كيف سعير الحرب فيكم ؟ كيف موتكم ؟ كيف اللّه ؟ كيف قبوركم ؟ يقولون أنّ شهداءكم ألوف مؤلّفة وجحافل وعواصم وأنهار ! أنا لا أصدّق ! أنتم أكثر وأكبر وأوسع من أن تنوء بكم أرقام أو أسماء أو أحداث أو عناوين أو أكفان! يقولون أيضا أنّ كلّ حبّ ناقص ، مهما عانق الهِمم والقمم ورنا لأنْ يكتمل لأنّ لحظته التّامّة مختومة في الأبديّ ، كذب المنظّرون ولو صدفوا ! حبّنا لكم يا أفلاذ الأقصى هو كامل ، لأنّ دورة الفراق والحقّ والحلول فيه تامّة ، لأنّه غير مرويّ أو مشفيّ، ولأنّه مغلق على طيننا المشقوق منذ بدء البدء و الكتابة عليْه لا تمّحي . نحتاج أنْ نعانقكم يا أسياد سيّدة الأرض عناقا حريقا ممتدّا حتّى نخاع السّماء ، ونتْرُك عندكم كلّ شيء، نضمّكم بلا كباح أو بَراح ، نضمّكم ملء القهر والحلق والطّوب ، ملء العالم السّاقط تحْتكم عدوانا ودماء
يا وجعا يطوّح في الأشداق والأحداق والأعماق ! يا دمع الزّيتون والنّخيل اليمانيّ الملتهب في الأشواق ! يا ربْوة في جِنين ! يا غزّة الجنائز الموشّحة بالزّغاريد والأنين !! يا وجه الحرّيّة خَلْف الدّماء والمفتاح والرّاحلين ! يا وجه التاريخ الخائر بين صياح البارود والثّكالى والجَنين ، السّاعة حَنَّت وجُنَّت ، فلْيسجُد التّاريخ ! فليسجد التاريخ للشّهيد !
ناموا في سلام يا شهداء الحقّ والثّبات ! ناموا وقدْ أمنتْم تماما، وسعِدتْم حماما وسقطَتْم في الأبد! الربّ منتش بكم حتّى البكاء لأنّكم أحببتم الوطن حبّا قضاء! معارج النّور تنفسح أمامكم، شهيّة عفيّة جذّابة الذروات كاملة الغواية والقداسة والنّهايات. اصعدوا فيها بقوّتكم الخفيّة الخاشعة في الجمال المُبجّل بلا خطر أو تهديد أو وعيد حتّى إذا حملكم الربّ إلى غيمته حدّثتمونا عن رقصة الكمال والاكتمال التّي لا تتمّ إلّا بالنّذر الأخير!
انظرونا يا شهداء الطوفان! العالم تحتكم ضئيل وحيوان، فاجر الرّوح والخنوع والتواطؤ والخذلان والِعمدان، ودماؤكم آيات ترفرف في الأثير بلا سجّان ، ذكيّة ، نضرة ، سنيّة ، فوق، فوق الفوق، هناك . تفنى في نُقطة يتيمة خالصة منعقدة في جلبة الضّوء اسمها حرّيّة وجنان.