حتى نهاية ديسمبر الماضى كان هناك نحو 12 ألف قضية إنكار نسب مقامة أمام محاكم الأسرة فى مصر، وهى التى تحيل تلك القضايا عادة لمصلحة الطب الشرعى لإجراء تحليل إثبات النسب «DNA» لبيان صحة نسب هؤلاء الأطفال لآبائهم أو عدمها، لكن هذه المحاكم غالباً ما تأخذ بقاعدة «الولد للفراش»، أى نسب الأولاد يبقى للأب والأم تحبس.
وتبين الإحصاءات الرسمية لمحاكم الأسرة فى مصر أن 53% من تلك الدعاوى أقيمت خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج، أما النسبة الباقية فكانت الدعاوى رفعت بعد أكثر من 10 سنوات وحتى 18 عاماً زواجاً.
هذه القضايا غالباً ما تشهد جدلاً مجتمعياً كبيرا، سواء كان الأبوان من المشاهير أم ناس عاديين.. ربما لأنها القضية الأشهر حول تصادم العلم بالدين أو تحويل فتاوى «مختلف عليها» إلى القانون!إلى من يُنسب الولد الذى أتت به امرأة عن طريق الزنا وهى متزوجة؟ هل ينسب إلى الزوج عملاً بالحديث الذى يقول فيه النبى صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش»؟ أم أن الولد يُنسب إلى الأم باعتبار أنها خانت زوجها وتتحمل وحدها نتائج جريمتها؟
دار الإفتاء المصرية تفسر نفس الحديث الشريف فى الفتوى رقم 3060 بتاريخ 30 /4/ 2009، بأن «الفقهاء اتفقوا على أن ولد الزنا يثبت نسبه من أمه التى ولدته، وذلك لأن الأمومة علاقة طَبَعِيَّة، بخلاف الأبوة فهى علاقة شرعية، فلا تثبت أبوة الزانى لمن تَخَلَّق مِن ماء زناه».. وهنا يصطدم الشرع بالقانون الوضعى الذى لا يسمح بتسجيل الطفل باسم أمه.
وبحسب الدكتور «على جمعة»، فإنه لا يجوز إثبات النسب من الزنا حتى لا تشيع الفاحشة، فإن ادعى الزانى أو ادعت الزانية أنهما تزوجا فقد يقبل القاضى بهذا الادعاء ويثبته «شرعاً وقانوناً»!.فى القضية رقم 38590 اتهم «محمد» زوجته بـ«الزنا»، علاوة على قضية أخرى فى محكمة الأسرة لرفع اسمه من الأوراق الشخصية الخاصة بأطفاله الثلاثة، مستبعداً تطليقها قبل الحصول على حقه القانونى منها، حتى لا يتعرض للاتهام بالتشهير.. لقد تأكد الزوج المخدوع من خيانة زوجته، وأجرى تحليل الـDNA فى معامل وزارة الصحة، وكانت صدمته مروعة حين علم أن الثلاثة أبناء ليسوا من صلبه.
حاولت الزوجة المناورة برفع قضية خلع بعد علمها بحصولها على أوراق رسمية تثبت نسب أبنائه، حتى أُصدر حكم بتاريخ 22/9/2019 بـ3 سنوات سجناً وكفالة 20 ألف جنيه، ما تسبب فى اختفائها تماماً عن الأنظار، دون تطبيق الحكم ضدها.
يقول الزوج إن المحكمة حكمت على الزوجة الخائنة هى وعشيقها بالسجن 3 سنوات فى تهمة الزنا، والعشيق بالفعل يقضى مدة العقوبة بعد أن ثبت أن أحد الأطفال متطابق مع تحليل DNA للعشيق!.«المشهد الأخير»: جاء قرار محكمة الأسرة فى الاستئناف بإثبات نسب 3 أطفال لزوج يُدعى «محمد»؛ بالرغم من أن نتائج تحليل DNA أثبتت أن الأبناء من رجل آخر وليسوا من الزوج، وجاء رفض المحكمة الاعتراف بنتائج تحليل DNA عملاً بنصوص قانون الأحوال الشخصية المعمول به فى مصر والذى يرفض الاعتراف بنتائج تحليل DNA استناداً إلى الحديث النبوى «الولد للفراش»، أى للزوج.
كيف يُحرم الإسلام التبنى خوفاً من اختلاط الأنساب ومع ذلك ينسب أبناءً غير شرعيين لرجل لمجرد أنه زوج المرأة التى أنجبتهم بطريقة غير شرعية؟! أليس عدم الاعتراف بنتائج تحليل DNA معاداة للعلم؟ وكيف شرعاً وعقلاً وعرفاً أن يثبت الزنا على امرأة ويُنسب أولادها إلى «الزوج» رغم أن تحليل الـDNA أثبت أنهم ليسوا من صلبه؟!
كيف يربى «محمد» أبناء ليسوا من صلبه وينفق عليه شقاه وكده، كيف نتعامل مع قضية «اختلاط الأنساب» فى هذه الحالة؟.. لماذا أخذنا من السنة «الولد للفراش» وتركنا «الملاعنة».. ألف سؤال وسؤال يتكرر كلما ظهرت قضية من هذا النوع.إن لم يتغير هذا القانون نصبح كمن يشق بطن الحامل ليعرف نوع الجنين ولا يعترف بوجود السونار!. نتعامل مع الطفل وهو «الضحية» وكأنه فضيحة تسير على قدمين، مفروض عليه أن يسدد ثمن خطيئة أمه مدى الحياة.. نتعامل مع العلم والقانون وكأنهما بدعة من عمل الشيطان.