من النادر اليوم العثور على فنان تتحقق فيه الشروط العامة التي تصنع منه فنانًا للشعب وما يدعو للتعجب أن هذه الندرة تزداد في أيامنا هذه لدرجة وصلنا فيها إلى حد الجفاف باستثناء حالة وحيدة نحتفل هذه الأيام بعيد ميلاده الثاني والثمانون، إنه الفنان القدير عادل إمام الذي استحق بعدل لقب فنان الشعب لكونه استطاع النجاح المتواصل مع القدرة على التأثير والإدهاش لجيله وما بعد جيله من أجيال، وربما تحضرني مقولة فلاح مصري كنت جالساً معه في عام 1985م وتحدثنا سويا عن الفن والفنانين إذ كان مغرماً بأفلام السينما حيث قال لي: لو وضعوا صورة عادل أمام الفوتوغرافية 24 ساعة على شاشة التليفزيون لن نمل منه على الإطلاق!.
إنه أحد القادمين من الخلف، لم يكن يملك سوى حلم في ظروف سياسية واجتماعية ونفسية صعبة تعصف بمصر في ستينيات القرن العشرين ولا تساعد على تحقيق أي حلم، ولكنه فعلها حين لم ييأس عندما بدأ تنفيذ خطة تحقيق حلمه من القاع حتى صار على القمة كأبرز وأقوى عمالقة المسرح والتليفزيون والسينما المصرية.
ولد عادل أمام في 17 مايو/أيار 1946بقرية "شها" مركز المنصورة بمحافظة الدقهلية. انتقل إلى حي الحلمية بالسيدة زينب بمدينة القاهرة صغيرًا حيث كان والده موظفًا بأحد المصانع الحكومية. حصل على بكالوريوس الزراعة في جامعة القاهرة. وبدأ مسيرته الفنية كممثل يعرفه الجمهور في العام 1966بفيلم مراتي مدير عام.
وعن بدايات الفنان عادل إمام الفنية وبداية ظهوره يقول الفنان رشوان توفيق أنه كان قد تخرج من معهد الفنون المسرحية عام 1960م مع عدد من زملائه ومنهم أحمد توفيق وعزت العلايلى وتم تعيينهم مديري استديو مع بداية إنشاء التلفزيون، وتقدم الثلاثة باقتراح لتأسيس فرقة مسرحية من خريجي معهد الفنون المسرحية الذين يعملون بالتلفزيون، على أن يتم تصوير هذه المسرحيات وعرضها بالتلفزيون وأعجبت الفكرة الدكتور عبدالقادر حاتم وزير الإعلام وقتها، وكانت بداية نواة لتكوين مسرح التلفزيون، التي تم فيها الاستعانة بالمخرج والفنان السيد بدير، فأنشأ 3 فرق مسرحية مكونة من 45 ممثلا وفي الموسم الثاني زاد عدد هذه الفرق إلى 7، وانضم إليها عادل إمام وصلاح السعدني واختبرهما المخرج حسين كمال وحينها كنا نقدم مسرحية "ثورة قرية" التى كتبها عزت العلايلى وقام عادل إمام فيها بدور بياع عسلية، يحمل صينية ويرتدى جلابية وكالسون فلاحي، وكان بمجرد دخوله للمسرح تهتز القاعة بالضحك، وكان يقول فيها جملة واحدة وهى " حلاوة سمسمية بمليم الوقية" بطريقة أداء مميزة لفتت إليه الأنظار. مما جذب إليه المخرجين والمنتجين وليقع عليه الاختيار لأداء شخصية دسوقي أفندي فى مسرحية "أنا وهو وهى" عام 1963م، ثم شخصية هيكل أفندي في مسرحية أنا فين وإنتي فين ثم بدأ يتلقفه مخرجي السينما في أدوار صغيرة وثانوية بداية من فيلم مراتي مدير عام 1966م وحتى عام 1970م في فيلم المراية والذي قام فيه بدور حمدي.
موت عبد الناصر وضياع حلم النجومية:
عاش عادل إمام أثناء محاولة تحقيق حلم نجوميته أصعب ظروف مرت بها مصر وكان لها أكبر الأثر في انكسار طموح شباب تلك الفترة خاصة في مرحلة النكسة وما بعدها، وعلى الرغم من قبول عادل أمام التحدي، ومواصلة مشواره رغم التحديات، مات جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970م، كان موت عبد الناصر اشبه بطلقة الرصاص التي اغتالت احلام الكثير من الشباب في احراز أي تقدم نحو تحقيق أحلامهم فهاجر منهم الكثير وتركوا مصر، في هذه الأثناء كان عادل امام قد ارتبط بصداقة قوية بالفنان سعيد صالح والفنان أحمد ماهر تيخة الذي كان اقربهم لبوابة النجومية لكنه كان أقربهم أيضاً لليأس في تحقيق حلمه بعد وفاة جمال عبد الناصر فهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وشارك في افتتاح استوديو سينما بها.
