حسني حنا يكتب : سقوط القسطنطينية The fall of Constantinople

حسني حنا يكتب : سقوط القسطنطينية The fall of Constantinople
حسني حنا يكتب : سقوط القسطنطينية The fall of Constantinople
" من هنا مر الأتراك، فأصبح كل شيء خراباً "
* Victor Hugo
 
 
كان سقوط القسطنطينية ، عاصمة الإمبراطورية البيزنطية واحدا من أبرز الأحداث في التاريخ ، ليس على صعيد المنطقة ، بل على صعيد العالم أجمع.
 بنيت القسطنطينية في منطقة القرن الذهبي على البر الأوروبي ، المطل على مضيق البوسفور ، الذي يربط البحرالأسود بالبحر المتوسط ففي. عام (336) اختار الامبراطور الروماني قسطنطين الكبير هذا الموقع لبناء عاصمته (روما الجديدة) وأسماها (القسطنطينية ) وقبل ذلك بخمس سنوات في مؤتمر نيقيا Nicaea أعلن قسطنطين المسيحية ديانة رسمية للامبراطورية . أما مواطنو القسطنطينة، وبقية أنحاء. الامبراطورية الرومانية في الشرق ، فقد عرفوا بكونهم روماناً ومسيحيين ، يتحدث معظمهم باللغة اليونانية وليس اللاتينية. 
وقد كانت الامبراطورية البيزنطية تشمل بلاد الأناضول، وسوريا ومصر وشمال أفريقيا امبراطورية مزدهرة ،بسبب موقعها الجغرافي بين الشرق والغرب تنعم بحكم اداري قوي ، واستقرار سياسي وثروة كبيرة ،كما كانت أعظم وأكبر وأغنى مدن أوروربا، وكان لها دور كبير في انتشار المسيحية. وفيها بنى الامبراطور تيودوسيوس الثاني أول جامعة في العالم.
كما كان من أشهر أباطرتها جوستنيان ،الذي أصدر مجموعة قوانين عرفت باسمه. وهو من أمر ببناء كنيسة أيا صوفيا، جوهرة فن العمارة البيزنطية، وأجمل وأكمل صرح ديني في العالم ... 
 
 
محاولات العرب المسلمين احتلال المدينة
حاول العرب المسلمون طوال ثمانية قرون احتلال مدينة القسطنطينة، وكانوا يفشلون في كل مرة، نظرا لموقع المدينة، وقوة تحصيناتها، وببسالة المدافعين عنها. وكانت أهم تلك المحاولات في عهد الخليفة الأموي معاوية عام ( 669م) وفي عهد سليمان بن عبد الملك (ت 717م). 
 
 
أصل الأتراك العثمانيين وفصلهم
موطن الأتراك الأصلي هوا قليم تركستان غربي الصين وما جاوره ، وقد عُرفوا لأول مرة في القرن الثالث عشر للميلاد عندما فروا من موطنهم الأصلي امام زحف المغول ...
 والأتراك هم بد و آسيا، عاشوا على رعي الأغنام والخيول . وقد أخذ الأتراك العثمانيون اسمهم من جدهم  (عثمان بن أرطغرل) الذي حكم بين عامي (1299 - 1329م) وهو الذي اسس سلالة حاكمة ، حكمت الدولة العثمانية الأكثر من ستة قرون.
 وقد استطاع العثمانيون بمساعدة أقربائهم السلاجقة التوسع في اراضي الدولة البيزنطية، إلى أن تمكنوا اخيراً من إسقاط الامبراطورية البيزنطية، واحتلال عاصمتها مدينة القسطنطينة عام (1453م) أي من نحو (570) عاماً. 
 
الامبراطورية البيزنطية  وحروب الفرنج
شكلت حروب الفرنج في الشرق وبالأ على الإمبراطورية البيزنطية. وكانت حملة الفرنج الأولى نحو الشرق (1095 - 1099) قد مرت بمدينة القسطنطينية، وقامت بالكثير من أعمال القتل والتخريب والنهب والسلب فيها.
 وفي حملة الفرنج الرابعة (1202 - 1204 م) احتل الفرنج المدينة التي استسلمت في شهر نيسان/ أبريل من عام (1204م) وقد قاموا بنهب المدينة . وقتل العديد من سكانها. مما فاقم الانشقاق الكبير بين الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية وعاصمتها مدينة القسطنطينية ، والكنيسة الكاثوليكية الغربية ، ومقرها الفاتيكان في روما. وفي تلك الاثناء نهب الفرنج كنيسة آيا صوفيا المقدسة، وكان ذلك الاحتلال هو اول احتلال للمدينة في التاريخ، والذي استمر الى عام (1261م) وكان هذا الاحتلال الطويل قد أضعف المدينة وخفض عدد سكانها الى نحو (40) ألفاً فقط . وكان ذلك من أهم العوامل التي سهلت سقوط المدينة بيد العثمانيين بعد نحو قرنين...
 
