكن توقّعه بأي حال من أي إدارة أميركية. مع ذلك، فإنَّ الموقف الأميركيّ، اليوم، يُجسّد سنوات طويلة من الفشل في إدارة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. لعقود، كانت الولايات المتحدة عاجزةً عن ممارسة نفوذها على إسرائيل من أجل دفعها إلى قَبول حلّ الدولتَين، وأيضًا ردعها عن مواصلة الاستيطان
رغم أنّ إدارة الرئيس السابق باراك أوباما يُسجل لها دفع مجلس الأمن الدوليّ في عام 2016 إلى إصدار قرار يحثّ على إنهاء المستوطنات الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينية، فإنَّ خلفه دونالد ترامب أوغل بعد ذلك في تشجيع العدوانيّة الإسرائيلية من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوريّ المحتل، وتسويق مشروع صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينيّة تمامًا.
* انقلاب الرأي العام الأمريكي ضد الدعم الأمريكي المطلق للكيان الصهيوني في حرب الابادة الجماعية لأهل غزة وسقوط القناع عن جميع المؤسسات الأمريكية التي استمرت لعقود تقدس الكيان الصهيوني :
لعقود طويلة تعاملت كافة مؤسسات الدولة الامريكية مع الكيان الصهيوني على أنه منزه ولا يحق لأي أحد انتقاده ولو تلميحا , والا ستلاحقه على الفور لعنة اتهامات (معاداة السامية والتعاطف مع الإرهاب ), وينتهي مستقبله السياسي او المهني علي الفور. ان هذه المنظومة الرسمية تهاوت مع اندلاع حرب الابادة الجماعية في غزة .
كان من اللافت أن يشارك يوم السبت الماضي بالعاصمة واشنطن نحو نصف مليون أمريكي في مظاهرة مندّدة باستمرار العدون الإسرائيلي على قطاع غزّة، فيما وصفه المنظّمون بأكبر احتجاج مؤيّد لفلسطين في تاريخ الولايات المتحدة . وبالتوازي شهدت ايضا مدن امريكية كبري من أقصى الشرق في ولاية نيويورك إلى اقصى الغرب في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا , مظاهرات مماثلة شارك بها عشرات الآلاف غالبيتهم ليسو من الأمريكيين العرب اوالمسلمين كما يروج اليمين الامريكي , اذ ضمت الاحتجاجات شباب امريكي ابيض من طلبة الجامعات والكثير من الملونين من أصحاب البشرة السمراء و أولئك المنحدرين من أمريكا اللاتينية و المعروفون في امريكا ب" الهيسبانيك"
*حجم القتل في الحرب الدائرة الآن في غزّة جعل الاحتجاجات أكثر قوةً وغضبًا وتأثيرًا في فئات المجتمع الأمريكي : _
التحول حقيقي وعميق ومهم في الدولة الاكثر دعما للكيان الصهيوني منذ 1948 , والتي يتفاخر قادتها , بدءا بالرئيس الامريكي ومرورا بوزير خارجيته وصولا لغالبية أعضاء الكونجرس من نواب وشيوخ , أنهم "صهاينة"يدعمون ذلك الكيان ظالما كان او مظلوما , بناء على سردية المظلومية التاريخية وما تعرض له اليهود على يد النازي إبان الحرب العالمية الثانية.
* الاعتراف بعدالة القضية الفلسطينية
بالطبع هذا الادراك المتنامي في اوساط النخبة الامريكيه , وكذلك في الأوساط الشعبية, بعدالة القضية الفلسطينية لم يبدأ بحرب غزة الاخيرة , حيث انه قد سبقتها جولات حروب مماثلة في السنوات الاخيرة قتل فيها جيش الاحتلال آلاف الفلسطينيين لكن حجم القتل في الحرب الدائرة الان في غزة واتساعه على مدار الساعة واليوم , بلا اي استثناءات لمدارس ومستشفيات او مخيمات ايواء اقامتها الامم المتحدة, والعدد الهائل من الاطفال الابرياء والنساء الذين يموتون بقنابل تزن الواحدة منها ألف كيلو جرام, جعل الاحتجاجات هذه المرة أكثر قوة وغضبا وتأثيرا في فئات المجتمع الامريكي .
* أهمية التظاهرات التي تسبق قرب بداية انطلاق حملات الدعاية للانتخابات الرئاسيه الامريكيه القادمة :_
وما زاد من اهمية هذه التظاهرات والاحتجاجات الدائرة في الولايات المتحدة أنها تسبق بشهور بداية انطلاق حملات الدعاية للانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في نوفمبر القادم من العام المقبل , والتي ستشهد غالبا جولة منافسة شرسة بين كهلين , الأول الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن والثاني , الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترامب .
* اثر رفض الرئيس جو بايدن مطالبة اسرائيل بوقف إطلاق النار في غزة:_
ورغم هذا الإدراك المتنامي والتغير الكبير والملحوظ في الرأي العام الأمريكي , على الاقل من ناحية بروز أصوات مؤيدة لفلسطين بشكل واضح وغير مسبوق , فان المعركة مع المؤسسات الحاكمة في أمريكا ومن يسيطرون على وسائل الاعلام التي تسعى لصياغة الراي العام الامريكي , ستبقى شديدة الشراسة والضراوة , فالعدد القليل من اعضاء مجلس النواب (18 من بين 435) الذين تجرأوا ورفضوا القرار الذي صدر بعد أيام من اندلاع الحرب بإعلان ( الدعم المطلق ) للكيان الصهيوني وحقه في " الدفاع عن نفسه" , يتعرض لهجوم شرس ومطالبات بإسقاط عضويتهم في المجلس , وعلي رأسهم بالطبع النائبة الامريكية من اصل فلسطيني "رشيدة طليب ", وكذلك الهان عمرو , والكسندرا كورتيز. بينما المأزق الحقيقي الذي يواجهه الرئيس جو بايدن الان من المتظاهرين ضده في شوارع المدن الامريكية لانهم من أنصار حزبه الديمقراطي , والذين هددوا صراحة بأن موقفه القاطع من رفضه مطالبة اسرائيل بوقف إطلاق النار يدفعهم الى عدم التصويت لصالحه في انتخابات العام المقبل.
أن امتناع الشباب الأمريكي والناخبين من أصول ملونه من الذهاب الى صناديق الاقتراع يعني حتما التقليل من فرص بايدن في الفوز, في وقت كانت فرصة متساوية إن لم تكن أقل في البقاء بمنصبه لمدة اربع سنوات اضافية, بسبب الانقسام القائم في المجمع الامريكي عموما بين المحافظين والليبراليين بشأن العديد من القضايا المحلية , مثل حيازة السلاح والإجهاض والإنفاق الحكومي علي البرامج الاجتماعية لحماية الفقراء , الي جانب تقدمه في العمر, وشكوك الكثير من الامريكيين في قدرته على الوفاء بمهامه
* وبجانب التهديدات للاقلية من النواب الأمريكيين الداعمين للإنسانية وضرورة وقف جنون القتل الجماعي الذ ينفذه جيش الاحتلال في غزة , يتعرض الكثير من الصحفيين العاملين في المؤسسات الكبرى لتهديدات مباشرة بالفصل او الايقاف عن العمل لمجرد كتابة تغريدة علي "اكس" او فيسبوك تطالب بوقف الحرب , او حتى اعادة مشاركة صورة او عمل اشارة اعجاب لمنشورات الاخرين . وكانت آخر الضحايا الكاتبة صاحبة الجوائز في مجلة نيوزويك تايمز", جاسمين هيوز , والتي تم اجبارها على الاستقالة قبل ايام بعد توقيعها لبيان يطالب بوقف الحرب , كما قامت مؤسسات أمريكية ثقافية وفنية بإلغاء محاضرات ومناسبات كان من المقرر تنظيمها لان المتحدثين الرئيسين فيها كانت لهم مواقف معلنة تنتقد الحرب في غزة .
* وفي ظل اجواء الاستقطاب الحالية فان كل شعار او يافطة يتم رفعها في المظاهرات المؤيدة لفلسطين في المدن والجامعات الامريكية تخضع للرقابة اللصيقة من قبل " اللوبي الصهيوني " فرفع لافتة "من البحر الى النهر" .." الحرية لفلسطين " , تعني بالنسبة إليهم انكار حق الكيان الصهيوني في الوجود والاتهام فورا بمعاداة السامية , والترحم على الشهداء الابرياء من العزل , يعني دعم الارهاب وتنظيم حماس الذي يتم
وصفه في دوائرهم بأنه أسوأ من "داعش"
* كلمات أوباما، حتى لو بدت لنا مائعة، فإنها تمثّل تغيّـرًا غير مسبوق في الواقع السياسي الأمريكي :_
وحتى الرئيس الأمريكي السابق " باراك أوباما " كان عليه أن يمسك العصا من المنتصف والحرص التام في تصريحاته التي تسببت في تعرضه لهجوم من من كبير اليمين الأمريكي لمجرد قوله" انه على الأمريكيين النظر إلى الحقيقة الكاملة لما يجري في فلسطين " اوباما صدم اللوبي الصهيوني ايضا عندما اشار " الى انه مثلما يجب ادانة هجوم حماس وقتل المدنيين في المستعمرات القريبة من غزة فإنه يجب ايضا ادراك ان الاحتلال وما يتعرض له الفلسطينيون أمر لا يمكن تحمله لافتا الي انه مقابل انتشار معاداة السامية , فإن الحقيقة هي انه هناك اناس يموتون الان من من دون ان يكون لهم صلة " بحماس " .