قرار الهجرة الحاسم:
في لقاء لي مع الفنان سعيد صالح بمكتبه بشارع السودان عام 2005م قال لي: كنا أنا وعادل أمام نعمل كثيراً في أدوار ثانوية ( سنيدة يعني ) وظروف البلد كانت حرجة للغاية، خاصة بعد وفاة الزعيم جمال عبد الناصر، الناس نفسها انكسرت واصبحت غير متقبلة لمشاهدة الأعمال التي كانت تقدمها السينما أو يقدمها المسرح قبل النكسة والتي كان طابعها الغالب أعمال هزلية مثل "شنبو في المصيدة" و"العتبة جزاز" و"عماشة في الأدغال"، الناس كانت رافضة إنها تتفرج على أعمال مشابهه لتلك الأعمال، كنا تقريباً ( مش لاقيين ناكل ) وكانت أخبار أحمد ماهر تيخا من أمريكا بتقول أنه كويس ومبسوط فقررت انا وعادل أمام نشتري تذاكر سفر ونهاجر لأميركا عند احمد ماهر تيخا وبالفعل جهزنا نفسنا وكان باقي على ميعاد السفر اسبوع ليفاجئنا سمير خفاجي بفرصة تدفعنا للتفكير في قرار الهجرة!
مدرسة المشاغبين وبداية النجومية:
في ذلك الوقت عام 1971م كان الفنان عادل إمام محسوباً على فرقة فؤاد المهندس أما سعيد صالح فقد كان محسوباً على فرقة عبد المنعم مدبولي وقد عرض عليهما سمير خفاجي العمل في مسرحية مدرسة المشاغبين التي ألفها علي سالم لكن بسبب مسألة الهجرة لأميركا رفض عادل أمام الدور وقال إن شخصية بهجت الأباصيري يغلب عليها الطابع الدرامي، بينما الضحك محصور فى شخصية سعيد صالح وقال وقتها متهكما: كان المفروض ترشحوا شكري سرحان للدور، ولما كان جلال الشرقاوي هو مخرج العرض فقد غضب غضباً شديداً وتحدث مع سمير خفاجي الذي أقنع عادل أمام بإجراء بروفات لمدة اسبوع وإن لم تعجبه الشخصية فليترك العرض ويهاجر لأميركا كما ينوي، وبالفعل حضر عادل إمام بعض البروفات خلال أسبوع، غير أنه بعد انتهاء الأسبوع، أكد للشرقاوي أنه لا يري أى كوميديا فى دور بهجت الأباصيري، ليعتذر مرة ثانية عن المسرحية، ولكن بدبلوماسية شديدة يتدخل سمير خفاجي وينصحه بالموافقة عليها، لأنه يرى في دور بهجت الأباصيري نقطة انطلاق حقيقية لعادل إمام، وبالفعل يوافق عادل أمام على القيام بالدور فقد كان يحترم سمير خفاجي ويثق في رأيه ويحقق العرض نجاحا غير طبيعي، لدرجة أن هذا العرض - بعد أن قرر التليفزيون عرضها -كان له الدور الرئيس في هدوء الشارع المصري يومي 18- 19 يناير 1977م وكان ذلك الترمومتر الحقيقي لنجاح كل أبطال العرض نجاحاً جماهيرياً منقطع النظير لدرجة تناول ( أفيهات ) هذه المسرحية بين الناس حتى يومنا هذا وتكرار العبارات التي جاءت على لسان أبطالها خاصة تلك العبارات التي كان يتناولها عادل أمام داخل العرض وهو يقوم بدور بهجت الأباصيري.
نجومية ابن البلد المدافع عن الحق والعدل:
فتحت مدرسة المشاغبين بوابة النجومية لكل من شارك فيها، خاصة عادل أمام الذي رأى أن نجوميته لن تجد لها مكاناً سوى في الكوميديا ولما كانت الكوميديا يحتلها نجوماً كباراً كفؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي وأمين الهنيدي قرر عادل أمام أن يتبني دور الشاب ابن الطبقة المتوسطة أو الفقيرة الطامح في تحقيق حلمه، وكانت انطلاقة السينما في فيلم البحث عن فضيحة مع ميرفت أمين عام 1973م واثناء قيامه بتمثيل دوره في مسرحية مدرسة المشاغبين والتي استمرت أكثر من خمس سنوات، وبعد نجاحه الملفت في فيلم البحث عن فضيحة انهالت عليه عروض السينما في أدوار البطولة الكوميدية ليثبت أنه نجم الكوميديا الشعبي رقم واحد وحيث يقرر أن يقدم مسرحية من بطولته منفرداً ليقيس بها مدى قوة تهافت الجمهور عليه من عدمه فيقدم مسرحية "شاهد ماشافش حاجة" التي فتحت طريق المجد والتاريخ لنجومية عادل إمام مصرياً وعربياً باستمرارها على خشبة المسرح كامل العدد لأكثر من سبع سنوات حتى عام 1984م وتستمر بعدها اسطورة النجم الذي صار تجسيداً لابن البلد اللماح الشهم الجدع الذي يقف في وجه العاصفة ولا ينحني لها وإنما يتحدى ويقاوم ويعلن رأيه بشجاعة وسط رصيد شعبي هائل ربما وصل تأثيره في بعض المواقف الوطنية اقوى من تأثير كل مؤسسات النشر والإعلام خاصة فيما تعلق منها بالتصدي للإرهاب والفساد والخيانة، وأخيراً كل عام والنجم فنان الشعب عادل أمام بخير بمناسبة عيد ميلاده الثاني والثمانون امد الله في عمره.