أنا يا جدة الحي أكتب و خير من يفهمني هو أنت التي خبأتي في أعماقك أوراق الذكريات و أشجان الدوالي المتماسكة لذلك أشعر بالخجل و أنا أشرح أسرار كتابتي أمامك
و لكن لا حيلة لي في هذا فأنت تظنين أنني أحقد على البشر
و لكنني أصورهم على حقيقتهم بآلة تصوير بدائية ليعترفوا بحجم خسارتهم أمام سباق السمو الإنساني
مع أنك دائماً تقولين : إن زماننا أحسن من زمانكم ؛ زماننا زمن الطيبة و التكافل ، ثم تتحسرين على أوقات لا تعود
أما أنا فقد احترمت واقعي و ذكرياتك فجميلة هي أيامك ما دامت كما تصفين و أما واقعي فمن المحال أن أصفه بأنه أجنحة الرياحين و سنابل الذهب المدودة إلى ما بعد الجبال
و غلال الورد المتمايلة بأريجها فوق شموع الكادحين
أنا يا جدة الحي أتنفس حين أكتب و أشرب أعباء الحاضر
و أسترسل أحياناً في وصف الأسى لأن ذلك الاسترسال هو طريقي في انتشال الزهور من أحضان المدفأة
و ما زلت مصراً على ما قلت و ما كان قولي انتفاضة مكلوم أبرأ منها سريعا فهؤلاء الذين أخبرتك عنهم هم الذين يأتون بالمصائب لأنهم يريدون أن تأتي المسرات بلا حركة منهم أو يستعجلون قدومها فيغضبون و يضعون العقبات في طريق الأمنيات فلا يعتبرون بتطورات الكائنات
و تذكري معي يا جدة الحي أن الشتاء ينقذ الأرواح من الظمأ و لا يجرؤ الجوع أن يسير في الطرقات إذا أطلت الثمار التي أنضجتها قطرات الغيوم و مع ذلك فإن من الناس من يكره طين الشتاء و يستقبله بالتأفف و النكد