تحاور اليمنيون بعد أحداث ١١ فبراير ٢٠١١ م حوارا موسعا ضم مختلف مكوناتهم السياسية والاجتماعية ، شمل مختلف القضايا المتعلقة ببناء وشكل الدولة ، وحقوق اليمنيين ، ومبادئ المواطنة المتساوية ، وتوزيع السلطة والثروة ، انقلب على هذا الحوار ومخرجاته ، ودخلت اليمن في حرب أهلية بتدخلات خارجية متشابكة ، قوضت ما كان موجودا من مؤسسات دولة ، وسفكت دم مئات الآلاف وشردت الملايين ، والأخطر هو تمزيق النسيج الوطني وإحداث شروخ اجتماعية كبيرة ضربت الهوية اليمنية الجامعة في مقتل .
بعد زهاء ثماني سنوات من القتل والتدمير في ساحة مفتوحة على مصراعيها للخارج ، ضاقت فيها صدور اليمنيين بالنسبة لبعضهم البعض ، لكنها فتحت للفواعل الخارجية تسرح وتمرح كيفما تشاء ومتى تشاء .
كان بالإمكان تجنيب اليمن كل هذا الدمار والخراب والحفاظ على السلم الأهلي المجتمعي ، ناهيك عن إبعاد اليمن عن الانضمام لساحة وكلاء طهران في المنطقة ، من خلال وأد جذوة الانقلاب في مهدها ، بدلا من هذه الفاتورة الكبيرة التي دفعها اليمنيون ؛ ليعودوا لنقطة الصفر ، لكن ذلك لم يحدث ؛ لأن المطلوب هو تخليق واقع سياسي وجغرافي جديد ، بمكونات جديدة ، تمنحها الحرب شرعية البقاء والوجود ، يقبل بها اليمنيون كأمر واقع ، بعد إنهاكهم بضريبة حرب جسيمة دفعها الشعب اليمني وحده دون نخبه ؛ حيث طفت للسطح بعض من نخب وقوى سياسية ومراكز نفوذ مدنية وعسكرية منحتها الحرب امتيازات مالية وسلطوية لم تكن موجودة قبل الحرب .
منذ أن بدأت نغمة الحلول السياسية للحرب في اليمن ، في أروقة المجتمع الإقليمي والدولي أدركت حينها أنا سنفيق على مشهد درامي يثير الحيرة والدهشة في آن واحد ، هاهو باد للعيان وملامحه واضحة جلية ؛ إنهاء الحرب بجرة قلم من الإقليم والمجتمع الدولي ، حينئذ أسئلة لماذا الحرب ؟ ! ولماذا انتهت ؟! وكيف ؟! بلا إجابة ؛ لأنها لم تكن حاضرة في أذهان نخب وجدت نفسها في موقع قيادة استعادة الدولة لكنها افتقرت للرؤية الوطنية ، مسلمة مصير شعب ووطن لمزاد علني في بورصة المصالح والصراعات الإقليمية والدولية .
شتان بين أن يكن السلام في اليمن حاجة وضرورة إقليمة ودولية ، مبتورة عن مصالح الشعب اليمني في تحقيق سلام عادل ، يزيل أسباب الحرب ويعالج آثارها ، وبين سلام يأتي بعد دحر آلة الموت وكسرها ، بدلا من مكافأتها بغسل جرائمها ، وشرعنة وجودها من نافذة التسويات السياسية ، دون ذلك فأمامنا طريق طويل لسلام شامل وكامل ، يحول دونه تدخلات الخارج ، وتعقيدات الداخل ، الملغم بمليشيات كهنوتية ، تمنح استراحات عدة ؛ لتعود للحرب أكثرة شدة وضراوة .