بهي الدين مرسي يكتب : هل أنت فاعل أم مفعول به؟

بهي الدين مرسي يكتب : هل أنت فاعل أم مفعول به؟
بهي الدين مرسي يكتب : هل أنت فاعل أم مفعول به؟
 
أسوأ شخص فى العمل المسرحى هو المتفرج، هذا صحيح.. الأسوأ دومًا هو دور المتفرج، لأنه مجرد متلقٍ ولأنه ليس صانعًا للحدث، بينما المؤلف يبنى الرواية، ويؤسس كاتب السيناريو بيت القصيد، والمخرج يجهز أدوات الصنعة والمكان، ويقوم الممثل بنحت المنتج سواء كان العمل الدرامى، أو مشهدًا منه، أما الفنى فيقوم بتلميع وتغليف المنتج.
ولكن هناك الزبون القادم من بيته متأنقًا، وهو من سيدفع ليشترى المنتج. وهنا يبدر السؤال: مَن برأيك الرابح فى هذه السلسلة؟
بالطبع، ليس المقصود طرح التساؤل فى نطاق المسرح والفنون المسرحية تحديدًا، فهى مجرد أمثلة لنصيغ من خلالها الأسئلة ونتحرى الجواب، أما المقصد فهو أن تدرك أين دورك فى صناعة الحدث وجلب الفائدة.
هل المستفيد هو اليابانى صانع السيارة الذى يبيعها وينعم بالأموال؟ أم هو الثرى مشترى السيارة الذى تلقى المنتج «على الجاهز»؟
ويروى كاتب المقال تجربته فى حدث حقيقى يناسب القضية التى يناقشها السرد الحالى، فأقول:
قبل سنوات كنت أصفّ سيارتى بحديقة أحد فنادق مدينة الرياض تمهيدًا لإلقاء برنامج تدريبى بعنوان الـ«Game Theory» أو نظرية اللعبة، وهو منهج إدارى هندسى فلسفى يهم رجال الأعمال ورجال الصناعة والتجارة، وهو بذات الوقت يعالج منهجية التعامل مع البدائل الاستراتيجية والخيارات الرابحة فى شتى القضايا.. وكان الهدف من البرنامج التدريبى هو ضمان نجاح مديرى الإدارة الوسطى فى إحدى الشركات فى اجتياز التدريب لإجازة ترقيتهم للمستوى الأعلى، حيث تتعقد المهام وتتسع دائرة المسئولية. هذا هو نظام الشركات الكبرى فى المملكة.
بينما أوشك على الخروج من السيارة بعد اصطفافها، فإذا بشاب فى نهاية العقد الرابع من العمر يترجل من سيارته وينظر لى شذرًا وبدا أنه يتهيأ للشجار، وفهمت أنه كان ينوى ركن سيارته قبلى، وهنا باغتنى بلهجة حادة: ألم تتبين لك أحقيتى فى صف سيارتى، ومن ثم تتأخر قليلًا لأنها فرصتى، بل هو حقى؟.
وللتو تنبهت أن الرجل ربما كان شخصية مهمة تسيطر عليه علامات السطوة.
تركته غاضبًا، وسمعت «رزع» باب سيارته بعدما تركها خلف سيارتى عنادًا، ولم أنظر خلفى، وتحركت بسرعة لبهو الفندق وحاولت تهدئة نفسى قبيل المحاضرة، وعزمت نفسى على القهوة الإيطالية المركزة التى أحبها.
ودخلت القاعة بعد قليل، فوجدت الرجل الذى أهاننى قبل ربع الساعة ضمن الحضور يجلس فى الصف الأول، وأمام كل متدرب بطاقة تعريف تُقرأ من مسافة، وكانت وظيفته مساعد مدير إحدى الشركات الصناعية، وهو هنا أحد المتدربين. شعرت وكأن وجه الرجل يغلى من فرط حمرة الغيظ، ورأيته يلم مذكرته وكتيب البرنامج ويهم بالانصراف، وهنا استوقفته معيقًا طريق الخروج أمامه، وبادرته قائلًا: يا أستاذ سعد- وهذا اسمه كما تبينه بطاقة التعريف- أراك تخطئ مرتين فى نصف ساعة، خطؤك الأول كان فشلًا فى تجنب المشاكل، أما الخطأ الثانى فهو ما قررته أنت الآن، وهو اتخاذ قرار الفرار من حلبة العناد والاكتفاء بالهروب من المشكلة، متجاهلًا حسابات المصلحة. هل بوسعك تسليم زمام الأمور لغيرك ليدير الساعتين الباقيتين بلا أخطاء؟، دعنى أحمل عنك هذا العبء.
بدا لى أن الرجل شعر بالهزيمة، وبالفعل جلس إلى مقعده، ولكنها لحظة، وانتفض بديناميكية مخيفة، وألقى المحفظة التدريبية على الأرض، ونظر لى شذرًا، وعيناه حمراوان تقدحان الشرر، وصاح فى وجهى: «لو فيها مستقبلى، لن تنتصر علىّ». فى الحقيقة، خفت منه وأشفقت عليه فى آنٍ.
وغادر الرجل قاعة المحاضرات، وكانت صيحته الأخيرة أمام بقية المتدربين الذين توافدوا تباعًا قبل دقائق من الوقت المحدد، ولم يكن من السهل تجاهل الحدث، لذا رحت أرويه على الحضور، وكان الحدث أروع مثال لتوصيل الدرس. 
فى الحقيقة، لم يحظ الرجل بتقرير اجتياز الدورة، وكان تعليق مشرفه «الذى حضر الدورة لتقييمها» معلقًا على توصيتى: لا يصلح لقيادة الآخرين.
أعود لمكانة الشخص فى الحدث.. يقول ستيفين كوفى فى نظرية وضعها باسمه، وتعرف بنظرية ٩٠/١٠، إن عشرة بالمائة مما يحدث فى حياتنا أو ما قد يصادفنا من أحداث لا حيلة لنا به، ولكن ٩٠٪ من سير الأقدار فى هذا الحدث تحدده ردود أفعالنا. 
إذن، دعنا نفهم تسلسل الأحداث وفق المنطق لنرى من هو صانع الحدث، أى الفاعل، ومن هو المفعول به، وأين موقعك الحقيقى فى الحدث.
عندما تدقق فى سير الأحداث، ستدرك أن قدرية الحدث ليست من صنعك ولا حيلة لك فى إتيان الحدث، ولكنك بدأت فى الانخراط فى الحدث وأنك أصبحت أحد الأجزاء، وهو المفعول به، أى من وقع عليه الحدث، ولكنك لم تحسن أداء الدور ببراعة.
كان الأحرى بك عندما دعيت أو أقحمت عنوة للحدث، أن تستعد لاجتياز الدور بمهارة، وأن تخرج بأقل خسارة ممكنة.
من الأمور المؤكدة أن مبادرتك بتحضير أدوات اللعب فى حلبة الصراع كفيلة بنقلك من دور المفعول به إلى دور الفاعل على أقل تقدير، وهو أمر طيب، لأن دور الفاعل سوف يمنحك فرصة التقرير، أما دور المفعول به فسوف يضعك فى خانة يصب فيها الفاعل، سواء كان فردًا أو أكثر، جل قراراته أو غضبه، وهو ما لن يروقك، وربما ترهقك هذه النقلة، وقد لا تأتى النتائج رابحة.