النسخة الأكثر رواجًا حاليًا من التدين، ولا أقول الدين، هى النسخة القائمة على العبوس والتقطيب والترهيب والدق على أوتار شعور الناس المزمن بالذنب، وفى حال كان الناس إناثًا فشعورهن بالذنب مضاعف. وبعد عقود كثيرة عاصرت فيها مصر وقتًا كان التدين دافعًا من دوافع الرحمة والتسامح والقبول والإنسانية وسعة الصدر والسماحة والتيسير، وعاصرتها كذلك بعدما استشرت النسخة المستحدثة، حيث التدين قائم على العنف الفكرى والتعصب وضيق الصدر والخشونة والتعسير، أجد أن هذه النسخة الحديثة ألحقت كمًا مذهلًا من الضرر بالجميع.
ولأن الإصرار على حصر السماحة واليسر والترغيب فى المنظومة الكلامية وليس الفعلية، والتسامح مع الخطاب الغليظ والصراخ الغاضب والتضييق على العباد والميل إلى التهديد والوعيد وليس التلطيف والترغيب لما يواجهنا بعد بخطوات حقيقية، باستثناء دعوات الرئيس السيسى المتكررة والتى لا تكل أو تمل من أجل التنقيح والتنقية والتطهير واعتماد السماحة، واستحالة أن يقوم 1.5 مليار مسلم بقتل السبعة مليارات من سكان الأرض لأنهم مختلفون، وذلك فى إشارة إلى خطاب رفض كل اختلاف وفوقية الأنا. مرات عديدة والرئيس يطالب بتصحيح المفاهيم التى حبستنا فى كهف مظلم مغلق قالبه حديث وقلبه غارق فى العصور الوسطى.
عشرات المناسبات والرئيس يدق على وتر التجديد الذى طال انتظاره وتنقية بعض الأفكار التى تم تقديسها على مدار سنوات حتى أصبح الناس يدافعون عنها وكأنها من المقدسات. وفى العام الـ23 من الألفية الثالثة مازلنا نصول ونجول فى قواعد ضرب الزوجة، وجعل الضرب مقتصرًا على الزوجة «الناشز»، والمبرر هو عودة الزوجة إلى صوابها لتحمل مسؤوليتها والقيام بواجباتها الدينية والأخلاقية والاجتماعية. ومازلنا نمقت العلم ونكره إثباتاته ونخاف من براهينه، فنثبت النسب للفراش وليس للـ«دى إن إيه».
ومازلنا فى رمضان نغرق فى فتاوى ممارسة الجنس أثناء الصيام واستخدام الشطاف واستعمال قطرة العين وحكم الصائم الذى سرق مال اليتيم أو نصب على المواطنين أو تحرش بالمتبرجات الفاسقات عقابًا لهن وغيرها من الأسئلة التى تستحق دراسات فى الطب النفسى والسلوك والاعتلالات النفسية. أرى أن الجهود التى حولت الصورة الذهنية للمتدينين إلى هذا الشكل تدفع بنا نحو الهاوية. وتحتدم الهاوية وتشتد وتتأكد معالمها حين تنفر عروق «المتدينين الجدد» وتتسع حدقات عيونهم غضبًا ويهرعون لـ«جهاد الهاها» حينًا، وللاغتيال المعنوى والنفسى مع استخدام أدوات السخرية والشتم والسب والاتهام بكراهية الدين ومعاداة المتدينين لأنك تطالب باحترام الدين وإعادة هيبته التى نالت منها جهود الترهيب والتعسير والتضييق والإظلام على مدار ما يزيد على نصف قرن. رجال الدين على العين والرأس، لكن جهود الإبقاء على مفاتيح التفكير فى أياديهم بعد التأكد من إغلاق الأمخاخ بالضبة والمفتاح لن تحظى بنجاح مستدام، وإن بدا العكس بشكل مؤقت. لماذا؟ لأن الإسلام دين الفطرة، والترهيب المستمر والانغلاق المستميت ضد الفطرة.