تعد القيامة أحد أوجه تطبيق العدالة علي الإنسان بعد موته، ومن العمق النفسي أن ندرك البعد الحقيقي وهو أن الموت ليس هو النهاية، بل الإعلان عن ملكوت الله حين تكتمل مؤشرات الزمن القديم الذي دونت معالمه في التوراة، وكان قديما لم يعرف أي إنسان مصيره أو تخيل حياته التشويقية عند الموت أو انتقال الروح بعد خروجها من الجسد وذهابها إلى خالقها، لكن جاءت القيامة لتؤسس لمفاهيم جديدة أشمل، وأصبح الحدث هو اكتمال للناموس والأنبياء إذ أصبح كل يوم قيامة وغلبة على الموت، واهتم الإنسان بالسماويات فتغير طبيعته وفكرة وارتبط ذهنه بحلم السماء، فبدلا أن يخرج الإنسان أسوأ ما فيه من طبعه العتيق والخطية المرونة بالجسد والذي علم فيه ناموس الخطية، إذ تطلع بالنعمة الموروثة والتي تتجدد بالمعرفة حسب صورة خالقة، وكل هذا يدفع الإنسان إلى عمل مجهود كبير ليتطلع في شركة الحياة الأبدية بدلا من ارتباطه بشهواته الفانية علي الأرض، وتخلص من مخاوفه بثمر القيامة الحقيقي وذهب يكسر شوكه الموت، وانبعثت فكرة نحو حياة روحية خالدة بأجساد مختلفة، وبرحلة ذاتية نحو السماء.
لم تكن القيامة حدثا عاديا في حييه الإنسان بل موروث يشجعه علي كفاحه ضد الخطية، وتولد رجاء في التوبة كل يوم دون بذل العناء في كيفية الرجوع لله، فأصبح السبل ميسرة لإصلاح المسيرة وقدرة حقيقية علي التغير، هكذا فطم الإنسان عن الخطية الثقيلة وأخذ نصرة للاهية بعد ان كسر أوامر الله واكل من شجرة معرفة الخير والشر، وبمجرد كسر حاجز الخوف أغلقت امامه كل الابواب ولكنه نجي من خطيئه العصيان والتمرد الذي خلق عليهم كبرياءه عبر باب "القيامة" الذي فتح امامه كنوزا سماوية اعدها الله بحنوة واحتوائه وترك له الاختيار بعد ان اطلعه علي خطته التي اعدها من بدايه الزمان ليحي كل المؤمنين به في الخلود والنعيم، ويحي علي رجاء مجيئه الثاني ومصيرة الابدي.
ولو درسنا تأثير "القيامة" علي الشيطان نفسه الذي أبتلع الطعم وأمسك في الفخ، فاستطاعت القيامة إطلاق نفوس البشر حتى التي في الهاوية حرة وفك أسر الإنسان، بعد أن كان يشتكي علي البشر، وصار الشيطان نفسه مكبل بالسلاسل وفلت الإنسان من مخالبه، وانتهت فكرة تسلطه علي الجسد وافتراءاته وحسدت للبشر، وتلك هي القيامة الروحية التي لم يدركها الكورنثيين وحاول بولس الرسول إيضاحها، وهي الوصول إلى قوة الحياة التي تعيش بداخل الإنسان في حياته أيضا.
ولعل أبرز ثمار القيامة هو التبرير الإيماني الذي رحم الإنسان من ثقل الخطيئة وجعل له مخرج دون قلق عما إذا كان الإنسان سيفسد الأمر مرة أخرى عند تكرار نفس الخطيئة، فلم يعد يري أمامه ثقل مسار التوبة فحسب بل تمسك بالرجاء، ويحي في شركة قيامة المؤمنين والتي ترتكز على القيامة السعيدة وليس قيامه الأشرار للشقاء الأبدي.
وقدم الفكر الديني القديم في الشرق الأوسط خلفية للاعتقاد في قيامة كائن إلهي ولكن ليس بقيامه الجسد، وفي مصر القديمة، كان المجتمع الأخلاقي بين الأحياء والأموات جزءا مهما من المجتمع وكان يعتقد أن العالم الآخرة قد يقع بالقرب من قبر المتوفى وبالتالي بالقرب من الأحياء، لكن لم يعط أي تصور للمجال السماوي وهذا ما أضافته الديانات فيما بعد، وقد أضافت بعض الثقافات تعقيدا إلى مفهوم القيامة، وذلك بحلول القرن الخامس الميلادي، كان لابد من مكان وسطي لمن لا يستحقون المكافآت الأبدية ولا العذاب الأبدي، فجاءت فكرة "المطهر"، وهو المكان الذي يمكن فيه جعل الوسيط الأخلاقي مقبولا لدخوله في النهاية إلى الجنة. فقد أصلحت قيامه الإنسان الارتقاء بالفكر بل أعادت تصويب النظرة الفلسفية التي كان يعتقد بها قديما من خلال مفاهيم مثل "التناسخ" و "البعث" كدورة جديدة والذي يرسخ أنه لا شيء قد تصادفه الروح في هذا العالم سيجلب لها السلام الحقيقي، وفي النهاية تدرك الروح عدم جدوى محاولاتها للسعادة وتبدأ في البحث عن خلاصها بدلا من ذلك من خلال التحرر من رغباتها الأرضية، من خلال الممارسة الروحية، يتوصل الأفراد إلى فهم كامل لطبيعتهم الأرضية ولا يعودون يتناهون مع أجسادهم أو مع هزيمة رغباتهم، فيتطلعون للقيامة بالفترة وينشغلون بالأجساد النورانية التي لم تعد تخضع لنفس قوانين الطبيعة حتى اتضح جوهر رسالة القيامة المكتملة.