 
 محاولات العثمانيين احتلال المدينة
 كان العثمانيون في نهاية القرن الرابع عشر قد سيطروا على معظم أراضي الامبراطورية البيزنطية . واتخذوا من مدينة أدرنة القريبة من القسطنطينية عاصمة لهم، وقد حاصر السلطان العثماني بايزيد الأول المدينة، لكن اضطر إلى رفع الحصار والسير الى ملاقاة المغول قرب انقرة. وفي عام (1451م) تولى عرش آل عثمان ( محمد بن مراد) الذي عرف باسم (محمد الثالي).
 
 
 دوافع احتلال القسطنطيلة 
 كان الدافع الديني أحد أهم تلك الدوافع ، إضافة الى تخلي الغرب عن مساعدتها ، مما شجع العثمانيين على مهاجمة المدينة الحصينة، التي كانت تقف سداً في وجه توغل العثمانيين في اوروبا. وكان الضعف الذي اصاب المدينة جراء دخول الفريج اليها من العوامل المشجعة للعثمانين على مهاجمتها. إضافة إلى سعي العثمانيين لتحويل دولتهم الى دولة كبرى ..... 
 
 
حصار القسطنطينية
 قام السلطان العثماني (محمد الثاني) الملقب بـ (الفاتح) ببناء قلعة على الجانب الأوروبي من مضيق البوسفور سميت (رومللي حصار ) في مواجهة أسوار القسطنطينية المنيعة ، حتى تكون قاعدة ينطلق منها لمهاجمة المدينة ، وزرع الشاطئ بالمدافع الضخمة وبالمنجنيق لتدمير السفن الحاملة للمساعدات للبيزنطيين، وتمت له السطيرة على مضيق البوسفور.  وقد كان للخيانه دور في تلك الأحداث، وقد تعهد مهندس مجري يُدعى (أوربان) لمحمد الثاني يصنع مدفع عملاق لهدم أسوار المدينة ، وكان وزن ذلك المدفع يقارب(700 طن) . كانت قوات الحصار العثمانية ضخمة جداً ، وقد عمل العثمانيون بسرعة ، إذ كانوا يتوقعون وصول مساعدات عسكرية أوروبية للبيزنطيين . وقد استمر حصار المدينة (54) یوماً کاملاً (من 6 نيسان / أبريل الى 29 أيار / مارس) من عام (1453م) وقعت فيه خسائر كبيرة للطرفين. 
 
 
أحداث غريبة 
كانت هناك احداث غريبة واكبت الحصار ، ففي ليلة (22 أيار / مارس) حصل خسوف كامل للقمر، عد نذير شؤم وبعد ذلك تغطت المدينة بضباب كثيف، وبعد انقشاع الضباب في المساء لاحظ كثيرون ضوءاً غريباً يتلألا على قبة كنيسة آيا صوفيا! ...
 
 
 الزحف الكبير
 أزمع السلطان العثماني (محمد الفاتح) على احتلال القسطنطينية ،فزحف بجيشه وبالانكشارية ، والجنود المتطوعين والطامعين بالغنائم ، وقد بلغ عددهم نحو ( 270 ) ألف مقاتل من المشاة والراكبين ، وبرفقتهم المدافع الضخمة ، ومشوا جميعاً إلى القسطنطيلية ، التي وصلوا إليها يوم الثلاثاء في 3 أيار/ مارس من عام (1453 م). 
كان الهدف الذي يختبئ وراء كل الأهداف، هو الحصول على الأرض والثروة والنساء والأطفال . وليتم التحضير للخطوة التالية، وهي غزو واحتلال أوروبا.
 ويذكر المؤرخون أن عدد المدافعين عن المدينة بلغ نحو (40) ألف مقاتل، هم البقية الباقية من جيش امبراطورية عظمى. وقد كانت أوروبا في ذلك الحين منقسمة على نفسها في صراعات سياسية ففرنسا وانكلترا في حرب المائة عام (1340 - 1433 م ) وكانت تلك المنازعات والحروب في صالح العثمانيين، ويمكن أن نضيف الى ذلك الانقسام الحاد بين الأرثوذكس والكاثوليك.
 
