ونحن نتابع المشهد الرائع لتفاصيل ما يحدث على طاولات الحوار الوطني ، يكفيني ويسعدني الإحساس بالتفاؤل والرضا بمنح جلسات الحوار الفرص الرائعة لأن نتعرف على أهالينا في الأحزاب الوطنية المصرية وفكرهم وطموحاتهم السياسية بتنوع كنا ننشد وجوده على أرض المشاركة الوطنية ، بدلًا من اتهامهم بأنهم أحزاب كرتونية ، وبعد أن كنا نفتتح منتدياتنا السياسية وبرامجنا التايفزيونية بأن نطرح ذلك السؤال المهين باستظراف ممجوج مثل : مين يقدر يقول لنا اسماء أربع أحزاب فقط من بين أكثر من مائة حزب لدينا ، ويرد الظريف الأخر عبر أحاديث مملة مكررة " يا إخواننا ده كل اللي عنده أوضه فاضية عمل بيها حزب " .. وهكذا كنا نتبادل وصلات التهكم الخايبة دون أن نسأل أنفسنا السؤال الأهم " وهل وجدت تلك الأحزاب الفرصة للعمل على الأرض ولم تشارك كي تنمو فعالياتها وتكون قادرة على توسيع مساحات فعل أحزابها لتصبح غرفتين وصالة بمنافعهم ؟!.. فكل الشكر للحوار الوطني ، ويا أحزابنا لديكم الفرصة للمشاركة والتفاعل الوطني والسياسي على كل طاولات الحوار ....
أذكر بالمناسبة ، أنه و عقب نشوب حادث طائفى شهير فى الزمن المباركى ، تنادى أهل الحل والربط وعُقد اجتماع على وجه العجل حضره وجهاء نخب الكتابة و أشاوس التنظير " المُناسباتي " ، و خرج المجتمعون على إثره بـ 26 توصية ( أي والله 26 توصية ) من بينها 15 توصية موجهة للحكومة و6 توصيات للصحافة والإعلام ، أبرزها تجريم الخطاب الطائفي و4 توصيات للمؤسسات الدينية وتوصيتان للأحزاب السياسية ، أوجز البعض منها فى المحاور التالية :
الأول : على النخب التى يجب أن تدير حوارًا فيما بينها أن يتواصوا بالحق ، وأن يكون لديهم وعي بخطورة الاستخدام الطائفى حتى يعود الجميع إلى جادة الصواب ..
الثاني : الرادع المؤسسي بما يعني ضرورة تفعيل مواثيق الشرف الصحفي وتوقيع جزاءات على الخارج عن هذا النهج من النقابات..
الثالث : الصحافة المصرية لم تكن على المستوى المطلوب في معالجاتها المتوالية لأحداث النزاعات الطائفية عندما تناولت موضوعات مثل الأسلمة والتنصير كوسيلة لإحراز تنويعات صحفية غير مسبوقة ، وبعد عقد من الزمان أو يزيد من عقد اجتماعات تلك المكلمات والكتابات ، ازدادت على الأرض وتيرة المحاربات الطائفية والمذهبية المتصاعدة من حالة دعم الكراهية إلى ممارسة العنف والمواجهات الغبية الإرهابية الخطيرة على أساس اختلاف الهوية الدينية والمذهبية !!!
وعليه ، وحيث أي من وسائل تفعيل تلك التوصيات لم تجد من يدفع بها إلى دوائر العمل الوطني الجاد والحقيقي ، نأمل أن نستثمر وعد من طالب بإقامة " حوار وطني " بأن كل مخرجات وتوصيات الحوار سيوافق عليها الرئيس بقدر ما هو متاح لسيادته من صلاحيات ، والدفع فيما هو خارج عن تلك الصلاحيات إلى جهات التشريع والإنابة عن الشعب والحكومة ..
أعود إلى الحديث عن الفكر الطائفي الممجوج ، ولعله من المناسب التذكير برد الرئيس عبد الفتاح السيسي على الصحفي الذي أشاد بروعة الظهير الشعبي المساند لسيادته ، فبادره الرئيس أنه مهتم بوجود ظهير فكري لتنمية الوعي وإصلاح الخطاب الديني ، بل وطالب الرئيس بالقيام بثورة ثقافية لتصويب سبل استخدام كل قوانا الناعمة في بناء دولة وبناء إنسان ..
