عندما طلقت مصر نفسها من الملكية، تقدم لها الشاب الثائر جمال عبد الناصر، وعلى غرار نعمة والبيه في افواه وارانب، اوحي لها انها قريبة من مقام الهوانم، ولا فرق بينها وبين سيدات القصور. هيا يا "نعمة" انهضي، الجامعة تستقبلك، والمناصب تحق لك، فارتبكت نعمة وقالت بشفاه مرتعشة:
- بس يا بيه الناس مقامات، والدنيا طبقات.
- مفيش فرق بين الناس يا نعمة، ومن بكرة تطلعى على قصر الهوانم، تمددي رجلك على الحرير، وتسرحي شعرك في المراية الكريستال (طالع الصورتين).
لم يمهل القدر عبد الناصر فرصة الهناء بالزيجة، فرحل، وترك لها سقف الطموح مفتوحا، وتعاظمت احلام "نعمة" وراح حلم القصر ومرٱة الهوانم تطاردها، ولكنه العوز المالي، والف ٱه من العوز والفقر.
تقدم للزواج من نعمة احد شباب القرية، وكان يرى انه الاحق بنعمة، ولكنها قسمة القدر.
لم يكن بيد انور ما يقدمه لنعمة سوي المزايدة على ميراث ناصر الذي لم يكتمل من ناحية التنمية والمصانع الحربية وصناعة السيارات، وباع القطاع العام لينفق عليها، وراح يزغلل عينين نعمة بالمستورد الانفتاحي، ورمي في حجرها اللبان تشيكلتس، والشامبو والصابون ابو ريحة، ولكن العوز استمر.
اضطرت "نعمة تنزل تشتغل في البيوت، تارة في بيت الليبي وتارة في بيت الخليجي، وتارة في بلاد الفرنجة. انشغل انور بالتيارات الاسلامية، ولم تكفه زعامة الحرب والسلام، فذهب للحج ليصبح" ٱبا الحاج" ولما عاد انور من الحج لم يرسم على واجهة الدار الكعبة والمركب والطائرة، ولم يكتب ايات الحج كعادة اهل قريته، فاختصر الطريق وكتب على دارة "العلم والايمان".
ارتدت نعمة الشيفون والمزركش وتعطرت بالكولونيا المستوردة، واشترت فيديو G10 وامضت الليل تستأجر شرائط الفيديو من نادي الفيديو تحت العمارة، ولم يعجبها اثاث بيتها، فراحت" تنسف حمامها القديم"، وتتحايل على شقتها الفقيرة بتزيين الموبيليا بالاويما الرخيصة لتبدو كالقصر وساعدها في ذلك بتاع الاويما عبد الرحيم عمرو.
تسببت نقلة الالافرنجا في حياة نعمة في تحريك نفوس فتيات القرية وبنات عمومتها، فقمن بتكفيرها واتهامها بالتبرج الفج وخططن لهجر القرية تحت دعاوى التككففير والهجرة.
مرة اخرى، تدخل القدر فضاع من انور متعة لقب الحرب والسلام، وانفرطت سبحة العلم والايمان الى ان غادر المشهد.
تقدم العريس الجديد، ولم يكن يملك من الكاريزما ما يكفي لسد ابواق السخرية من فرط بساطته، ولم يكن لديه ما يقدمه مهرا لنعمة، فراح يؤكد انه صاحب اول طلعة جوية، وراح يقتسم لقب بطل الحرب.
ماذا عن مؤخر الصداق والقايمة يا مبارك؟
لم يكن لدى مبارك شيئا يقدمه سوى مترو الانفاق واصلاح عدد التليفونات، وراح يستكمل وعود التنمية بوهم" المسطرين" والمسطرين هو عدة عامل البناء الذي يغرف به الاسمنت ويفرده فوق قوالب الطوب.
ظلت نعمة مع كل طلعة صباح ترى مبارك يضع حجر الاساس وهو عبارة عن مونة ومسطرين على رصة طوب احمر ورخامة تشبه شاهد القبور، ولم ترى نعمة من عشرات الوعود مصنعا او مدرسة ولا حتى متحف.
لم تتحمل نعمة المزيد من هجر زوجها لفراش التنمية، فالالتهاب الكبدي C متمكن من ثلث اولادها، وباظت مدارس العيال، ونشفت صحتهم، وهو قاعد في شرم الشيخ.
حدثت نعمة نفسها وسألت: طب لغاية امتى؟
لازم قضية خلع ...
بالطبع، الزوج والزواج هنا تعبيران مجازيان، لتوضيح ان صلب المشكلة يكمن في تجاهل الاب تهيئة اطفاله لقبول الزوجة الجديدة قبل ان يدخلها بيته، فلم نر من رؤساء مصر من يقدم تفسه ويشرح اهوائه وايدلوجياته كما فعل الرئيس السيسي.
الحلقة القادمة "نعمة في المحكمة" وما بعد الخلع، وكيف جاء العوض من ابنها البكر الذي يرعاها ولم تعد بحاجة للزواج من جديد.
بقلم ودماغ وشهادة د. بهي الدين مرسي