أخبرنا صديقنا الكاتب الكبير الدكتور علي زين العابدين الحسيني أنه شرع في إخراج كتاب عن أستاذه الأجل الأستاذ الدكتور محمد رجب البيومي، كما أنبأنا أنه سيضم إلى عمله العظيم هذا بعض المقالات لطائفة من الكتاب، ومن نبل الرجل وعظيم أخلاقه أنه اعتبرنا ممن يجب أن يكتبوا عن العلامة البيومي رحمه الله وطيّب ثراه.
وإنه ليسعدنا أن نلبي دعوة صديقنا لأمرين: أولهما مكانة الشيخ البيومي العلمية والأدبية؛ فالكتابة عنه شرف يسعى إليه العقلاء من الناس، وثانيهما تلبية وإكراما لصديق أديب وكاتب ومترجم نحترم قلمه، ونحرص على صداقته.
إن الدكتور الحسيني ليضرب أروع الأمثلة في الوفاء لأساتذته وشيوخه، وهو صنونا في إجلاله للشيوخ الذين تعلمنا منهم، نتخذ من وفاء الرجل لأساتذته قدوة نسير عليها، ونحن نزعم أن ما يفعله الدكتور الحسيني من الإشادة والتنويه بفكر العلامة البيومي خطوة عظيمة سوف يذكرها التاريخ ويقف أمام صنيعه طويلا؛ فله الجهد الأكبر والسبق الأعظم حين قصّر جلّ تلاميذ البيومي ومريديه؛ بل ولم تحتف به مؤسسة كانت شاهدة على ميراث الرجل التليد، وكانت – ومازالت – أولى بنشر فكر ابنها الذي لا يُذكر إلا وذُكرتْ معه بكل إكبار وإعظام، ولا ندري سرّ هذا الموقف العجيب من جامعة الأزهر؛ بيد أننا نحمد الله أن من بين أبناء تلك الجامعة العريقة من ينهض بهذا الجهد العظيم، والدكتور الحسيني من هذا الفريق الذي جُبل على الإنصاف ورفع الغبن عن المغبونين، وتلك – لعمري – أسمى غاي الحياة.
وأُراني – الآن في حيرة من أمري - كما يقول دكتور الحسيني – متأثرا بأستاذه - : " إنّ وراء كلّ كتابة عن شخصية من الشخصيات أمرين يضيق بهما (الكاتب) ذرعًا: شخصية متوسطة الإنتاج ومعلومات عنها قليلة تقصر عن تجلية حياته، وشخصية عظيمة الإنتاج المعرفي ومعلومات متوفرة تزيد عن قدرة الباحث وإمكانياته، فهو في هذه الحال يحاول - إن تشجع - أن يلخص من حياته أهمها وأجلها، وقد يبلغ وقد لا يبلغ، هكذا أخذت هذه الفائدة عن أستاذي الأكبر محمد رجب البيومي بمعناها لا بلفظها، وباتت الشواهد تؤكدها." ( )
ولما كان البيومي – رحمه الله – من إخوان هذا الطراز، وهو شخصية عظيمة الإنتاج المعرفي فإننا سنحاول فيما يلي من سطور أن نسلط الضوء على جانب من أهم الجوانب في مسيرته الأدبية، وهي علاقته بجماعة الديوان وروادها.
الإخلاص للعلم والأدب شيمة من شيم العظماء خصوصا حين يؤمن المرء بمنهج أو فكرة، يدافع عن تلك الفكرة باذلا كلّ جهد من أجل أفكاره وما يؤمن به.
آمن البيومي بفكر الديوانيين ودورهم في تجديد الشعر، واعتنق فكر رواد الديوان عموما، بيد أنه كان شديد الإعجاب بالشاعر الكبير عبد الرحمن شكري خصوصا، وليس البيومي – رحمه الله - بالظل ولا التابع؛ بل إن له نصيبا كبيرا من النظر والفكر، وهو يزن الأمور بميزانها الصحيح دون محاباة أو تحيّز؛ ولم يمنعه إعجابه بتلك الجماعة من الاختلاف معهم في كثير من الأفكار، وتلك سمة كبار النفوس.
وفي مقالته عن الشاعر الكبير عبد الرحمن شكري في كتابه من أعلام العصر لبرهان على هذا الإيمان؛ بل والحرص الشديد على وصلهم يقول عن شكري: " وقد أخبرتُ تلميذه ومريده الوفي الأستاذ نقولا (يوسف) برغبتى فى هذه المقابلة، والأستاذ نقولا رقيق الحس، نبيل الشعور، فلم يشأ أن يقول إن ظروفه الشخصية والمنزلية لا تتيح اللقاء على وجه سريع، بل قال إنه سيرعى إنجاز هذه المسألة متى سمحت الأحوال." ( )