المعلم المثالي
طلبني المدير على عجل، ليخبرني أنني رشحت للمعلم المثالي لهذا العام.. بالطبع انتابتني حالة من السعادة الغامرة، لأنني للمرة الأولى في حياتي المهنية أنال تقديرا رسميا كنت أبحث عنه، ولكن تلك السعادة لم تكن تخلو من قليل من الدهشة، لأن مديرنا المحبوب هذا تحيطه مجموعة من أصدقائه المعلمين الذي كان من المنتظر أن يختار أحد منهم لنيل هذا الشرف، وبالأرجح زميلي "عصفور" الذي كان ملاصقا للمدير يهمس في أذنه بأشياء عن هذا وذاك.. على كل حال لقد بذلت هذا العام مجهودا ظاهرا للقاصي والداني، ولهذا ربما استشعر المدير الحرج فأراد أن يضع الأمور في نصابها الصحيح.. جعلني هذا الخبر نزقا أداعب كل من أراه في يومي من العاملين بالمدرسة بداية من عم "سيد" الساعي حتى زملائي من المعلمين والمعلمات حتى أنني وعلى غير عادتي غازلت أحداهن فوصفتها بأنها ملكة جمال المدرسة، فما كان منها إلا أن أبدت بحياء واضح تذمرها مما قولته لها رغم فرحتها التي ظهرت على محياها حيث راحت بأناملها الرقيقة تداعب شعرها الحريري وبرزت ابتسامة خفيفة على شفتيها رغم كلماتها التى تنم عن غير ذلك.
كان لابد أن أغرق في توضيب بعض الأعمال المكتبية، والانتهاء من كثير من المستندات اللازمة للحصول على اللقب والذي أخذ مني الكثير من الجهد والوقت، ولكنني في النهاية أنجزته على أكمل وجه، وسلمته للمدير الذي كان سعيدا بما قمت به وأثني عليه مع توقعات منه بحصولي على اللقب.
جاءتنا اليوم نشرة هامة من الإدارة التعليمية تخبرنا بأن مدرستنا العريقة قد نالت شرف أن يكون المعلم المثالي من بين طاقمها حيث حصل الأستاذ "عصفور" على اللقب مع تهنئة خاصة له ولمدير المدرسة وتمنيات دائمة بالتوفيق والنجاح.
الطريق الآخر
أرسل لي رسالة علي هاتفي الجوال عبارة عن دعوة لحضور زفافه، فلبيت نداء الصداقة بيننا، والتي استمرت طوال فترة الدراسة معا بداية من المدرسة الثانوية في مدرسة المركز وحتي أنهينا التعليم الجامعي، رغم كونه يقطن قرية مجاورة لنا والتي يفصلها عن قريتنا عدد من الطرق الزراعية المتفرعة إلا أن حبل الود لم ينقطع بيننا، فكنت أزوره بين الحين والآخر وكان هو يرد الزيارة كلما سمحت ظروفه بذلك، واليوم كان لابد أن أتخذ طريقي ناحية قريته فقصدت طريقا مختصرا يمر بين الغيطان ويتجه مباشرة نحو بلدته ..تحركت الساعة السادسة مساء وكان من المفترض أن اقطع الطريق في نصف ساعة لأصل منزله حيث يقام العرس في الميعاد المحدد له الساعة السادسة والنصف تماما .. ظللت طوال الطريق أتذكر لحظات الصداقة بيننا الجميلة والحزينة كذلك، ولا أدري لماذا سقطت دموعي لحظتها تأثرا؟ ربما لأن "سعيد" يعتبر صديقي الوحيد.. وصلت إلى مشارف القرية حيث لمحت من بعيد سرادق يلتف حوله جمع من الناس فخمنت أن يكون ذلك خاص بالزفاف، ولكن عندما وصلت وجدت الهدوء يخيم علي المكان ثم تبع ذلك صوت صراخ قادم من منزل صديقي ..هرعت إلى أحد أقاربه وسألته:
أليس من المفترض أن يكون ذلك عرس " سعيد"!
فأخبرني أن سعيد متزوج بالفعل، وأن هذه جنازته حيث توفي اليوم إثر حادث أليم..
أمسكت بالهاتف اتفقد الرسالة حيث قرأت ما بها بصوت عال:
"رحل اليوم الأستاذ "سعيد" وسوف يقام العزاء اليوم بمنزل العائلة الساعة السادسة والنصف مساء"