كان لدي كلام كثير، كلمات بليغة، جمل منسّقة و جاهزة، حتى النية في الصراخ كانت لدي، و لكنني مثل كل مرة، فقدت صوتي، راقبت مضي اللحظة و أنا صامتة ،، ذاب الصمت بين صدي صرخات افكاري التي لا ترغب في ان تخرس عيني ..مرهقة لأني أقف طرف ذكرياتي ولحظاتي الحلوة وبدلا من..تلفت خلايا رأسي لأني أفرط في البكاء دون الحاجة لأن تهطل أن أقع بين يداه ويسورني انا ابتعدت جدا عنه ووقعت ضحية قلق تحول الأرق ..انا علي هاوية الفرص التي ايضا تصرخ وتذكرني انها ستنقذ ..ما حيلة قلبي؟ّ!
من سيقنع عقلي ؟! لماذا تتكرر كل الأمور تزيد فيها من هشاشتي ..لماذا تتفق علي الخيبات والأماني الغير مكتملة وانت؟ تعب الكلام ومللت العتب وانتهت قواي وخارت روحي ..بربك كم مني لتختار ان تهجره؟ واذا عدت ماذا تتوقع ان تجد من يدان كسرتها انتظاراتها ليداك ! اين صدقك لماذا لا اراه بين افعالك كما في نوتات صوتك .؟ كان الأمر أشبه بحلم مزعج استيقظت منه مبكرا وقبل فوات الآوان عبثا كنت أحاول معك ملء فراغات الألم التي خلفها غيابك.
المقطوعة الاولى_
تنتاب الكاتبة لحظات مؤلمة تعيد بها الذاكرة الى الماضي الحافل بكلام موجع ، بليغ ، وجاهز النطق ؛ هذا يدل على الجمل المكبوته والعاجزة عن العزف على اوتار حنجرة فاضت بالتأفف ، الونين ، الهمس ، والصرخة التي تصارعها حينا ، ولكنها تتردد في العزم والتصميم ، فهناك يلازمها الضمير ويوشحها بالخجل في رسم المصير . يطرح النص ترادف الارادة _ النطق _ واللاارادة _الصمت_ ، ويفضي كذلك بوجود العثرات وارتعاش الشفتين في زفر ما كان سابتا بين خلجات النفس . يفشي النص عن : الوجع ، الكبت ، الغليان الداخلي . زاوجت الكاتبة بين اللغة البصرية واللغة الصامتة : فكلاهما يترقبا اللحظة الزمنية بين الشد الذهني ، الجسدي والتحول الزمني في رسم خارطة ذاتها . اعقبت صمتها بعلامات تؤجج النظرة الثاقبة للمتلقي كي يتعاطف مع لحظة الصمت والبحث عن شفرة النص ، والتحول الى فكرة جديدة متسلسلة ضمن الخط البنيوي للنص . اعقب ذلك تحولا حسيا من الصمت الى الصرخة الفكرية الرافضة لمواراة العين : توافق اللغة الفكرية واللغة البصرية ، وهذا ما يعطي تحولا ايقاعيا زمنيا ولفظيا ضمن أطر النص البنائية . ارهقتها الذكريات واللحظات الجميلة ..شغلها تفكيرها .. فتراها مشحونة الطاقة السلبية ..مرهونة باللحظات .. متسارعة الايقاع ..صوت صامت يهدر من بواطنها .. تترصد .. تتراقص نظراتها ..تشوبها الهواجس بين الارادة الحاضرة وسياقات الماضي .