د. محمد فتحي عبد العال يكتب : هوامش على دفتر أحوال مصر .. الحلقة السابعة

د. محمد فتحي عبد العال يكتب : هوامش على دفتر أحوال مصر .. الحلقة السابعة
د. محمد فتحي عبد العال يكتب : هوامش على دفتر أحوال مصر .. الحلقة السابعة
 
-الفرعون الصغير: ورثته ولعنته
جاء اكتشاف هوارد كارتر موقع مقبرة توت عنخ آمون في4 نوفمبر 1922م ثم دخولها في 16 فبراير 1923م  بدعم مالي من اللورد كارنافون كحدث عالمي كبير جعل من مصر محطا للأنظار وقد اعتبر الملك فؤاد هذا الاكتشاف فأل خير مع إعلان مصر مملكة مستقلة في نفس العام في 15 مارس عام 1922م. الطريف هو استخدام شركة سجاير "ماتوسيان"  لاكتشاف مقبرة توت عنخ أمون في الترويج للتدخين وجوائز لمدخنيها تصل إلى أربعة آلاف جنيه مصري ..
إذا ذكر هذا الكشف لابد وأن ترتبط به لعنة الفراعنة ..الطريف أن إنكار هذه المسألة جاء مبكرا ومن هوارد كارتر ذاته ففي حوار  مع مجلة المصور المصرية بفندق الكنتنتال نشرته المجلة في عددها 285 بتاريخ 28 مارس 1930 م وصف لعنة الفراعنة بالخرافات السخيفة وأن لاوجود لها حتى في أساطير قدماء المصريين وأن مثل هذه الأخبار الملفقة تسىء لمصر وقد تسبب عزوف السياح عن المجىء لها ويحكي واقعة طريفة حدثت له بأحد  المحافل في لندن حيث تحدث أحد الأشخاص عن هذه اللعنة وسرد أسماء الشخصيات الذين طالتهم لعنة المقبرة فسأله كارتر عن ما حدث لمستر كارتر ؟! وكان الشخص يجهله تماما فاندفع قائلا "أنه لقى حتفه قبل اللورد كارنافون بستة أسابيع" فضج الحضور بالضحك ..الجميل في الحوار أيضا استبعاد كارتر لوجود قبر الإسكندر الأكبر تحت مسجد النبي دانيال ..
كنوز مهولة خرجت أمام أعين العالم ويعود الفضل في تأمينها وحمايتها من العبث والسرقة لمرقص باشا حنا وزير الأشغال ..
رافق الحدث أيضا أغنية منيرة المهدية  "ما يجبش زيي إن لف الكون..إحنا أبونا توت عنخ أمون" من كلمات محمد يونس القاضي كما غنت نعيمة الصغيرة  "قوم هات لي بدلة لازم تكون
لونها بديع توت عنخ آمون" ووضع أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة لهذا الحدث الاستثنائي يقول فيها : 
"يُضيء حجارةً، ويضوعُ طينَا
يُخالُ لروعة التاريخ قُدَّت
جنادله العُلا من «طور سينا»
وكان نزيلُهُ بالملْكِ يُدعى
فصار يلقَّب الكنز الثمينا
وقُومَا هاتفين به، ولكن
كما كان الأوائل يهتفونا
فثم جلالة قرَّت، ورامت
على مرِّ القرون الأربعينا ".
على الجانب الآخر ظهرت حالات حول العالم تطالب بما أسموه "إرث توت عنخ أمون " ففي سبتمبر 1932 ظهر في  مصر مواطن يدعى "إثناسيوس بقطر" من مدينة الواسطى بني سويف. أرسل  للعديد من  الدوائر والجهات العليا في مصر مطالبا بإرثه من الملك الراحل لقبا وممتلكات  باعتباره الوريث الوحيد لحضرة صاحب الجلالة الملك توت عنخ آمون وكل ما خلفه الملك توت من ممتلكات يؤول إليه بموجب هذه القربى  وأن  تتم مناداته ب"صاحب السمو الفرعوني"، وأن يُباح له وحده "حق الإقامة في أي معبد من معابد آلهة أجداده الفراعنة، ليحيي فيه شعائرهم وعباداتهم" مهددا بالصوم حتى تجاب مطالبه جميعا دون إبطاء !!.
في نفس التوقيت أيضا وبحسب مجلة الدنيا المصورة  في 26 أكتوبر 1932  فقد وصل إلى  مدير المتحف البريطاني خطابين تحت نفس العنوان "إرث الملك الفرعوني الراحل "..الخطاب الأول من مواطن إنجليزي، اسمه چ. ل. ستيوارت، يعيش في بلفاست كتب فيه: "أقرر لكم أنني الوريث الوحيد للملك المصري الشاب توت عنخ آمون، وبناء على حقي الأكيد في ذلك الميراث، أرجو أن تبادروا لحفظ ما تحت أيديكم لحين حضوري لتسلمها، بعد إثبات شخصيتي ونسبي للملك".
 
أما الخطاب الثاني فكان من   سيدة إدعت أنها زوجة الملك توت   بتناسخ الأوراح وراحت تصف حياتها الخيالية وسط أبهة الملك بقولها: "طول الوقت أشعر أنني غريبة في الجو الذي أعيش فيه، ويخيل لي أنني كنت أحيا بين الخدم والجواري والعبيد، يقومون على خدمتي وعبادتي، وما إن رأيت صورة الملك حتى عادت إلى الخواطر الغامضة وتذكرت أنني كنت زوجة ذلك الملك الجميل، وأنه طالما داعبني وناداني بمعبودتي".
 
* د. محمد فتحي عبد العال 
كاتب وباحث وروائي مصري