 
سقوط القسطنطية 
 سقطت القسطنطينية بيد الأتراك العثمانيين يوم الثلاثاء في (29 نيسان / أبريل من عام (1453م)، وتوقفت أعمال القتال، بعد أن استمات اهلها في الدفاع عنها.
 و يروي المؤرخ (ليوناردو دي خيوس ) الذي عاصر سقوط المدينة تلك الأحداث ويقول :
"ما کادت الشمس تُنهي نصف مسيرتها ، حتى كان الأتراك العثمانيون قد استولوا على المدينة، وبعد أن أخذ الكثيرون الغنائم، اغتصبوا النساء والفتيات الصغيرات، وانتهكوا حرمة الصبية الصغار، ودنسوا الراهبات ، وطرحت الأيقونات المقدسة على الأرض ، وفوقها عربدوا ، وقاموا بأعمال الدعارة, وسط عويل الامهات وصراخ الاطفال. وجثث الرجال تملأ المدينة المنكوبة ... كنائس مدمرة، أيقونات محروقة ، رؤوس مقطعة ، أشلاء مبعثرة برك من الدماء تملأ الشوارع، ونساء متشحات بالسواد ، يبكين بحرقة على رجال وأولاد سقطوا صرعى في ميدان الشرف.
 وفي كنيسة (ايا صوفيا) هرع الآلاف ، أمام صيحات الجنود الأتراك المنتشين بحمى النصر، إلى هذا المكان المقدس واقفلوا الأبواب الضخمة، لكن الاتراك حطموا الأبواب بالفؤوس ، واقتحموا الكنيسة، وقتلوا الكثيرين، و استولوا على الغنائم ، وسبوا النساء والأطفال وساقوهم للبيع في أسواق النخاسة ، واستولوا على الصلبان المرصعة بالجواهر، والكؤوس الذهبية ، ثم حطموا جميع ما وجدوہ داخل الكنيسة.
 وكان السلطان العثماني قد استباح المدينة لمدة ثلاثة الامام وقام بتحويل كنيسة آيا صوفيا الى مسجد ،وأزال العثمانيون الصلبان والرموز الدينية والتماثيل، وطمسوا لوحات الفسيفساء Mosaic الرائعة بالجبصين. ويروي المؤرخ (إدوارد شيبرد كريسي) في كتابه (تاريخ العثمانيين الأتراك) ان كل أهل القسطنطينية تحولوا الى رقيق وعبيد ثم بيعهم في مدينة (أدرنة) وما حولها . وقد وصف السلطان وجيشه وصفاً مروعاً ، لا يمكننا عرضه هنا.
ويقول المؤرخ الأمريكي (ويل ديورانت ) في كتابه (قصة الحضارة ) : " قتل المنتصرون الآلاف حتى توقفت كل محاولة للدفاع . ثم بدأت أعمال السلب والنهب والأغتصاب في ثورة من الشهوة لا تعرف التمييز".. وفي القصور الإمبراطورية تم الاعتداء على الأميرات ، وضمهن الى حريم السلطان. ووضع العثمانيون الاسرى على الخوازيق، ومعهم كل الحاميات ، وكل من دافع عن المدينة. 
 
تداعيات الحدث
 لقد كان ضياع القسطنطيلة ضياعاً ضاع معه مسيحيو الشرق ، الذين لم تقم لهم قائمة بعد ذلك . وقد أدى ضياع الكنيسة البيزنطية  فيما بعد الى قتل نحو مليون ونصف مليون من الأرمن المسيحيين ، ونحو مليون من السريان والكلدان والآشوريين واليونان، ومن ثم ترويع المسيحين في اوروبا الشرقية، وإجبار الكثير منهم على اعتناق الإسلام، ولا ينسى المسيحيون إلى اليوم، ولن ينسوا ما حدث لهم من مذابح في مدينة حلب عام (1850) وفي دمشق عام (1860) حيث قتل الآلاف منهم ونهب بيوتهم وتدميرها واحراقها والاستيلاء على أملاكهم، والنيران لم تخمد إلى اليوم لأن الجمر مازال تحت الرماد ، وهو قا بل للاشتعال عند النفخ فيه ، وهذا ما حصل في سوريا ولبنان والعراق مؤخراً.
 
 وفي الختام نقول:
لقد شكل سقوط القسطنطيلة خاتمة المحاولات الاسلامية ، لضم هذه المدينة الى دولة الخلافة التي بدأت زمن معاوية، واستمرت في العهد العباسي، وتحقق ذلك في العهد العثماني. وهي التي كانت تشكل عائقاً أمام الاتراك للوصول إلى قلب اوروبا ... وهناك مقولة يونانية  (رومية) عن القسطنطينية تقول: إن قسطنطين الأول بناها، وقسطنطين الحادي عشر خسرها ، وقسطنطين آخر سوف يستردها.