بقدر سعادتي كمواطن مصري بإحياء المناقشة حول موضوع إنشاء مفوضية لعدم التمييز ، وجدارة المنصة في إدارة الحوار حول مشروع كان ينبغي إنجازه في أول دورة برلمانية وفق ما جاء في الدستور ، إلا أننا مازلنا في انتظار تفعيل ومناقشة تأسيسها ، بل وكيف الوصول إلى إصلاح الخطاب الثقافي والديني والإعلامي ؟ ... كيف السبيل لمواجهة الفكر الظلامي والاعتراف بوجوده المؤثر الذي تم تربيته في أحضان نظم وحكومات في الداخل والخارج على مدى ما يقارب القرن من الزمان ..
ولعل من القضايا التي نحلم أن تناقش على طاولة الحوار الوطني ، الإجابة على السؤال : كيف السبيل لإعادة كتابة التاريخ المؤكد لدعم الهوية والمؤسس لبناء حاضر غير مشوه ، والداعم لحلم بمستقبل يؤهلنا للحضور الحضاري الذي نستحقه ..
ونذكر ــ على سبيل المثال ــ مسألة تجاهل اللغة وتناسي الوجود القبطي في المناهج الدراسية وإسقاط 6 قرون كان حضور المواطن المصري القبطي هامًا ورائعًا ، وكان ينبغي دعم مؤسسات الدولة العلمية والتعليمية لإنشاء أقسام في كل الجامعات للبحث والتدقيق في الإضافات الفكرية والعلمية واللغوية والحضارية للعصر القبطي .. ومعلوم اهتمام كثير من الجامعات ومراكز البحث التاريخية في العالم بالتناول العلمي والحضاري لتلك الفترة !!
يتم تقديم علم القبطيات كجزء أساسي من دورة الدراسات الشرقية أو كدرجة مزدوجة مع علم المصريات في الجامعات التالية : جامعة برلين الحرة ، جامعة غوتينغن ، جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونخ ، جامعة مونستر ، جامعة جنيف ، الجامعة الكاثوليكية الأمريكية وغيرها من مراكز البحوث في العالم ..
جاء في مقال هام للكاتب والشاعر والمفكر المصري العتيد أحمد عبد المعطي حجازي بجريدة الأهرام تحت عنوان " القبطية لغتنا .. والعربية أيضًا ! " .. كتب " الدراسات القبطية لا تهم العلماء المختصين فيها وحدهم ، ولا تهم المسيحيين المصريين فحسب ، وإنما تهمنا جميعا مسلمين ومسيحيين ، مختصين وغير مختصين ، مثلها مثل الدراسات الإسلامية والدراسات الفرعونية التى تتناول جوانب أخرى في مراحل حضارية عاشت على أرض المحروسة ومراكز أبحاثها "..
ويشير " حجازي " إلى أن اللغة العربية الدارجة التى يتكلمها المصريون مزيج من عناصر عربية ومصرية، وعمارة المسجد متأثرة بعمارة الكنيسة، والخزف الفاطمى امتداد للخزف القبطى، والتصوف الإسلامى متأثر بالتصوف المسيحى المصرى..
نعم ، اللغة القبطية هى لغتنا الأم أو لغتنا الأصلية، لكنها أصبحت الآن لغة ميتة لا تستخدم إلا فى الصلاة مثلها مثل اللاتينية، فالذين يدعون لإحيائها واهمون، والذين يتبرأون منها متعصبون، فإذا كان موت القبطية يحول بيننا وبين استخدامها فى حياتنا اليومية ونشاطنا العقلى، فهو لا يحول بينا وبين دراستها، وليس مفهومًا أن يهتم العالم بالقبطية وأن نتجاهلها نحن وننساها، وإذا كنا ندرس السريانية والحبشية والسواحلية فى جامعاتنا، فالقبطية أحق بهذه العناية وأولى..