تترك الكاتبة مساحة فارغة في طرف جملتها لجذب انتباه المتلقي لملؤها وفق رؤيته الفكرية والبصرية . تفرط في بكاء صامت حارق الجفنين ، تغرق فيها اشاراتها البصرية دون الحاجة للانهمار ، والوقوع بين يداه وتسوره لها . تكتم دموعها لئلا ان ترتمي بين يديه ؛ فهي لا ترغب ان تهزه الدموع عاطفيا وفي لحظة آنية . تستشعر الكاتبة بالموقف العاطفي من خلال الادراك الذهني للواقع الذي يحيط بها. تستخدم الكاتبة حالة التداني والتفادي ؛ وهذا ما يتعاطى وحركة الدلالة داخل البنية النثرية . جنت من بعدها عنه القلق الذي تتضافر فيه العناصر السلوكية والجسدية والادراكية لاحداث حالة من عدم الارتياح وتحوله الى الارق الناجم عن الضغط النفسي ؛ وهذا ما ينشأ تحولا نفسيا يزيد من الاداءات الايقاعية للجمل النثرية ؛ يشير كل ذلك الى ما تعانيه الكاتبة من صراعات واضطرابات نفسية تؤثر على تكوين الصورة الذهنية والرؤية البصرية لها. اما المقطوعة الثانية فقد حفلت بالاستفهام التعجبي والانتقال من اللحظة الآنية الى اللحظة المستقبلية القريبة ؛ احداث حركة زمنية لهذا التساؤل. تبحث .. تقلب صفحات الزمن .. تنغمس افكارها في نوبات من الاغماء النفسي .. يأخذها الدوران في سيرها .. تحبو على هواجسها ؛ انه القلق وجنون الفكر والعقل . تكرر لفظة _لماذا_ للدلالة على قوة الانفعال النفسي والبحث عن العلل التي تسبب لها الهشاشة والتي تتخذ منها الكاتبة دلالة رمزية لفقدان الاصالة الفكرية والمناعة الذاتية للكاتبة في مواجهة العاتيات . تتساءل ولم تكمل تساؤلها للآخر كي تعطي مساحة للقارىء في اكمال مايراه متعاطفا معها ، والبحث عن العلل المطمورة في ترسبات الفكر اللاشعورية . لم يثمر كلامها ، عتابها ، هزلت قواها ، اصاب احساسها الخدر ووهنت روحها ؛ كل هذه الملامح تدل على ان الآخر فاقد الاحساس والرؤية العقلية ، لايبالي بالذي يجري لها. تحولت من الملامة الى القسم المردوف بالكم الاستفهامية لاختياره الهجر ؛ فما بين الفعل _الهجر _ ورد الفعل _ التوقعات _ بعد العودة اليها . استخدمت الكاتبة اداة _ التعجب!_ كدلالة لولادة حدث غير متوقع ردا على هجرانه ؛ وهذا ما يفتح للمتلقي قراءات وتوقعات تكسر افق توقعه . تصحرت يداها من لمساته..احساسه .. شعوره .. رشفة انامله .. شهقة كلامه، كل ذلك يبعث عن عدم الرضا . اخذت تتساءل عن صدقه ، من هذه اللحظة.
بدأ الصراع بين الكذب والصدق ؛ اي ان الكاتبة استخدمت الطباق اللفظي السلبي ، وهذه الثنائية تزيد من الايقاع اللفظي للنص وتضفي عليه تحسنا بلاغيا يعزز جمالية النص النثري. استوطن الصدق بين السمعي _ نوتات الصوت _ والمرئي _ رؤية الافعال ؛ وما نجم عن ذلك انبلاج دلالة جدية من عدم الرضا . بات كل الامر اشبة بالحلم استيقظت منه قبل مضي الوقت ، ويصبح متعذرا : اي توطن الحدث بين اللاشعور _ الحلم _ والشعور _ اليقظة _ . حاولت قبل الاوان ان تملء فراغات الالم التي خلفها غيابه . كان النص يتحث عن غياب الذات التي تركت فراغا مؤلما وحضور الذات الاخرى التي ارادت ملء هذه الفراغات . دار الحوار النثري بين من أدبر، ومتدبر ؛ بين متغرب ومترقب ، بين مبحر المسافات ومتبصر الرؤية والفكر .